مشاكل إفريقيا أعقد بكثير من أن يتم حلها فى عام واحد هو مدة رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى حتى لا نحمِّلها فوق طاقتها بالمبالغة فيما يمكن إنجازه. وإذا لم تتعاون الحكومات الإفريقية بجدية معها فى تنفيذ مقترحاتها ومبادراتها ومقررات القمة وتتجاوب مع مطالب الجهات المانحة بمكافحة الفساد وإنهاء الصراعات فلن تحصل على التمويل اللازم لمشروعات التنمية، ولن يجد المستثمرون الأجانب ما يشجعهم على ضخ استثمارات تحتاج إليها دول القارة بشدة لتطوير البنية الأساسية والنهوض بمستوى اقتصاداتها. فهناك 90 مليار دولار عجزا سنوياً فى تمويل مشروعات البنية الأساسية وحدها، ولا يتجاوز نصيب دول القارة من الاستثمارات الأجنبية 2%، بينما يمثل سكانها 15% من سكان العالم. ومنذ خرج الاتحاد الإفريقى إلى النور عام 2002 لم يتم تنفيذ معظم قراراته جزئيًا أو كليًا إما لعجز مالى أو ضغوط ومصالح جهات خارجية أو لرفض تلبية شروط المانحين وعدم تهيئة المناخ الآمن لجذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع المستثمرين المحليين باستثمار أموالهم فى بلادهم، لأن التنمية المنشودة تحتاج إلى بنية أساسية جيدة من طرق وموانى ومطارات تربط دول القارة ببعضها لرفع حجم التجارة البينية من نسبتها الضئيلة (16%) والمساعدة على إنشاء مصانع تقلل اعتماد الاقتصادات على الإنتاج الزراعى والمواد الخام. فمثلًا يحتاج شق سبعة طرق عابرة للحدود لربط دول القارة ببعضها إلى 120 مليار دولار ويتكلف إقامة الخط الملاحى النهرى المقترح بين بحيرة فيكتوريا بوسط القارة والإسكندرية على البحر المتوسط عبر نهر النيل نحو 12 مليار دولار. أيضًا لا جدوى من الخط الملاحى النهرى ولا الطرق القارية ما لم تتوقف الصراعات العرقية والقبلية والحدودية ويستتب الأمن حتى يمكن مرور الشاحنات والسفن بأمان إلى وجهاتها خاصةً عبر دول مضطربة مثل جنوب السودان حتى يأمن التجار والمستثمرون على رأسمالهم ولكى يحدث انتعاش حقيقى فى الاستثمار وحركة التجارة وتتوافر فرص عمل جديدة لملايين العاطلين وتتراجع موجات الهجرة غير المشروعة من الشباب الأفارقة الذين تفقد بلادهم جهودهم اللازمة للتنمية خاصةً الكفاءات منهم الذين يضطرون للهجرة بنسب وصلت إلى 56% لعدم توافر العمل أو الدخل المناسب لحياة كريمة. وما لم تتوقف الحروب والصراعات الداخلية بمساعِ جادة من قادة الدول التى تعانيها لن يستطيع نحو 18 مليون نازح ومشرد أو ثمانية ملايين لاجئ العودة إلى ديارهم رغم أن قضيتهم كانت شعار القمة الإفريقية الأخيرة. الرئيس السيسى الذى تسلم رئاسة الاتحاد الإفريقى لعام 2019 لم يغفل صعوبة تحقيق تلك الأهداف عندما قال إنه واعِ بحجم المسئولية الكبيرة التى عهد بها القادة الأفارقة لمصر لتنسيق العمل الإفريقى المشترك فى ظرف دولى وقارى دقيق تعصف به نزاعات التطرف وموجات الإرهاب وتتزايد فيه التحديات التى تواجه مفهوم الدولة الوطنية فى وقت تتعاظم فيه تطلعات الشعوب، لكنه أكد فى افتتاح أعمال القمة أن مصر ستعمل جاهدةً لتحقيق تلك الأهداف واستكمال ما بدأ منها. وفى ختامها، أعلن الرئيس أن القادة الأفارقة اتفقوا على أولويات التحرك خلال 2019 وفى مقدمتها إقرار خطة عمل لتهيئة الأوضاع لعودة النازحين إلى ديارهم فى أقرب وقت ودعم أسس التنمية المستدامة وتوفير المزيد من فرص العمل والإسراع بتفعيل منطقة التجارة الحرة والاهتمام بمشاريع إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد انتهاء النزاعات لإكمال عمليات السلام. كما أكد أنه سيعمل على تعميق أواصر التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية والدول الفاعلة والمنظمات الدولية والإقليمية لدعم قدرات إفريقيا الصناعية وتنويع مصادر الطاقة والحد من أضرار المناخ وتطوير منظومة الاقتصاد الإفريقي، داعيًا الشركاء الدوليين للاستثمار فى إفريقيا. لم تدخر مصر جهدا لمساعدة دول إفريقيا بالمساعدات المباشرة والإنسانية، والاستثمارات الخاصة التى زادت على عشرة مليارات دولار، وتنظيم واستضافة المؤتمرات للتنسيق فى مكافحة الإرهاب، وتذليل العقبات أمام منطقة التجارة الحرة، وتنظيم أول معرض إفريقى للتجارة البينية أُبرمت خلاله صفقات بلغ حجمها 30 مليار دولار، والمشاركة فى قوات حفظ السلام فى مناطق الصراعات. فقد أعلن السيسى خلال القمة تدشين منتدى أسوان للتنمية المستدامة خلال 2019 ليكون منصة إقليمية وقارية لقادة السياسة والفكر والرأى وصنَّاع السلام وشركاء التنمية، وتستضيف مصر خلال أسابيع قمة المركز الإقليمى لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات ومقر وكالة الفضاء الإفريقية لخدمة التنمية فى القارة. وسبق أن أعلن الرئيس فى ختام مؤتمر إفريقيا 2018 بشرم الشيخ إنشاء صندوق لضمان مخاطر الاستثمار فى إفريقيا لتشجيع المستثمرين المصريين وعن صندوق للاستثمار فى البنية التحتية المعلوماتية لدعم التطور التكنولوجى والتحول الرقمى لبناء اقتصادات حديثة وعن 250 منحة تدريبية لكوادر إفريقية فى مجالات الوقاية من الفساد وتحفيز وتيسير عمل الشركات الإفريقية والتفاوض مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية، كما وجَّه بتوفير 100 منحة تدريبية عسكرية جديدة للأفارقة خلال عام 2019، إضافةً إلى ألف منحة دراسية فى الكليات العسكرية تم تخصيصها فى 2016. كما أسست مصر المركز الإقليمى لتنسيق مكافحة الإرهاب بدول الساحل والصحراء وتعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ودربت 7500 إفريقى فى مجال الطاقة الكهربائية منذ عام 2007، وخصصت وزارة التعليم العالى 512 منحة دراسية إضافية للأفارقة خلال العام الحالي، وأعلنت الحكومة 100 منحة تدريب مجانية للأئمة والدارسين. والدور الآن على الحكومات الإفريقية لتُحسن استغلال تلك المساعدات وتهيئة المناخ للمزيد من مصر وغيرها.