خذوا الحكمة من أفواه الغلابة.. أصبحت تلك فلسفتى بعد أن فرمنى العمر الصحفى وتصريحات المسئولين والدكاترة والفلاسفة والحكماء والعلماء على مدار ثلاثة عقود! أثناء عملى الميدانى الصحفى، حتى مللت! وحفظت! ولن أقول يئست! فكلما جلست مع البسطاء وأكلنا البطاطا على حصيرة البساطة تمسكت بدينى ولو جمرة من نار. لم أكن أتصور أن هذا البلد الذى كنت أسافر إليه فى رحلات المدرسة والجامعة، الفيوم، وتدوم الرحلة ساعات كأنها شهور تحمل بين مياه بحيرتها الكبيرة كل هذا الهم؟ يلقى به أهلها فى أعماق الأعماق لعل الآفة التى أصابت ثرواتهم السمكية فى مقتل، تقتل الهموم، مثلما قتلت الأسماك والخير كله؟ لم أتصور أن قدومى على الجلوس فى الفلوكة الخشبية المتهالكة مرتين لمجرد مساعدة الصيادين لتبحر بنا «بعكازها» المفروض أن يكون المجداف! يمكن أن يخرج من أعماق هذا الوحل «القارونى»، كل تلك العفونة إنه الفساد الذى تسبب فى الإرهاب بعد أن رصد وجند الفساد العالمى مئات النفوس المحرومة من نظرة عدل من الحكام على مدار سنين العمر، فضاعوا وسط إغراء الدولار والأسترلينى واليورو ولا مانع من الليرة وهوه إحنا لاقيين! بعد أن أصبحت النفوس فقيرة من الطبيعى أن تباع وتستغل فى سوق النخاسة العالمية. لم أصدق أن عم حسين الصياد تخرج تلك الكلمات من فمه وهو حقا يبلغ من العمر الستين ولا يكتب لكنه يقرأ القرآن ويحفظ جزءين! فقد التحق بالكُتاب فى القرية مما جعله يقوى على الحفظ وساعده ذلك على قراءة ورصد سطور الفساد التى عربدت فى بلده الفيوم على مر أكثر من ثلاثة عقود، خصوصا بعد أن تولى هذا النائب منصبا يمكنه من شراء مائة وخمسين فدانا يقيم عليها مزارا ينصب نفسه وأجداده من أولياء الله الصالحين، تقام الموالد ليلا على الأضرحة وصباحا تنبش الأيادى للبحث عن الاثار التى تباع! عصابة! صرخت لأوقظ بداخلى ضميرى الذى تعود على سماع قصص الفساد وانتصاره إلى حين، لكننى وجدت «عم حسين» الصياد يروى لى ولمن حولى من صديقات المدرسة.. قصة «قارون» صاحب البحيرة التى أكلت ماله وفساده، وأصبح كل هذا فى خبر كان، نقطة فى بحر نتذكره المفروض لنتعظ؟ سرح بصرى بعيدا تجاه الأرض المنهوبة فى الفيوم وآثارها المبيعة ليوقظنى عم حسين الصياد، وهو مستمر فى التجديف كما لو كان ابن العشرين فى بحيرة ثقيلة الملوحة بالمياه، فارغة من الخير، تأكلها الآفات، يعجز علماء الثروات السمكية عن إنقاذها حتى الآن، ليسألنى سؤالا أقدمه إليكم: ترى هل هناك علاقة بين فساد الضمير ونهب الأرض المصرية من قبل مسئولين ماتوا أو حكموا وماتوا قبل أن يحاسبوا، وبين تلك الآفة الحشرية التى تأكل الأسماك؟ والتى قضت على الثروة السمكية فى البحيرة؟ ولا تزال تقضى عليها حتى الآن؟ حمدا لله على السلامة وصلنا ورحل الصياد قبل أن يسمع الإجابة ليلحق بصلاة المغرب، رحل وتركنى أبحث عن إجابة. لمزيد من مقالات دينا ريان