" النيل كفر بالسمك.. حتى الشبك بيصوم ".. جملة بسيطة رسمها بقلمه الشاعر الشاب "مصطفى البسيوني" للتعبير عن حال الصياد، فعلى الرغم من أنه لا يستقر سوى في قاربه ولا يفكر إلا في شباكه إلا أن هذا لا يمنعه من ترك مهنته، للعمل بمراكب الفسحة، أو الانتقال للعمل بالمحاجر بسبب نقص الزريعة بنهر النيل. ويعاني الصياد المصري من مشكلات عديدة، لما يتعرض له نهر النيل من عدد من التصرفات الخاطئة التي تساعد في القضاء على الثروة السمكية، فعدم إلقاء "الزريعة"، واستخدام الكراكات في غير الشهور المناسبة، كانتا سببًا في تلك المعاناة التي يعيشها الصياد، المصري، حسب ما أكده لنا عدد من الصيادين. وجلس "أحمد فتحي خليل"، والذي يعمل في الصيد منذ أكثر من ثلاثين عاما، مفترشًا قطعة من القماش على تلة من التراب أمام قاربه مشتاقا لعودة الأسماك إليه من جديد.. يدخن فتحي سيجارته حزينًا على حاله، وساخطًا من أحوال الصيد الآن، وعينيه تصعد إلى السماء متمنيًا من الله بأن يصلح حاله وحال النيل، مسترجعًا شبابه الذي أفناه حبًا في الصيد، فلديه خمسة من الأبناء في مختلف الأعمار، يتحمل مسئوليتهم من مهنة أصبحت الآن غير ميسرة. "توارثنا مهنة الصيد أبًا عن جد، ولكننا الآن نعاني من تدمير الثروة السمكية، الزريعة لم تلق، وأصبحت تباع في السوق السوداء.. الكراكات المختصة بجرف الحشائش تقضي على الزريعة، غير أن مخالفات المصانع تتسبب في تسمم الأسماك".. هكذا تحدث عم فتحي وهو يتذكر بدايته مع الصيد وما وصل إليه. المزارع الخاصة وعن فكرة "المزارع الخاصة" استكمل حديثه قائلًا " كل صياد يضع يديه على حيز من المياه، ويحجزه بالشبك، والمسطحات المائية على علم بذلك وتتساهل معهم، لذا أطالب شرطة المسطحات بالقضاء على تلك المزارع وعدم التعاون مع الصياد الذي يتجه إليها، لأن ذلك يضر الثروة السمكية". وعلى الرغم من أن "الصيد يعلم الصبر" إلا إن الصياد وصل لمرحلة لا يحسد عليها، فاضطر إلى تركه، واللجوء إلى أعمال أخرى ليسترزق منها، وهذا ما أكده لنا عم "فتحي" وقال "تركنا الصيد، واتجهنا للعمل بمراكب الفسحة.. الصيد الآن أصبح بلا جدوى، وأطالب المسئولين ضرورة الاهتمام بنهر النيل والصياد، لتخطي المشكلة الراهنة، لإن الصياد الآن أصبح «ميت بالحيا»". الاتجار في الاستاكوزا وعلى الناحية الثانية من النيل، يعيش "عم محروس أحمد" على قطعة صغيرة من الأرض، على شكل "عشة" محاطة بعدد من الطوب، يعتليها تلا من البوص وقطع من الأخشاب، يفترش الحصير خارج العشة على ممر من التراب، يرافقه عدد من رفقاء الصيد، يشعلون قطع صغيرة من خشب الأشجار القديم، لإعداد الشاي، حتى يرافقهم في محنتهم، يلقون "النكت" ساخرين على حالتهم العسيرة. ولم يمكن "لعم المحروس" ابن 53 عاما إلا السخط من أحوال الصيد، فيجلس كل يوم في الصباح الباكر، ينظر إلى النيل، وإلى قاربه، ويتسائل.. هل سيأتي اليوم الذي سيعود الصيد كما كان كان سابقًا؟، فيتذكر شباكه قديمًا التي كادت أن تمزق من كثرة الأسماك، ويبكي على حاله الآن من شباك أصبحت تشكتي الفراق والوحدة. وقال " بندفع 20 جنيها كل سنة، لعمل الرخصة، ومن ضمن الشروط رمي "الزريعة"، لكن الزريعة مش بتترمى، الزريعة بتروح للمزارع الخاصة بتاعة الناس الكبيرة، لكن أحنا بنترمي ومحدش بيبصلنا، والكراكات بوظت النيل ومبقاش في سمك، بقينا نبيع الاستوكازا اللي هي أصلا سبب دمار الثورة السمكية بدلًا من السمك، بنبيعها لمصنع صيني بيعمل منها علف، يابيه أحنا موتنا بالحيا!". وأضاف:" أنا عندي 16 عيل ومش لاقيين شغل هنصرف منين، انا سيبت البيت وجيت عملت عشة عشان الشقى اللي الواحد فيه". وقال صديقه "عبد المهيمن حسان- 50 عاما " الصيادين ثروتهم كلها في النيل، وقاعدين قدامك زي ما أنت ما شايف مش بيعملوا حاجة، مفيش حاجة يعملوها، روحنا وزارة الري وكلمنا المسئولين ومحدش عملنا حاجة". تدمير الثروة السمكية وأضاف "إبراهيم ياسين" صياد بمدينة بنها:" أنا وأولادي وإخواتي وأجدادي كلنا صيادين، توارثنا الصيد عن بعض، لكن الصيد دلوقتي يعتبر مات خلاص، لإن النيل دلوقتي في تلوث لأقصى درجة، الشركات والمصانع بتفضي عوادمها في النيل، والثروة السمكية ادمرت، ده غير الكراكات اللي مابتصلحش من الثروة السمكية، بتدمرها اكتر". 4ملايين صياد على مستوى مصر ومحدش بيسمعهم واختتم الصياد "محمود كمال عبد الله خليل" الحديث قائلا: أنا بقالي 30 سنة صياد، ورثتها عن اجدادي، خاطبنا المسئولين وقولنا إن الثورة السمكية ادمرت، لكن محدش بيسمع". وتابع: " في 4 ملايين صياد على مستوى مصر، لكن محدش بيسأل فينا، المهم عندهم إنهم يطلعوا الميزانية كل سنة 20 مليون جنيه عشان خاطر الثروة السمكية اللي هما بيدمروها". وعن تدمير مهنة الصيد في مصر وتردد مقولة "الصياد مات" قال خليل:" الصياد ماماتش، إحنا موجودين وعندنا دكاترة في العلم ومهندسين، بس هما اللي بيموتونا، إحنا خلاص اتشردنا ومبقاش معانا نصرف على عيالنا".