الضجة الكبرى التى تثيرها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ شهور حول عقد تركيا اتفاقا للتزود بمنظومة إس 400 الروسية للدفاع الجوى، والتى كانت ذروتها منذ أيام بزيارة وفد أمنى أمريكى لتركيا لافتة جدا للنظر، فالاعتراض الأمريكى على تلك الصفقة (التى عُقدت عام 2017) ينبنى على أن هناك مخاوف من حلف الناتو وفى مقدمته الولاياتالمتحدة أن يؤدى اقتناء تركيا صواريخ إس 400 إلى انكشاف الأنظمة الدفاعية الغربية على روسيا، برغم تعهد تركيا بعدم إدماج منظومة الدفاع الجوى الروسية ضمن منظومة الناتو، والحقيقة أن هذا الاعتراض الأمريكى يستند إلى أسباب زائفة وواهية، فالولاياتالمتحدة تعترض كذلك على أن تقتنى المملكة العربية السعودية منظومة إس 400 على الرغم من أن السعودية ليست جزءا من الناتو، كما أن هناك اعتراضا آخر على مصر إذا أبرمت صفقات سلاح ضخمة مع روسيا، وقد لوحت أمريكا عبر الكونجرس بتوقيع عقوبات كبرى على الدولتين إذا عقدتا صفقات سلاح مع الاتحاد الروسى.. كما أن إعلان تركيا أنها ستتعاقد على منظومة باتريوت الأمريكية بمبلغ ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار لم يخفف من الاعتراض الأمريكى بسبب الاشتراط التركى بعدم وجود إملاءات أمريكية تفرض التخلى عن المنظومة الروسية التى صارت شهيرة جدا.. والغريب أن واشنطن كانت ترفض قبل ذلك بيع صواريخ باتريوت تلك لتركيا نفسها، ولكن فيما يبدو أن أمريكا تشعر بأنها انهزمت أمام أجيال متقدمة من السلاح الروسى تفوقت على نظيرتها الغربية، وبالتالى فهى تتصلب رافضة صفقات تبرمها أو تزمع إبرامها بعض دول المنطقة على هذا النحو.. ما نشهده الآن هو محاولة تشبث الولاياتالمتحدة بوضعها السابق كالدولة التى تستطيع فرض ما ترغبه من مواقف على الدول الأخرى، إذ لم تعد واشنطن هى التاجر الأوحد فى سوق السلاح الدولى, ولكنها صارت رقما مع آخرين فى معادلة تجارة السلاح العالمية، وهذا ما تصر الولاياتالمتحدة على عدم قبوله أو الاعتراف به وتستمر فى الاعتراض حتى على حلفائها إذا أرادوا الوقوف فى الجانب الآخر من الاصطفاف الإقليمى الذى تريده.. العقليات التى تدير السياسة الأمريكية تحتاج إلى إعادة تأهيل لتدرك موقعها الجديد فى ساحة العلاقات الدولية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع