عادت كلمة «العولمة» مجددا على الشفاه بكل لغات العالم فى إطار محاولات الفهم والتحليل الدقيق لمظاهرات الغضب التى شهدتها فرنسا، وسط مؤشرات بوجود احتمالات لانتقال عدوى الغضب إلى دول أوروبية أخرى بدأت تدفع فاتورة سياسات العولمة وقوانينها الجائرة. والحقيقة أن فكرة «العولمة» لا غبار عليها، وأنها تستهدف إنعاش الاقتصاد العالمى وحمايته من مخاطر الركود والكساد من خلال الإسهام فى ترويج السلع والخدمات وتنشيط حركة التجارة العالمية بعد إزالة الحواجز التى تعوق حرية الحركة أمام انتقال رءوس الأموال والاستثمارات.. ولكن تجربة العالم مع نظام «العولمة» على مدى ال 20 عاما الماضية أكدت صحة مخاوف الذين تحفظوا على العولمة منذ البداية، وكانوا يرون ضرورة التدرج فى الأخذ بها لتجنب مخاطر القفز إلى المجهول مرة واحدة دون توافر معطيات الاطمئنان الكامل لنظام اقتصادى يسمح بحرية انتقال مئات المليارات من الدولارات أو غيرها من العملات فى عدة ساعات من بلد إلى آخر، أو من عدة بلاد إلى بلد بعينه، مما يسمح ب «شفط» كل الرصيد المالى لدولة بعينها فى غمضة عين، وهو ما حدث لدول كثيرة وأدى إلى تعرضها لانهيار اقتصادى مرعب. والحقيقة أن فرنسا التى تملك اقتصادا قويا مثل سائر الدول الأوروبية الكبرى لكنها وجدت نفسها مضطرة لفرض ضرائب إضافية على المحروقات رغم ثبات أسعار البترول نسبيا فى السنوات الأخيرة، نتيجة نشوء تداعيات غير مباشرة لما واكب العولمة من تطبيقات عولمية بعضها يتعلق ببعض حالات الائتمان التى تم منحها على أسس غير اقتصادية، وكذلك بعض القروض التى جرى ضخها لمشروعات ضخمة ذات تكلفة عالية مما أحدث اختلالات فى التدفقات المالية التى تكفل تحقيق التوازن بين الدخل الحكومى والإنفاق العام. ولن تكون فرنسا أو غيرها فى مأمن من خطر تجدد الاضطرابات ببعض إجراءات الحماية الوقتية وإنما المطلوب رؤية دولية لمراجعة نظام العولمة والعمل على ترشيده بتوفير أجواء وسياسات اقتصادية جديدة آمنة وخالية من المخاطر. خير الكلام: أبسط الشرور هو الشر الظاهر للعيان! [email protected] [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله