إذا كنت قد تحدثت أمس عن الحاجة إلى وقفة موضوعية مع النظام الاقتصادى الدولى الراهن تحت رايات «العولمة» فى إطار محاولة الفهم لأسباب وجذور الغضب الذى اجتاح العاصمة الفرنسية «باريس» ثم انتقلت العدوى إلى العاصمة البلجيكية «بروكسل» باسم الرفض لزيادات أسعار الطاقة والضرائب فإن من الإنصاف القول بأن «العولمة» ليست «شرا» كلها لأن بها بالقطع جوانب إيجابية عديدة ولكن جوهر التحدى يكمن فى أن شرور «العولمة» لو تركت بغير حصار وبغير ضوابط يمكن أن تتحول إلى شرارات لهب محرقة تلبى أهداف الفوضويين على مختلف انتماءاتهم. إن قانون العرض والطلب قد يكون عاملا من عوامل الانتعاش الاقتصادى وتنشيط حركة التجارة لكنه يفرز أثارا سلبية على التماسك الاجتماعى الذى كان لسنوات طويلة سبقت «العولمة» يستفيد ويكتسب قوة من الضوابط والقيود التى كانت تفرضها الحكومات وهى تضع فى اعتبارها مخاطر تجاهل البعد الاجتماعي! إن الخطأ الكبير الذى صاحب «العولمة» ذلك الترويج المتعمد والمقصود للإيحاء بأن الرأسمالية خيار وحيد لا بديل له وذلك أمر لا يختلف كثيرا عن الإسراف فى سرد محاسن الديمقراطية واعتبارها خيارا وحيدا لكل شعوب الدنيا دون أن تتوافر شروطها التى توفر أسباب نجاحها ولا تجعل منها مدخلا للفوضي. وتحضرنى مقولة الزعيم الهندى الراحل جواهر لال نهرو التى قال فيها: «إن الديمقراطية أمر جيد ليس لأنها جيدة فى حد ذاتها وإنما لأن كل الأنظمة الأخرى أسوأ منها».. واقتداء بهذه الكلمات الحكيمة لنهرو فإننى ربما يجوز لى أن أضيف من وحى مظاهرات باريسوبروكسل:«وكذلك العولمة قد تكون شيئا جيدا ليس لأنها جيدة فى حد ذاتها وإنما لأن معطيات الحاضر لا توفر بديلا أفضل منها ». باختصار الأمر يحتاج إلى وقفة مع العولمة ليس رفضا لها وإنما سعيا لتخفيف الانعكاسات والتداعيات السلبية لها والتى لم تكن غائبة عن قمة العشرين بالأرجنتين! خير الكلام: ما هانت عزيمة تجاهد بحق لنصرة الحق! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله