دفعتني المخاوف من أن تمتد آثار الأزمة المالية التي تجتاح أوروبا حاليا لكي يصل خطرها المرعب إلينا.. ومبعث الخوف مرتبط صراحة بازدياد حدة تفاقم الأزمة التي تعاني منها مصر منذ مطلع العام الحالي.. وهوما دفعني إلي التقليب والتنقيب حول جذور تلك العواصف التي قلبت الموازين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس في اوربا وحدها وانما في معظم دول العالم. وقد وجدت ضالتي فوق أرفف مكتبتي من خلال صفحات كتاب بالغ الأهمية يحمل اسم محاكمة العولمة سبق لي أن عرضت بعض محتواه قبل عدة سنوات بمقدمة قلت فيها: الحمد لله أننا لم نعد وحدنا المتهمين بالتشكيك في' العولمة' والمبالغة في تصوير مخاطرها الرهيبة بعد أن أصبح الحديث عن' العولمة' ومفاسدها حديثا شائعا في العالم كله شرقه وغربه وشماله وجنوبه ولسان حال الجميع يصرخ من مثالبها المتزايدة عاما بعد عام. والحقيقة أن أهمية هذا الكتاب ترجع إلي إعادة طبعه6 طبعات علي مدي السنوات الخمس الماضية في العديد من الدول الأوربية خصوصا في فرنسا وألمانيا رغم أن المؤلف الرئيسي له واحد من أشهر الاقتصاديين الأمريكيين الذين بادروا منذ البداية بمناهضة العولمة, وهو إدوارد جولد سميث وقد شاركه في الكتاب جيري ماندر أحد المحللين السياسيين الأمريكيين, ويبدو أن دور النشر الأمريكية لم تتحمس لفكرة الكتاب في إطار اتجاه عام يساند العولمة قبل تفجر الأزمة المالية العالمية عام2008 ولذلك لجأ المؤلفان الأمريكيان إلي إحدي دور النشر في باريس وهي مؤسسة فايار. ولا شك أن مجرد قراءة عنوان الكتاب تعطي مؤشرا محددا له دلالته الواضحة حول موقف مؤلفيه من فكرة العولمة. وميزة هذا الكتاب أنه يستشهد بمساهمات بحثية مباشرة لأكبر الأخصائيين العالميين في شتي الميادين حيث يقوم كل واحد منهم بدراسة وجه من وجوه العولمة, وتبعا لمركز اهتمامه وتأثيراته علي جوانب الحياة حيث تتفاقم عدة ظواهر سلبية علي الناس في معظم دول العالم, وعلي رأسها زيادة الفقر والتهميش في ظل اتساع الهوة بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة, لاسيما أن اقتصاد جميع الدول الفقيرة قد غدا مفككا والثقافة أحادية والزراعة والصناعة تتراجعان, وهذا كله لابد أن يكون له بالمحصلة تأثيره السلبي الكبير علي المسار الديمقراطي الذي اختارته البلدان المتقدمة منهجا لتحقيق قدر أكبر وأعمق من التقدم والازدهار. وغدا نواصل القراءة خير الكلام: من يطمع في كل شيء.. ربما يخسر كل شيء! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله