هل زالت الاسباب التي دعت إلي انعقاد القمة العربية في الشهر الماضي, أم أنها لاتزال محملة بالخطر الذي يحتاج طريقا آخر في التعامل معها؟ القمة كان لها عنوان هو قمة القدس ومتابعة الوضع الذي لا يتحقق له اي تقدم نحو حل القضية الفلسطينية, ثم انتهت أيام القمة وتوالت المؤشرات من اسرائيل عن خطوات تستهدف القدس, وعن تعنت متصاعد في رفض اي تسوية سلام مقبولة للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. ولا يغيب عن النظر ما ظهر من اتفاق لغة خطاب القادة, مع لغة خطاب الرأي العام العربي. وطالما ان الاثنين كانا يصرخان ويطلبان تصرفا عمليا بوقف اسرائيل عن التمادي في التعنت, فإن هذا التوافق لابد أن يدفع الي التساؤل: إذا كان الاثنان متفقين في نوعية الشكوي, وفي نفس المطلب, فأين المشكلة إذن؟ إن كلمات القادة العرب جاءت ناطقة بهذه العبارات: الحكام العرب في وضع لا يحسدون عليه والجماهير تنتظر أفعالا لا نستطيع أن نخدع شعوبنا أو أن نقف عاجزين أمام مسئولية التاريخ الأدلة تؤكد وجود أزمة عربية مستعصية, لايمكن تجاهلها, أو الالتفاف حولها والعمل العربي المشترك يواجه أزمة حقيقية تقتضي المواجهة. إذن الجميع يعترفون بالعجز, وبوجود أزمة مستعصية, ومطلبهم هو إيجاد حل عملي وليس بمجرد الكلام, وهم أصحاب القرار, وصانعو السياسة, وواضعو الاستراتيجية, فما الذي يمنع من التصرف؟.. من سواهم يملك قرارا, ينفض العجز عن الأمة العربية, ويخرجها من الأزمة؟ لقد سبقت قمة القدس2010, قمم توالت عبر43 سنة, منذ احتلت اسرائيل القدس في67, ولقاءات كانت فيها القضية الفلسطينية هي القضية المحورية منذ قيام إسرائيل عام48, فما الذي تغير؟ ومن في يده الفعل والتصرف؟ وإذا كان الجميع لهم مطالب, فإلي من يتقدمون بها؟! إن كثيرا من الدراسات في أوروبا علي وجه التحديد, والتي تعرضت لمناقشة حل النزاع العربي الاسرائيلي, لاحظت باستمرار غياب أي فعل عربي, يحرك النزاع, ويعدل مساره, ومؤخرا راحت كثير من الآراء بين المفكرين والخبراء السياسيين للشرق الأوسط, في أوروبا والولايات المتحدة, تلح علي ضرورة ظهور مبادرة عربية, تكون مختلفة عن الشكل التقليدي, الذي تعلن به المطالب العربية, وأن المبادرة المطلوبة لابد أن تكون خلاقة, تنطلق بخيالها إلي آفاق تستوعب ما تغير منذ دخول العرب عملية السلام في مدريد91, وتطورات السلوك الاسرائيلي, وكذلك الامريكي, واداء الجانب العربي, والوضع داخل الارض المحتلة, وتحركات القوي الاقليمية في المنطقة, وفي العالم بشكل عام, وبجانب ذلك كله لا تغفل عن عنصر رئيسي وحاكم في السياسات الاسرائيلية من عملية السلام, ينبني علي مقولتهم بأن العرب يتكلمون ولا يفعلون. والفعل بالمعني السياسي, هو عنصر لا يختلف عن مضمون استراتيجية اي دولة, فالاستراتيجيات هي تناطح عوامل نشطة تتحرك بها خطط تستهدف درء أخطار تهدد الدولة, وتعمل علي تعزيز مصالحها داخل وخارج حدودها, والتحرك في الامتداد الاقليمي إذا ما كان لمثل هذه الدولة مشروع إقليمي يتجاوز حدودها. وفي إطار كل هذا التناطح, فإذا التزم طرف بالسكون, وتجرد من أي استراتيجية, وركن إلي الكلام دون الفعل, فمن الطبيعي ان تقتحم استراتيجيات الآخرين, مجاله الحيوي, وتجور علي مصالحه, وتتمادي في التوسع فيما هو متاح لها من مساحة الاقليم. إن من تكرار القول, إن الفعل المطلوب هو الذي تعادله الاستراتيجية, وهي ليست اختراعا سينفرد به العرب, فهي واقع ملموس تأخذ به دول وتمارسه عمليا, وهو علم يدرس, له مدارسه وقواعده. من ثم فهو لا يتواجد باطلاق الشكوي, والمطالب لاصلاح العجز والخروج من الأزمة لكن يتواجد لو ان ما حدث في القمة لم يتوقف عند حد الشكوي وتكرار الكلام, وإعلان المطالب, بل اقترن به قرار بتكليف الخبراء والمختصين, بأن يجلسوا معا, وان يعملوا علي صياغة هذه الاستراتيجية, اي الفعل الذي تنتظره الجماهير, أما إذا جاءت القمة المقبلة لتكرر نفس الأقوال, دون ان يتحول القول الي فعل, فإن اسرائيل لا تردعها أقوال, ثم انها في حقيقتها ليست قوة خارقة, لكنها دولة تجد أمامها فراغا استراتيجيا, يغريها علي ان تمرح فيه.. وهذه هي المشكلة, وهي أصل الازمة العربية المستعصية.