زيادة المصروفات.. موعد التقدم للمدن الجامعية بالأزهر 2026    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا يؤكد تقديره الكبير لأسرة التعليم    "البحوث الإسلامية" يعلن موعد ومقر الاختبارات التحريرية لابتعاث إحياء ليالي رمضان 1447ه    مدبولي يتابع خطط تنمية "المثلث الذهبي" وجذب استثمارات صناعية وزراعية    نائب محافظ الوادي الجديد: البدء في تنفيذ إجراءات مدرسة التعدين    تفاصيل خطة مد الخط الرابع للمترو إلى مطار العاصمة الإدارية وربطه بالقطار الكهربائي    أربعة أعوام من الريادة.. هشام طلعت مصطفى يرفع اسم مصر في قائمة فوربس    علاء فاروق: حلول تكنولوجية حديثة في مواجهة تحديات القطاع الزراعي    شعبة الجمارك: تسويق الخدمات الجمركية مفتاح جذب الاستثمار وزيادة الصادرات    نتنياهو: نحن على وشك إكمال المعركة بغزة    هآرتس: نتنياهو يواجه صعوبات في تسويق خطة احتلال غزة    رغم رفض نقابات الطيران.. خطوط بروكسل الجوية تُعيد تشغيل رحلاتها إلى تل أبيب    تحليق مكثف للمسيرات الإسرائيلية فوق منطقة جزين جنوب لبنان    الصين تحذر من خطة إسرائيلية للاستيلاء على غزة وتدعو لرفضها بحزم    لاعب بايرن ميونخ يقترب من مزاملة رونالدو في النصر    البرازيلي خوان ألفينا يشارك في مران الزمالك لأول مرة اليوم    "قريبا".. الغندور يزف بشرى سارة لجماهير الأهلي بشأن إمام عاشور    انتظارا لانتهاء أزمته مع كولومبوس الأمريكي .. وسام أبوعلي يتدرب منفردا ويبلغ الأهلي بقرب تحويل الدفعة الأولى من مقدم التعاقد    كشف حقيقة "فيديو" صراخ سيدة داخل سيارة أجرة بالإسكندرية    ضبط ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء بالجيزة وبحوزتها 150 قطعة متنوعة    بعد وفاة فرد.. مطلب برلماني بحظر عمل عمال النظافة خلال فترة الظهيرة    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    محمد رمضان في كواليس تصوير أحدث أغانيه "مفيش طبطبة" في نيويورك (فيديو)    فتوح أحمد: الإعلام الرياضي ومَن يبثون الفتن هاخدهم معسكر بسوهاج 15 يومًا- فيديو وصور    في ذكراه.. لماذا ندم نور الشريف بسبب "رجل الأقدار"؟    بين سطور كمت «4»    قبل طرحه الأربعاء المقبل.. تعرف على شخصيات فيلم درويش    خالد الجندي: كل حرف في القرآن يحمل دلالة ومعنى ويجب التأدب بأدب القرآن    أمين الفتوى يحذر التجار من هذه التصرفات في البيع والشراء    ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين.. المفتي يوضح    تعاون مصري كولومبي لتقديم العلاج والمساعدات لقطاع غزة    هل يشارك أحمد فتوح في مباراة الزمالك القادمة بعد تدخل زملائه للعفو عنه؟ اعرف التفاصيل    جدول ترتيب الدوري المصري الممتاز بعد نهاية الجولة الأولى    حمام ثلج وبسبوسة ممنوعة.. بسنت شوقي تخطف الأنظار على إنستجرام    الشاطر يكتسح شباك التذاكر.. وأمير كرارة: من أحب التجارب لقلبي    بعد مصرع شخصين وإصابة 7 آخرين .. التحفظ على كاميرات المراقبة فى حادث الشاطبى بالإسكندرية    ترامب يطالب بالتحرك الفوري لإبعاد المشردين عن العاصمة واشنطن    تقارير: تسيميكاس يقترب من الرحيل عن ليفربول.. ووجهته الأقرب    مصر تواجه تونس فى البطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 40.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 26 يومًا    الرعاية الصحية: إنقاذ مريضة من فقدان البصر بمستشفى الرمد التخصصي ببورسعيد    المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية تشارك في النسخة الأولى من بطولة العلمين للجامعات    ضبط 8 أطنان خامات أعلاف مجهولة المصدر في حملة تفتيشية بالشرقية    ضبط عاطل بالجيزة لتصنيع الأسلحة البيضاء والإتجار بها دون ترخيص    إسلام عفيفي يكتب: إعلام الوطن    وزير الري يتابع تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي وصيانة خزان أسوان وبواباته    «لمحبي الصيف».. اعرف الأبراج التي تفضل الارتباط العاطفي في أغسطس    لليوم ال 11.. «التموين» تواصل صرف مقررات أغسطس    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    طب قصر العيني تطلق أول دورية أكاديمية متخصصة في مجالي طب الطوارئ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    الذهب يتراجع مع انحسار التوترات الجيوسياسية وترقّب بيانات التضخم الأمريكية    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلم والثعبان فى جهود المصالحة العربية
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 03 - 2009

بلغ تشرذم الدول العربية مبلغا حتى بات بذل الجهود من أجل تفادى أضرار انعقاد القمم العربية هو أقصى ما يطمح إليه بعض هذه الدول. تشهد الأجواء تحركات واسعة النطاق للتوصل إلى مصالحة عربية كما يقولون، لأن ثمة عوامل عالمية وإقليمية تدفع لهذا دفعا، وهذا حقيقى.
صحيح أن هناك تقارير تفيد بأن الإدارة الأمريكية الجديدة باتت تؤمن بأن تجمع العرب هو خير وسيلة لمنع امتداد النفوذ الإيرانى إلى الفراغ الذى سوف يخلفه انسحاب القوات الأمريكية من العراق يوما ما، لكن هذه الإدارة من ناحية أخرى تبادر بتحركات تعاونية تجاه إيران يمكن أن تصل إلى تفاهم قد يكون فى أحد أبعاده على حساب المصالح العربية، الأمر الذى يستوجب وقفة عربية موحدة هى مستحيلة بكل المقاييس دون مصالحة، وصحيح أيضا أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتوقع أن تكون شديدة التطرف على نحو غير مسبوق تستوجب استعدادا عربيا مشتركا للمواجهة يذكرنا بالقمة التى دعت إليها القاهرة فى 1996 بعد وصول نتنياهو للمرة الأولى إلى قمة آلة الحكم الإسرائيلية، وصحيح كذلك أن الدور الإيرانى الإقليمى يتمدد داخل النظام العربى بقدر تفكك الأخير وعجزه، وهو ما يتطلب سد الثغرات وتوحيد الصفوف داخل النظام، لكن ما نراه حتى الآن لا يطمئن.
حركة دءوبة من قبل عدد من القادة العرب يقال إنها تسعى لمصالحة عربية، لكن المرء لا يعرف تحديدا أهى كذلك حقا؟ أم أن جل غايتها هو ألا تخرج القمة القادمة بنتائج فى غير مصلحة السياسة التى تتبعها هذه الدولة العربية أو تلك؟ ولو كان الأمر كذلك لكان شأن هؤلاء القادة العرب لا ريب فى غرابته، إذ لا يعنيهم عجز النظام العربى عن حماية أمن دولة أو حقوق شعوبه، لكنهم يخشون أن يصدر عن القمة قرار على غير هواهم، مع أنهم يعلمون سلفا حظوظ قرارات القمم العربية من التنفيذ. بل إن المواطن العادى لا يعرف على وجه اليقين ما الذى يجرى أمام عينيه: أهى حقا جهود من أجل المصالحة؟ أم أنها تسعى ولو على نحو غير مباشر فى طريق تعميق الاستقطاب كما سيجىء؟
والواقع أنه يجب أن يكون واضحا أن جهود ما يسمى بالمصالحة العربية تجرى فى جو من عدم الشفافية، إذ إنه باستثناء العبارات العامة التى تقال فى هذه المناسبات لا يعرف المرء أى شىء محدد عن فحوى هذه الجهود، ويضطر المحلل إلى البحث عن مؤشرات لتقييمها بعيدا عن التصريحات الرسمية خشبية الطابع، وثمة عدد من المؤشرات فى هذا الصدد لا يطمئننا كثيرا على وصول هذه الجهود إلى غايتها المعلنة أى المصالحة العربية ولنتخير من هذه المؤشرات الخمسة التالية.
ينبثق المؤشر الأول من العامل الزمنى، فقد مضت قرابة شهرين ما بين دعوة عاهل السعودية الأولى للمصالحة فى قمة الكويت فى العشرين من يناير الماضى وانعقاد القمة العربية الرباعية فى الحادى عشر من الشهر الجارى. فى الدعوة الأولى سارع البعض إلى التهليل لمصالحة أنجزت، ووضع آخرون أيديهم على قلوبهم خوفا من أن يكون هذا قد حدث بالفعل، فلو أن الأمور بهذه السهولة لم كانت تلك الحرب الباردة العربية الضروس إبان العدوان على غزة على سبيل المثال؟ لكن العقلاء تنفسوا الصعداء عندما علموا أن اللقاء الذى جمع ملوك السعودية والبحرين والأردن ورئيسى مصر وسوريا وأميرى الكويت وقطر لم يكن سوى إذابة للجليد، وأن قمة تالية سوف تكون فى الطريق لإنجاز المصالحة، غير أن هذه القمة تأخرت كما سبقت الإشارة قرابة شهرين، فلم تنعقد إلا قبل قمة الدوحة بأقل من ثلاثة أسابيع، وهو ما يشير إلى أن الطريق لها لم يكن ممهدا، وأن العقبات ما زالت موجودة، وينقلنا هذا إلى المؤشر الثانى.
نلاحظ فى المؤشر الثانى أن قطر لم تحضر القمة الرباعية، وقد كانت بغض النظر عن أى اعتبار آخر قطبا فى الحرب الباردة العربية الأخيرة، وقيل إن القمة ضمت العاهل السعودى كونه الداعى لها، والرئيس السورى باعتباره الرئيس الحالى للقمة العربية، وأمير الكويت باعتباره رئيس القمة الاقتصادية والاجتماعية، أما الرئيس المصرى فلا يوجد تفسير لوجوده إلا المكانة المحورية لمصر فى النظام العربى، ويبقى أن قطر باعتبارها الرئيس القادم للقمة العربية كان من المفترض أن تمثل فى قمة الرياض مادام أننا نتحدث عن تمهيد السبل لإنجاح قمة الدوحة، ولا يمكن تفسير عدم حضورها إلا باحتدام التوتر بينها وبين دول شاركت فى قمة الرياض، وبصفة خاصة مصر، وهو ما لا يطمئن كثيرا.
أما المؤشر الثالث فهو مستمد من تصريحات أقطاب قمة الرياض ذاتها التى يفهم منها أن القمة لم تنجح بدورها إلا فى إذابة الجليد، وإننا ما زلنا فى البداية، بل إن الرئيس السورى قد صرح بما يفهم منه ضرورة الإقرار بوجود خلافات عربية عربية، وأن جل المطلوب فى هذه الحالة هو تنظيم إدارة هذه الخلافات، وهو طرح رشيد دون شك، وإن كان يبين مدى تعقد الموقف العربى. ويعنى هذا أن أحدا لا يستطيع الادعاء بأن قمة الرياض قد توصلت إلى رؤية مشتركة بخصوص أي من التحديات الهائلة التى تواجه النظام العربى، وهذه الرؤية المشتركة هى الثمرة المرجوة دون شك من أية مصالحة عربية.
فى المؤشر الرابع نلاحظ بقلق أن جهود المصالحة لم تمتد إلى المغرب العربى، وكأنه غير موجود على خريطة النظام العربى، وقد كانت الفجوة بين المغرب والمشرق العربيين موضع انتقاد وعتاب دائمين من أعضاء النخبة المغاربية لأشقائهم فى المشرق، مع أن المغرب العربى حاضر بقوة فى مشكلات النظام العربى على المستويين الرسمى والشعبى، ومع أنه أى المغرب العربى يحتاج بدوره إلى جهود هائلة لمواجهة مشكلات خطيرة تشل فاعليته تأتى على رأسها مشكلة الصحراء. والحق إن القيادة الليبية قد قامت بدور تنسيقى واضح بين الدول المغاربية، وإذا كان هذا الدور على غير صلة بجهود المصالحة فثمة خطر يتمثل فى تكريس الفجوة لا تجسيرها.
ترتبط إيران ودورها فى النظام العربى بالمؤشر الخامس، فثمة ما يشير إلى احتمال أن تقدم قطر على دعوة إيران لحضور القمة كمراقب، مكررة بذلك سابقة دعوتها الرئيس الإيرانى لحضور قمة الدوحة الخليجية، وبغض النظر عن أن خطاب نجاد فى تلك القمة لم يكن ملائما من منظور بناء التعاون الإيرانى مع مجلس التعاون الخليجى فإن الدعوة المحتملة لإيران لحضور القمة العربية فى الدوحة تثير اعتراض عدد من الدول العربية، وبينها دول نافذة، الأمر الذى لابد وأن تكون له انعكاساته السلبية على القمة إن دعيت إليها إيران، وقد آن الأوان لتنظيم هذه المسألة على نحو لا يجعل القمة ملكا خاصا لمن يستضيفها، بحيث يتفق على معايير واضحة لدعوة المراقبين ودورهم، وكفانا أن الخطاب السياسى للقمم يتأثر بمكان انعقادها.
لا شك أن أسباب التعثر موجودة، ويمكن تقصيها بسهولة من بنية ذاتية للنظام العربى تنضح بالتخلف المؤسسى بما يضفى طابعا شخصيا على قضية المصالحة، وتنافس على الأدوار القيادية داخل النظام دون استيعاب لحقيقة أن القيادة مستحيلة فى غياب مشروع سياسى جامع، إلى اخترق خارجى تتمتع أبعاده الإقليمية فى الوقت الراهن بتأثير سلبى لافت على جهود المصالحة بحيث نصبح، والأمر كذلك أقرب ما نكون إلى النموذج السخيف للعبة «السلم والثعبان»، فكلما تقدم أحد اللاعبين فى مساره نحو هدفه مستفيدا فى بعض الأحيان بهذا السلم أو ذاك إذا برمية حظ تمكن منه ثعبانا يعيده أسفل سافلين، لكن مشكلتنا أن الثعابين التى تلقم جهود المصالحة لا تكتسب تأثيرها من ضربات الحظ، وإنما من أنانية المصالح وضيق الرؤى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.