تأتي القمة العربية التي ستعقد بليبيا في السابع والعشرين من مارس الجاري وسط تحديات صعبة يواجهها العالم العربي؛ حيث اعتداء إسرائيل على المقدسات الإسلامية بفلسطين ومحاولات الانفصال في كل من السودان واليمن والمغرب والقطيعة بين عدد من الدول العربية الرئيسية في العمل العربي. ورغم هذه التحديات والتي يجب أن تكون دافعًا وحافزًا لإنجاح القمة وإحساس القادة العرب بالمسئولية، إلا أن خبراء السياسة لهم وجهة نظر أخرى، مفادها اليأس والإحباط وعدم الرهان على أي نجاح، لدرجة يمكن وصفها بأنها قمة "اللا أمل" وساق الخبراء مبرراتهم لهذا التشاؤم، والتي تبدو منطقية، إلا أنهم حرصوا على وضع روشتة لعلاج هذا الوضع ومحاولة إنقاذ القمة. من جانبه يرى د. عبد الله الأشعل –مساعد وزير الخارجية الأسبق- أنه لا توجد أي مؤشرات لاختلاف القمة القادمة عما سبقها من قمم، وربما يكون عامل جديد يميز هذه القمة، وهو انكشاف العالم العربي أمام إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل من قبل؛ ففي الوقت الذي تعتدي فيه على المقدسات وتضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال للآثار اليهودية وتفتتح كنيس الخراب تمهيدًا لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى نجد الدول العربية من خلال الموافقة على مفاوضات غير مباشرة برعاية أو وساطة أمريكية، وهذا يعد هروبًا من الواقع وعدم مواجهة الحقيقة الماثلة للجميع، وربما الحقيقة الوحيدة، وهي أن إسرائيل تتحدى الجميع، وتنفذ ما تراه هي فقط. انهيار القمة وحول قدرة قمة ليبيا على الحد من قضايا الانفصال ومعالجتها وإيجاد مخرج لها مثلما هو متوقع، بخصوص الجنوب السوداني أو بعض المطالبات الحالية من قبل بعض اليمنيين في الجنوب ومشكلة الصحراء الغربية والمغرب، أكّد الأشعل على عدم قدرة القمة على احتواء أي من هذه المشاكل؛ فبالنسبة لمشكلة اليمن والجنوبيين هناك قال: إن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، وبها تعقيدات تحتاج إلى وقت وجهد كبير، لا يتسع لها وقت القمة، بل تحتاج إلى لجان تذهب إلى اليمن لتناقش المشكلة على أرض الواقع، وتستمع إلى مطالب الجنوبيين وتحاول التوفيق بين هذه المطالب وموقف الحكومة اليمنية، حفاظًا على وحدة اليمن. وبالنسبة للجنوب السوداني فقد أبدى تشاؤمه الشديد، مشيرًا إلى عدم قدرة العالم العربي على السيطرة على الأمور هناك، وتوجيهًا نحو الوحدة، سواء من خلال القمة العربية أو من خلال جامعة الدول العربية، مؤكدًا على وجود تدخلات صهيونية وأمريكية في الجنوب، الأمر الذي سوف يؤثر على سير الاستفتاء هناك، خاصة أن الاستفتاء سيقتصر على الجنوب فقط، مما يثير الكثير من المخاوف ويؤشر باتجاه الانفصال، وهو ما تريده إسرائيل وأمريكا. وتوقَّع الأشعل أن تكون هناك مفاجآت تؤدي إلى انهيار القمة وفشلها من قبيل مطالبة القذافي الدول العربية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بقطع هذه العلاقات، الأمر الذي سيحرج هذه الدول ويثير غضبها بالفعل، الشيء الآخر أنه ربما يطرح موضوع إعلان ليبيا الجهاد ضد سويسرا، وأيضًا سيسبب هذا حرجًا لبعض الدول المشاركة في القمة، والتي تربطها علاقات جيدة بالغرب، خاصة أن الموضوع فيه جانب شخصي، لتعلقه بمشكلة لابن القذافي وما حدث له بسويسرا، ويرى البعض أن هذا الموضوع انسحب على موقف ليبيا من موضوع المآذن بسويسرا. انقسام عربي أما عبد القادر ياسين -الكاتب الفلسطيني المعروف- فيرى أن كل قمة عربية باتت أسوأ من سابقتها؛ بحيث لم يعد لدينا أي أمل في قمة، مضيفًا أنه لم يعد هناك قمم عربية حقيقية منذ وفاة عبد الناصر، وما تلاه من مشروعات استسلامية وتطبيع مع الكيان الصهيوني، فضلًا عن التنازلات المستمرة وعدم اتخاذ أي موقف تجاه أي قضية، فلو أخذنا موقف كل دولة عربية على حدة تجاه ما يحدث في فلسطين والاعتداء على المقدسات وبناء المستوطنات سوف نجده صفرًا، وهذا ما سيكون مجموع هذه الدول خلال قمة ليبيا القادمة، فلا يوجد أي جديد تقدمه القمة التي ستكون مجرد إعلان هذا الموقف المتخاذل بشكل جماعي بدلًا من أن يكون فرديًّا. وحول إمكانية أن تلعب هذه القمة دورًا في إتمام المصالحة الفلسطينية قال ياسين: إن هذا لن يتم إلا إذا حدثت مصالحة عربية شاملة، حيث بات العرب الآن منقسمين بين معسكرين؛ معسكر يدعم المقاومة، وهو معسكر الممانعة، ومعروفة أطرافه، ومعسكر يسمى بالاعتدال، وهو معسكر العمالة والخضوع لأمريكا وإسرائيل، وهذا ما انعكس على الموقف الفلسطيني بوضوح شديد، فالمسألة الآن أصبحت أكبر من فتح وحماس، وبات المطلوب الآن وجود مصالحة عربية من خلال موقف عربي قوي وواضح تجاه الممارسات الإسرائيلية، وسوف ينعكس ذلك بوضوح ويسري على المصالحة الفلسطينية. وحول مشاركة حماس وإيران في هذه القمة قال عبد القادر ياسين: إن من حق حماس الشرعي أن تكون هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؛ لأن الرئيس محمود عباس انتهت ولايته، والدستور الفلسطيني ينص في هذه الحالة على أن يكون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني -وهو عزيز الدويك- رئيس فلسطين، وهو ممثل بالطبع لحماس، وبالتالي تكون حماس هي الممثل الشرعي في هذه القمة، وليس عباس، ولكن بعض الدول التي لها الغلبة سوف تفرض حضور عباس. وبالنسبة لحضور إيران قال: ربما تحضر بصفة مراقب، وهذا ليس بكثير على إيران، فقد حضرت إسرائيل من قبل بعض القمم العربية بنفس الصفة. وحول إمكانية أن تلعب ليبيا دورًا بزعامة القذافي في إنجاح هذه القمة في ظل تعاطف نظام القذافي مع المقاومة من ناحية وعلاقته المميزة مع دول مثل مصر، وهي في المعسكر الآخر من ناحية أخرى، قال: هذا صعب جدًّا؛ لأن هناك نيةً مبيتة لإفشال هذا المؤتمر وإخراجه ضعيفًا من خلال تخفيض المستوى الدبلوماسي للوفود المشاركة فيه؛ فبالنسبة لمصر هناك احتمال كبير ألا يحضر الرئيس، بل ربما من المؤكد، وهناك موقف لبناني يدور في هذا السياق بحجة دور ليبيا في اختفاء الإمام موسى الصدر، كل هذا بالتأكيد سوف ينعكس بالسلب على نجاح المؤتمر. ويرى د. حسن نافعة –أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- أن القمم العربية الأخيرة أصبحت تعمل بآلية قوة الدفع البيروقراطي، وليس بآلية لمواجهة التحديات التي تواجه العالم العربي، وبالتالي استمرت الأوضاع العربية في التدهور وانتقلت من سيئ إلى أسوأ، رغم انتظام القمم الذي لم يعد كافيًا لإحداث نقلة نوعية في العمل العربي المشترك، وأن الأوضاع العربية أصبحت سيئة لدرجة يبدو معها انعقاد القمم العربية وكأنه إنجاز في حد ذاته. ووصف التحديات التي تواجه هذه القمة بأنها الأخطر في تاريخ العمل العربي المشترك والنظام العربي، ومن بين هذه التحديات كما يراها الدكتور نافعة ما يتعلق بإدارة الصراع مع إسرائيل، خصوصًا بعد وصول عملية التسوية السلمية إلى طريق مسدود، أما التحدي الثاني فيتمثل في العلاقة مع إيران، خصوصًا في ظل تصاعد الأزمة بينها وبين الغرب على نحو يهدد بحرب جديدة في المنطقة، أما التحدي الثالث فيتمثل في إعادة بناء مؤسسات النظام العربي نفسه بطريقة تنقذه من الانهيار وتمكنه من تدعيم العمل العربي المشترك. روشتة للنجاح ويضع د. نافعة روشتة سياسية لإنجاح هذه القمة، في مقدمتها تبني موقف موحد من الصراع العربي الإسرائيلي وعدم القبول بأقل من الشروط التي حددتها مبادرة قمة بيروت، بحيث يكون هناك مواقف جادة لحشد تعبئة القوى والموارد الذاتية من أجل التوصل إلى تسوية بالشروط التي حددتها هذه القمة باعتبارها الحد الأدنى أيضًا على الدول العربية أن ترسل إشارات واضحة لكل من يعنيه الأمر تفيد بأنه في حالة عدم قبول كل الأطراف المعنية مبادراتها كأساس للتفاوض خلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ويتم سحبها وتبني مواقف جديدة. وبالنسبة للموقف من إيران يرى د. نافعة ضرورة ألا تكتفي الدول العربية خصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بالإعلان عن مواقف مناهضة لشن حرب ضد إيران أو حتى تشديد العقوبة ضدها، ولكن عليها أن تتخذ إجراءات تكفل عدم تورطها المباشر أو غير المباشر في حرب ضد إيران، هذا في الوقت الذي يجب فيه ألا تقف مكتوفة الأيدي تجاه التهديدات والممارسات الإيرانية تجاه العراق وتدخلها في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية. كما يقترح د. نافعة آلية دبلوماسية لتسوية النزاعات بالطرق السلمية في صورة هيئة حكماء تتكون من رؤساء الدول للقمم العربية الثلاث السابقة والحالية واللاحقة، فضلًا عن آلية قضائية للفصل في النزاعات ذات الصبغة القانونية في صورة محكمة عدل عربية تتمتع باختصاص إلزامي بالنظر في المنازعات ذات الصبغة القانونية، بالإضافة إلى مجلس أمن يتولى فرض العقوبات على الدول الأعضاء التي تنتهك الالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب ميثاق الجامعة، وتوضع تحت تصرفه قوات دائمة تتولى حفظ السلام. المصدر: الإسلام اليوم