قبل أيام من عقد القمة العربية المقبلة في مدينة سرت الليبية، أعلنت ليبيا عن استيائها بسبب الغياب المتوقع للعديد من القادة العرب عن حضور القمة ومن بينهم الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان، والرئيس اليمني علي عبدالله صالح، والسلطان العماني قابوس بن سعيد، والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والعاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس العراقي جلال طالباني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في حال دعوة حركة حماس لحضور القمة. جهود جامعة الدول العربية وترجع أسباب تغيب معظم القادة العرب لخلافات مع ليبيا التي تستضيف القمة العربية الثانية والعشرين للمرة الأولي. وفيما عدا الرئيس المصري الذي سيتغيب عن القمة بسبب العملية الجراحية التي أجريت له مؤخراً فإن معظم القادة الذين من المتوقع عدم حضورهم سيتغيبون بسبب تحفظات علي خلافات سياسية مع ليبيا مما حول الحديث عن القمة المرتقبة إلي تشاؤم حول جديتها وحول جدية أي نتائج قد تتوصل إليها مباحثاتها. كما عبر عمرو موسي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن قلقه حول إمكانية غياب العديد من القادة العرب. ووصف الوضع بأنه خطير للغاية لأن هناك العديد من القضايا التي ستتم مناقشتها في القمة العربية والتي تخص القضية الفلسطينية و الأوضاع في كل من العراق و السودان والعلاقات العربية الإيرانية. وأضاف عمرو موسي "إن القضية الفلسطينية نفسها وقعت في هوة سحيقة وعميقة ، وان إنقاذها ممكن ولكن وهي تسقط في مثل هذه الهوة ستجر معها الكثير بما فيها أيضا المصلحة الإسرائيلية إذا كانت هذه المصلحة تهم أحداً. هذا الوضع خطير للغاية والوضع في المنطقة كلها غير مريح وفيه تهديدات كثيرة، وتراجع لا يؤدي الي الاستقرار في الحقيقة". وعلي الرغم من القلق الليبي، فقد بدأت التجهيزات لعقد القمة ومن بينها الاجتماعات التحضيرية التي تشمل اجتماع مجلس الجامعة العربية علي مستوي المندوبين الدائمين و اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي واجتماع مجلس الجامعة العربية علي مستوي وزراء الخارجية. أجندة مثقلة بالهموم وكدأب القمم العربية، استبق انعقاد القمة مطالبات من أطراف متعددة برفع العديد من القضايا علي أجندة المباحثات التي ستجري علي مدار يومي السابع و العشرين و الثامن والعشرين من مارس الجاري. وحتي الآن وصلت بنود أجندة القمة إلي 27 بنداً علي رأسها عدد من الملفات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي من مبادرة السلام العربية وتطورات القضية الفلسطينية ودعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني والجولان العربي السوري المحتل والتضامن مع لبنان ودعمه ونصرة الأقصي من سياسات التهويد المتتالية. كما تناقش القمة سبل مكافحة الإرهاب الدولي، وقضية جزر الامارات الثلاث طنب الكبري وطنب الصغري وأبوموسي التي تحتلها إيران، والمبادرة السورية لوضع آلية لإدارة الخلافات العربية-العربية، والمبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك. كما تناقش القمة تطورات الوضع في العراق والحصارالأمريكي المفروض علي سوريا والسودان، والرفض العربي لقرار الدائرة التمهيدية الأولي للمحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان، ودعم السلام والتنمية والوحدة في جمهورية السودان ودعم جمهورية الصومال ودعم جمهورية القمر المتحدة والوضع المتوتر علي الحدود الجيبوتية الاريترية في منطقة رأس دوميرا الجيبوتية، وبلورة موقف عربي موحد لاتخاذ خطوات عملية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية. وتبحث القمة أيضاً اقتراح عقد قمة عربية ثقافية ووضع خطة عربية لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وموضوع تغير المناخ وكذلك مشروعات القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة. وعلي المستوي الإقليمي، ستناقش القمة التعاون العربي الأفريقي والتعاون العربي الأوروبي ومشاريع الشراكة المتوسطية بالإضافة إلي التعاون العربي الآسيوي والتعاون العربي مع دول أمريكا الجنوبية. ومن المتوقع أن تناقش القمة أيضاً النظام الأساسي للبرلمان العربي، تمهيدا لتحويله من انتقالي إلي دائم. ويقضي مشروع النظام الأساسي للبرلمان العربي بأن يتكون البرلمان من أربعة أعضاء لكل دولة عربية ويتم انتخاب أعضاء البرلمان بالاقتراع السري المباشر أو من قبل برلماناتها الوطنية أو ما يماثلها في كل دولة. خلافات عربية-عربية غياب القادة العرب عن القمة العربية يقدم نموذجاً مصغراً للأزمات العربية المتكررة واستمرار الملفات الخلافية بين العديد من الدول العربية. وكانت القيادات الشيعية اللبنانية قد دعت إلي مقاطعة قمة ليبيا بسبب اتهامها الإدارة الليبية بإخفاء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلي الإمام موسي الصدر خلال زيارة رسمية الي ليبيا عام 1978. وأعلن الرئيس اللبناني أنه لن يحضر القمة وكان لبنان رفض تسلم الدعوة الليبية لحضور القمة بواسطة السفارة اللبنانية بدمشق لأنه لم يكن ممكنا توجه مسئول ليبي علي أي مستوي إلي بيروت لتسليم الدعوة شخصيا إلي الرئيس اللبناني ميشال سليمان «بسبب تهديدات علنية وسرية وجهتها أطراف شيعية مؤخرا إلي ليبيا».واعتبرت أنه بالنظر إلي أن العلاقات الدبلوماسية مع لبنان مقطوعة وأن السفارة الليبية في بيروت مغلقة فإن الطريقة الوحيدة لتسليم الدعوة هي تسليمها إلي أقرب سفارة لبنانية في الخارج. يذكر أن قاضي تحقيق لبناني طلب في أغسطس 2008 إصدار مذكرة اعتقال بحق الزعيم الليبي معمر القذافي ومعاونيه بتهمة التحريض علي خطف الصدر ومرافقيه. وأدي الخلاف حول مصير الصدر إلي توتر العلاقات بين الدولتين مما دفع ليبيا إلي إغلاق سفارتها في بيروت في سبتمبر 2003. بالإضافة إلي الموقف اللبناني من قمة سرت، هناك الموقف الفلسطيني. و أعلنت مصادر فلسطينية أن الرئيس محمود عباس يتعرض إلي ضغوط من داخل حركة "فتح" واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تطالبه بمقاطعة قمة سرت احتجاجاً علي امتناع الزعيم الليبي معمر القذافي عن استقباله والالتقاء به خلال زيارة أبو مازن لليبيا في الحادي و العشرين من فبراير الماضي وهو في طريقه إلي أوروبا وذلك كرد فعل علي رفض الأخير نقل جهود إتمام وتوقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية من مصر إلي ليبيا. وتواردت أنباء عن تعليق الرئيس الفلسطيني لمشاركته في القمة انتظاراً لاعتذار رسمي من الرئيس الليبي، غير أن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية أعلن عن نية الرئيس الفلسطيني المشاركة في القمة بعد تلقيه الدعوة من الرئيس القذافي مضيفاً "نأمل أن تتحول القمة إلي قمة دعم حقيقي للشعب الفلسطيني". ومن النقاط الأخري الخلافية التي استبقت عقد القمة قضية تداول منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد انتهاء الولاية الثانية لعمرو موسي. وأعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط أن مصر لن تتنازل عن منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية رداً منه علي طلب الجزائر بتداول الرئاسة علي لسان وزير الخارجية مراد مدلسي. القمة العربية الثانية و العشرون التي تهدف إلي تفعيل العمل العربي المشترك تأتي في جو عربي مشحون بالصراعات الإقليمية والمشاحنات السياسية والانقسامات الطائفية والعرقية. أجندة القمة المثقلة بالملفات الشائكة لا يمكن أن تكفي لحل هذه الملفات والتي أصبح معظمها متداولاً من سنة إلي أخري بل ومتفاقم في كثير من الأحيان. أقصي ما يمكن أن نطمح إليه من وراء هذه القمة هو تنقية الأجواء العربية التي شابها الكثير من الخلافات. تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي بأن جميع القادة العرب سيحضرون القمة هو بمثابة محاولة للم الشمل العربي عن طريق زياراته المكوكية إلي العديد من دول المنطقة قبل انعقاد القمة. وقد شهد العام الماضي العديد من التطورات التي تشير إلي المحاولة للسير في هذا الاتجاه من خلال التقارب اللبناني السوري و التقارب السوري السعودي و التقارب السوري العراقي ومحاولات التقارب الفلسطيني-الفلسطيني. انعقاد القمة في جو إيجابي بحضور أكبر عدد من القادة العرب ربما سيكون المؤشر الإيجابي الوحيد لتفعيل جهود المقاربة التي تمت علي مدار العام الماضي بما يدع مجالاً ولو ضئيلاًً للتفاؤل حول مستقبل العلاقات العربية العربية.