من أهم المؤشرات على نجاح خطة التمويه الاستراتيجية على العدو، فى فترة التجهيز لحرب أكتوبر المجيدة طوال فترة وقف إطلاق النار قبل 1973، أن الجماهير العريضة من أبناء الشعب المصرى أنفسهم وقعوا فى الخدعة المرسومة بدقة، وصدَّقوا أنه ليس لدى القيادة المصرية رغبة حقيقية فى الحرب، وأن الخطاب الذى كان يردده السادات عن تحرير الأرض هو محض كلام لإبراء الذمة ولتهدئة المواطنين المكلومين من هزيمة 1967، والرافضين للاستسلام، والذين كانت تشتعل تظاهراتهم فى أرجاء البلاد تنادى بتحرير سيناء وترفض حالة اللاحرب واللاسلم. وهكذا تحققت أهم العوامل المستهدَفة بجعل الهجوم لتحرير الأرض مباغتة كاملة لإسرائيل التى صارت مثلها مثل باقى العالم حتى الجماهير المصرية! وقد نُشِر كلام بعد الحرب عن الكراسة، التى لم يكن منها إلا نسخة واحدة بقلم المشير الجمسى، الذى كان رئيس غرفة العمليات فى أثناء الحرب، وأنها تضمنت نحو 300 عملية تمويه أذيع بعضها بعد الحرب، مثل الإعلان، عندما اقترب الموعد المحدد للهجوم، بما يوحى بحالة استرخاء، بالسماح للضباط بإجازات للعمرة فى نفس الموعد المقرر للحرب. وكان صاحب الخدعة يعلم أن إسرائيل تتابع مثل هذه الأخبار بدقة وأنها من البيانات المهمة لديهم لفهم الواقع المصرى ولمعرفة نوايا القيادة المصرية ولوضع سياساتهم الخاصة بمصر. وقال الجمسى بعد الحرب، وبتواضع القادة الكبار، إن هذه الكراسة ليست من إبداعه، وإنما هى خلاصة عمل دءوب لعلماء ولفرق متخصصة، وإنه كان مكلفاً بتجميع الاقتراحات وصياغتها، على أن تكون فى حوزته شخصياً، مع كل الحرص على ألا يتم تداولها إلا فى أضيق نطاق، ولأفراد محددين بالاسم، ثم تعود إليه مرة أخرى لتبقى فى طوق السرية. هذه الكراسة وثيقة تاريخية رائعة يفخر بها كل المصريين، وكان يؤمل بعد انتهاء الحرب أن يفرحوا بها، بأن يتم إعلانها بعد أن انتفت أسباب سريتها وانتهى الغرض العملى منها، خاصة أنه من المرجح أن إسرائيل عرفت بمحتواها، على الأقل بمراجعة ما حدث لهم من جرائها، ولم يبق إلا أن يعرفها المصريون. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب