كى لا نرجم بالغيب.. وكى لا نضرب بالودع.. وكى لا تتوه منا الخطي.. ونحن نبحث عن تاريخ «الأهرام» أبونا وعمنا وجدنا فى عالم الصحافة.. وسيدنا فى مهنة: البحث عن المتاعب.. التى اسمها الصحافة كما يصنفونها ويصفونها.. وعندهم الحق كل الحق.. بل انه هو الملك المتوج.. شاء الحاقدون ومعهم الحاسدون أم أبوا فى بلاط صاحبة الجلالة..وما أكثرهم.. ولكى لا تتوه منا الخطى فى دروب ومسالك أصحاب مهنة «البحث عن المتاعب».. التى اسمها الصحافة التى أطلت على الدنيا إن خيرا بالخبر الطيب.. وإن شرا بأخبار النكد الأزلى والحروب التى تدور.. وسرادقات الأحزان التى تنصب بضم التاء وتسكين النون واعلان موت دول بحالها.. وإحياء دول مكانها.. وظهور أبطال ومصلحون وحكام وقادة قادوا بلادهم إلى النور.. وغيرهم قادوها إلى الوجه المظلم من القمر!
وكى لا تتوه بنا الخطى وتضيع من أقدامنا دروب الحق والصدق والخير والجمال والفضيلة طلبنا من رفيق الطريق وعالم المصريات الذى اسمه زاهى حواس.. صاحب القبعة الشهيرة وصاحب الكشوفات المثيرة وأعظمها مقابر بناة الهرم الأكبر الذى تلتف من حوله زاهى وليس الهرم كل يوم جمعة طوابير السواح الأجانب القادمين من دول عظيمة الشان والشنشان.. ولكنها بلا تاريخ مثل تاريخنا الضارب فى أعماق الزمن 45 قرنا من الزمان بحالها.. يا سلام.. ويا سلام هذه ليست من عندى وحدى.. ولكن من كل عشاق مصر عبر الزمان والمكان.. أقول طلبنا منه أن يفتح لنا الغرفة السحرية الخفية بين قدمى أبو الهول.. ومعه وحده مفاتيحها.. والتى يخفى فيها مركبة الزمن وما أدراك ما مركبة الزمن.. التى تسافر عبر العصور.. لكى نعود بها وبنا وبالزمان نفسه إلى الوراء ليس بعيدا.. ليس إلى أيام بناء الأهرامات نفسها وأبو الهول حارس الحضارة المصرية نفسه.. ولكن فقط ونحن نتحدث هنا عن قصة الصحافة وخروج الصحف إلى النور إلى أيام حجر رشيد الذى عثروا عليه فى قلعة فى مدينة رشيد.. والذى قالوا عنه أيامها إنه أول صحيفة ظهرت على وجه الأرض.. والذى فك أكبر لغز فى تاريخ الحضارة المصرية وهو اللغة الهيروغليفية التى كتبوا بها تاريخ الحضارة المصرية. { وركبنا مركبة الزمن التى لم تذهب بنا هذه المرة بعيدا فى أعماقه... ولكن فقط هبطنا بها فى مدينة رشيد.. حيث عثر جنديان فرنسيان من جنود بونابرته كما كان ينطقها ويكتبها عمنا عبد الرحمن الجبرتى المؤرخ المصرى الشهير فى عام 1800 بالصدفة البحتة على حجر رشيد هذا الذى أحدث انقلابا فى التاريخ المصرى كله وفى حضارة الإنسانية كلها.. بعد أن فك الخواجة شامبليون طلاسم وألغاز اللغة الهيروغليفية لغة المصريين القدماء.. ليفتح أمام الدنيا كلها كتاب الحضارة المصرية العظيمة.. التى أضاءت الدنيا نورا وتنويرا.. وهى بحق أعظم الحضارات التى ظهرت على وجه الأرض وحتى وقتنا هذا كما قال المؤرخ الكبير جيمس هنرى بريستد فى كتابه: «فجر الضمير الإنسانى».. وهو بالطبع غير كتابى المتواضع..«فجر الضمير المصرى» الذى اختفى هو الآخر من الأسواق! { تعالوا نقرأ معا ما هو مكتوب على حجر رشيد بوصفه أول صحيفة ظهرت على وجه الأرض.. وحيث اننا لا نعرف حرفا واحدا من اللغة الهيروغليفية فقد طلبنا من عالم المصريات رفيق الطريق أن يقرأ لنا ما هو مكتوب على حجر رشيد هذا الذى تملك مصر نسخة منه محفوظة فى المتحف المصرى فى ميدان التحرير.. أما النسخة الثانية فقد شاهدتها بعينى فى متحف لندن عندما ذهبت إليها لأستقبل أول حفيد لى أسميناه محمد.. وإن لم أر حتى الآن النسخة المحفوظة فى المتحف المصرى! أسأل عالم المصريات رفيق الدرب والطريق الذى اسمه زاهى حواس الذى يقود مركبة الزمن بنفسه: يعنى يمكن القول إن حجر رشيد هذا هو أول صحيفة ظهرت على وجه الأرض؟ قال: يمكنك أن تقول هذا.. وقد عثرنا على حجر رشيد فى قلعة فى رشيد تطل على البحر الأبيض ولست أنا الذى عثرت عليه ولكن ضابطان فرنسيان من ضباط الحملة الفرنسية التى قادها نابليون عام 1789.. ولا تنسى أن عمنا نابليون حمل معه فى غزو مصر علماء فى كل دروب العلم والحياة.. انتشروا فى ربوع مصر وكتبوا لنا أعظم الكتب عن حضارة مصر والناس والنيل والزرع والحيوانات والطيور.. والمعابد والمسلات والمقابر لم يتركوا شيئا شاهدوه إلا كتبوا عنه وسجلوه ورسموه بريشتهم.. بوصفهم علماء حيث لم تخرج إلى الوجود أيامها الكاميرات وليس كسواح أو حتى كصحفيين مثلنا! وقد عثرنا على حجر رشيد مكتوبا بثلاثة خطوط: اليونانى والديموطيقى والهيروغليفي.. وهو يعود إلى عهد بطليموس الخامس، فى نحو 691 قبل الميلاد، وكان الغرض من كتابته هو إذاعة قرار أصدره المجمع الدينى فى مدينة ممفيس، فكان الخط اليونانى لليونانيين، والخط الديموطيقى لعامة الشعب، والخط الهيروغليفى للكهنة.. بل ويمكننى القول دون تردد إن حجر رشيد كان جريدة واسعة الانتشار على أيامه طبعا.. { مازلنا داخل مركبة الزمن.. قلت لرفيق الطريق: الذى أعرفه يا عزيزى إن الصحافة بمعنى نقل الأخبار، قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجرية فى مصر والصين وبابل وآشور وعند العرب الجاهليين، وغيرهم من الأمم العريقة، إلا ضربا من ضروب الصحافة فى العصور القديمة، ولعل أوراق البردى المصرية، من أربعة آلاف عام كانت نوعا من النشر أو الإعلام أو الصحافة.. زمان جدا.. وكانت الأخبار، فى هذه العصور الأولى خليطا بين الخيال والواقع تماشيا مع رغبات السامعين، بغية التسلية، والإشادة بالبطولة والقوة، وكان هذا اللون من القصص كثير التداول بين الناس يعمر طويلا، وينتقل من جيل إلى جيل، على صورة القصص الشعبى الفولكلوري.. وآخرها قصص أبوزيد الهلالى والزناتى خليفة التى كانت ملء أسماع رواد المقاهى الشعبية فى الزمن الجميل.. ولو صح ما قاله المؤرخ يوسف فلافيوس من أنه كان للبابليين مؤرخون يكلفون بتسجيل الحوادث، التى اعتمد عليها المؤرخ نيروز، فى القرن الثالث قبل الميلاد، فى كتابه «تاريخ الكلدانيين»، لتبين لنا أن الصحافة كظاهرة اجتماعية قديمة قدم الزمان نفسه.. قال: هذا صحيح تماما.. قلت: يعنى يمكن القول دون أن نخرج عن الخط إن أوراق البردى المصرية.. هى بحق صحف العالم القديم.. قال: وهذا أيضا صحيح تماما.. وهناك أوراق بردى مصرية يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف عام أو يزيد تتضح فيها الحاسة الصحفية لجذب انتباه القارئ.. قالت صحفية أروبة تركب معنا مركبة الزمن: يا سلام! قال: على فكرة توجد على واجهة معبد هيبس نقش فيه بنود قانون يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ضمانا لسير العدالة. وايضاحا لقواعد جباية الأموال، وإنذارا بالعقاب عن الجرائم المتفشية. وأهمها الرشوة والبلاغ الكاذب.. تصوروا! قلت: يا عزيزى لقد قرأت فى أوراق حمورابى أنه كان للبابليين فى بلاد ما بين النهرين مؤرخون يكلفون بتسجيل الحوادث . شأنهم فى ذلك شأن الصحفيين فى العالم الحديث، ولقد كان لبابل، فى العصور القديمة شهرة منف وطيبة، فى مصر الفرعونية، وبلغت أوج مجدها، فى عهد الملك حمورابى فى عام 2100 ق.م يعنى منذ 4118 سنة والذى تنسب إليه ما قالوا عنه انه يمكن اعتباره أول صحيفة ظهرت فى العالم، وهى مجموعة أوراق حمورابى للقوانين التى قال عنها علماء تاريخ القانون انها أول صحيفة لتداول القوانين مثل صحيفة الوقائع المصرية..التى أمر بها محمد على باشا! قلت: لقد عرفت معظم الحضارات القديمة، كحضارة الصين والإغريق والرومان، الخبر المخطوط، فقد أصدر يوليوس قيصر عقب توليه السلطة عام 59ق.م صحيفة مخطوطة اسمها اكتاديورنا أى الأحداث . قال: باختصار دعنى أقول دون تردد أو خوف إن ما نطلق عليه إسم: حجر رشيد كان جريدة واسعة الانتشار على أيامه.. أقصد أيام عمنا يوليوس قيصر.. إن لم تخنى الذاكرة! قلت: وإن أوراق البردى هى بحق صحف العالم القديم! قال: هذا صحيح تماما.. أنت مذاكر قوى يافتى الفتيان! { يعنى دون خوف أو وجل أو تردد.. يمكن القول صراحة إن أوراق البردى المصرية، ومن بينها صحيفة بردية «حابى» التى كانت تحررها الأخت المصرية سونا ساى حتى النخاع..يعنى من «الجلدة للجلدة» كما كنا نردد فى مدارسنا زمان.. هى أقدم صحف عرفتها الدنيا قبل الزمان بزمان.. ومن عنده قول آخر فليتفضل! { التقت عينانا فى وقت واحد وقلنا فى وقت واحد وصوت واحد رفيق الطريق وأنا: لماذا لا نذهب ونعرف.. ونكون أول من ذهب وأول من عرف؟ قال رفيق الطريق فى كلمات محدودة: أنا أعرف تماما ماذا يدور فى مخيلتك الآن.. مركبة الزمن هنا.. لماذا لانخطف رجلينا وقد قصرت مسافة السنين.. بعد أن كانت قرونا أصبحت سنين.. إلى الاسكندرية لنشهد معا أيام مولد «الأهرام» فى المدينة التى كانت منار الثقافة والحضارة والفكر والتمدن عندما أطل الأهرام على الدنيا أول مرة فى الخامس من أغسطس من عام 1876.. قلت: وبالمرة نلتقى لأول مرة بعمنا الجورنالجى الأول الذى اسمه سليم تقلا الذى أصدر «الأهرام» وحمل مشقة الغربة والسفر من جبال لبنان إلى ضفاف النيل لكى يخرج «الأهرام» إلى النور قبل 142 عاما اللهم زيد.. اللهم بارك.. وليصبح أول جريدة صباحية منتظمة تصدر من مصر المحروسة.. قال: والتى مازالت تصدر للآن.. فهى عمرها اللهم لا حسد 142 عاما! قلت: ونلتقى بالمرة بالجورنالجى الثانى شقيقه بشارة تقلا.. الذى شاركه هذه المهمة الحضارية. { وركبنا مركبة الزمن وعبرنا بالزمان إلى عام 1876.. ماذا وجدنا.. يا ترى؟.. تلك حكاية أخرى موعدها إن شاء الله السبت القادم { يمكن القول دون أن نخرج عن الخط.. إن أوراق البردى المصرية.. هى بحق صحف العالم القديم..