عندما يدور الحديث عن الصحافة فى أى مكان وأى زمان كان.. أشعر كأننى أتحدث عن إخوتى فى مهنة العذاب وحرفة الشقاء والضنا بحثا عن الخبر الصحيح الذى لا يكذب ولا يتلون.. والذى يتحول إلى حقيقة أمام أعين الدنيا كلها.. والحديث إلى الناس وعن الناس الذين هم أردنا أم لم نرد أصحاب الحق التاريخى والأصيل فى معرفة الحقيقة.. كل الحقيقة دون تزويق أو تلوين.. حتى لو كانت هذه الحقيقة تقبع فى عين الشمس نفسها،، أو داخل قوقعة فى قاع بحر بلا قرار.. فالحقيقة والحقيقة وحدها.. هى التى يحملها الخبر الصادق الأمين وحده.. والصحفيون.
ونزعم أننا من الصحفيين وإليهم ننتسب يدورون فى دوائر من حول بعضهم البعض.. ويقطعون المشاوير ويلهثون جريا خلف الخبر وعدوا أو شوقا.. حتى يهل عليهم هلاله.. ثم يسارعون بكتابته كما هو وإرساله إلى القاريء على صفحات الصحف الورقية أو الصحف الإلكترونية التى طلعت لنا فى البخت كما قال لى صحفى عجوز على شاشات مضيئة وإن كنت أؤمن وأبصم بالعشرة أن الصحف الورقية طال الزمان أو قصر.. لن تتوارى أبدا من الساحة.. وستظل بين يدى القارئ تقرأ برفع التاء وسكون القاف وحتى يوم الحساب وما أدراك ما يوم الحساب.. يتمسك بها المخلصون الصادقون من القراء.. ولو كره الكارهون.. *** ونحن نكتب الآن بأقلامنا على صفحات أقدم صحيفة عرفتها اللغة العربية فى تاريخها كله والتى اسمها «الأهرام».. ونحن نكتب الآن هذا الكلام فى الصحيفة رقم (48158 ) لسنة (2018). وقد نزل «الأهرام» إلى الدنيا قبل 143 سنة ليعيش ويحيا وينبض بالخبر الصاحى والتحقيق الصادق.. وكلمة الحق والحق وحده ولو كره الكارهون.. ولسوف يظل الأهرام حتى آخر العمر.. ينزل إلى الناس فى مصر والعالم العربى الناطق بالعربية.. وتحمله الطائرات إلى عواصم الدنيا من حولنا.. بل إننا كنا حتى عهد قريب ينزل «الأهرام» مطبوعا على عواصم الدنيا: واشنطن + لندن + فرانكفورت فى نفس توقيت صدورها فى القاهرة العامرة.. حتى إننى عندما كنت فى لندن قبل سنوات ليست بالبعيدة لأحضر ميلاد حفيدى محمد الذى أراد الله أن يطل على الدنيا من تحت برج لندن الشهير! أقول كنت مع مجموعة من الرفاق نسهر فى مقهى عم بشندى وهو مصرى يقيم منذ زمن فى العاصمة الانجليزية.. كان يطوف علينا ونحن جلوس صحبة مصرية هنية فى مقهاه الشهير نشرب أكواب القرفة وندخن النرجيلة وهو يحمل تحت إبطه أعداد «الأهرام» نفس طبعة القاهرة تقريبا وينادى عليها: اقرا الأهرام ياجدع.. الخبر الطازة.. وكأننا جلوس على مقهى الفيشاوى فى حى الحسين الشهير فى قاهرة المعز.. كانت أيام حقا عظيمة لن تمحى من ذاكرتنا.. *** فاجأتنى الأخت «سوناساى» مندوبة «بردية حابى» التى كنت أرأس تحريرها.. والتى كان يصدرها رفيق الطريق وعالم المصريات زاهى حواس وزير الآثار أيامها وصاحب القبعة الشهيرة التى تفتح له أبواب الدنيا فى طول القارة الأوروبية والقارة الأمريكية.. حتى جاءت ثورة 2011 لتغلقها إلى الأبد. وقد كانت للحق أقصد المجلة أعظم سفير لمصر والحضارة المصرية فى كل أنحاء الكرة الأرضية.. ولو كره الكارهون الذين لايريدون لمصر أن تعلو وتعلو وتعيد أمجاد حضارة لاتموت أبدا.. عمرها من عمر الزمن نفسه.. والتى علمت الدنيا ما لم تعلم. حابى إله النيل - بردية الفيلسوف آنى أقول فاجأتنى الأخت سونا ساى بقولها: ياعزيزى مصر ستعيش كما عاشت حضارتها.. وتعلو ما بقيت الأرض وما بقيت الدنيا وما بقيت الحياة.. ومن هنا فإن بردية حابى هى امتداد طبيعى لحضارة مصر وشموخ مصر وعظمة ملوكها الذين فتحوا وغزوا وعلموا وأضاءوا الدنيا نورا وحبا وأدبا وعلما وحضارة تسد عين الشمس.. وإذا كانت بردية حابى المصرية هى بحق أقدم صحيفة ظهرت على وجه الأرض قبل الزمان بزمان.. وكانوا يكتبونها بداية نقشا وحفرا على أحجار المعابد والمسلات فى البداية.. ثم تطورت لتخرج إلى النور على أوراق البردى التى كانت توزع فى المعابد خلال الأعياد والمواسم الرسمية والدينية وكانوا ينشرون فيها أخبار فتوحات ملوك مصر العظام وفى مقدمتهم تحتمس الثالث وسيتى الأول ورمسيس الثانى والثالث.. وإن لم تصل إلى أيدينا وأعيننا أى نسخ منها على أوراق البردي.. ولعل النشرة الصحفية التى كانت تصاحب مجلة حابى والمطبوعة على أوراق البردي.. هى الامتداد التاريخى لأول صحيفة مصرية على الاطلاق والتى عمرها شاء الحاقدون والحاسدون أو أبوا من عمر الزمان نفسه! *** قلت للصحفية الشابة سونا ساى مندوبة مجلة «حابى» التى جاءتنى من الغيب على عجل.. لتطمئن على أقدم صحيفة عربية فى العالم الآن التى اسمها «الأهرام»: والحمد لله واللهم لا حسد، الأهرام يا عزيزتى هى أقدم صحيفة فى العالم الآن وليس فى مصر والعالم العربى وحده.. والتى مازالت تصدر بانتظام وعمرها الآن بالتمام والكمال 143 سنة اللهم يزيد.. اللهم يبارك ويطول فى عمرها كمان وكمان.. تقاطعنى: ولكن لا تنسى أن بردية حابى هى بحق أقدم صحيفة على وجه الأرض عمرها من عمر الحضارة المصرية.. وكانت تنقش بداية على جدران المسلات والمعابد والأهرامات.. ثم أصبحوا يكتبونها بالهيروغليفية على أوراق البردى.. قبل اختراع ورق الصحف.. موش كده واللا إيه؟ أسألها: وماذا كانوا يكتبون فيها بالله عليك ومن هم محرروها؟ قالت: كانوا ينشرون فيها الأحداث اليومية وأخبار السراى الملكية.. وأناشيد الإله آمون التى يكتبها كهنته.. وآخر تعليمات الملوك وأخبار انتصاراتهم وغزواتهم.. ونشرة بالأعياد والمواسم الرسمية.. أقاطعها بقولى: مثل يوم الزينة الذى تحدى فيه نبى الله موسى وأخوه هارون عليهما السلام سحرة فرعون وهزموهم! قالت: لقد كان حقا يوما مشهودا.. قلت لها: آخر خبر من عندى لك لكى يصبح مانشيت العدد المقبل فى جريدتك.. إذا كان هناك عدد قادم.. إنهم فى المنيا عثروا على مقبرة سحرة فرعون الذين تحدوا سيدنا موسى عليه السلام فى يوم الزينة، ثم آمنوا برسالته وأنت أول من تعرفين بهذا الخبر من عالم ما قبل التاريخ! ولا تنسى ياعزيزتى أن صحيفتك قد نشرت فى زمانها أعظم القصص المصرية التى حدثت بالفعل.. مثل قصة الفلاح الفصيح.. وقصة الحنين إلى الوطن التى قام ببطولتها سنوحى.. والتى قال المفكرون فى كل أنحاء العالم إنها أعظم قصة فى تاريخ الأدب الفرعونى القديم.. والتى تحكى قصة خروج البطل المصرى سنوحى من مصر إلى سوريا ثم عودته إلى مصر ليدفن فى ترابها. قالت: سنوحى هذا هو بطل مصرى عظيم خرج من مصر غاضبا من ملكها.. وذهب إلى بلاد الشام عندما كان نهر بردى يشبه نهر النيل فى مصر العامرة. وعندما علم ملك البلاد بوجوده أدخله فى بلاطه وأوكل له مهمة إعداد جيش.. حارب به الخارجين عن طاعته من ملوك الجيران.. والذى أعرفه أنه تزوج من زوجة سورية وأنجب منها أطفالا.. عاد بهم جميعا إلى مصر.. عندما عفا عنه ملكها. ولقد نشرنا فى أعداد بردية حابى قصة الفلاح الفصيح الذى رفع صوته بالشكوى حتى أعتاب فرعون مصر عندما سرق منه الموظفون قافلة التجارة ومحصول القمح الذى تعب فى زراعته وحصاده مع أولاده.. قلت لها: لقد زرت فى وادى النطرون من قالوا لى إنه بقايا بيته وأرضه ومزرعته التى أهداها له فرعون مصر الذى أعجبه شجاعته ووقوفه أمام ظلم الموظفين الكبار.. *** مازالت سونا ساى تتحدث إليّ بوصفها أقدم صحفية مصرية على الإطلاق وهى التى قدمت لنا أخبار الدنيا على صفحات حابى بأوراقها البردية قبل أن تكون هناك دنيا مثل التى نعيشها الآن.. أيام الملوك والحكام الذين حكموا مصر ووضعوا اسمها فى قلب عين الشمس نفسها.. شمس الحضارة والحياة وامتلاك الأرض ومن عليها ليتقدم الجميع رافعا راية الوطن.. وراية الانسان الذى علم الدنيا ما لم تعلم وأنتم تعرفون من هو بالطبع؟ إنه الانسان المصرى نفسه صانع حضارة عمرها 45 قرنا من الزمان ويزيد.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل.. ولكن يبدو والعهدة على الراوى الذى هو أنا حتى الآن أن الدنيا من حولنا.. دنيا الأخبار «والصحف المطبوعة على ورق».. وتلك التى تطير فى الهواء وعبر شاشات مضيئة تحت اسم: «الصحافة المرئية» والتى بدأت أردنا أم لم نرد تحاول أن تسحب البساط من تحت أقدام «الصحف الورقية».. وهى معركة حضارية سوف يطول أمدها وزمانها.. *** ولكن يبقى الحديث عن أول صحيفة ظهرت بين الناس فى عصرنا الحديث.. وامسك بها القراء بين أيديهم.. هل هى ياترى حجر رشيد الذى عثر عليه العالم الفرنسى شامبليون فى رشيد الذى فك ألغاز اللغة الهيروغليفية وفتح الباب أمام الدنيا كلها لكى تعرف ماهى الحضارة المصرية؟.. ومن هم صناعها؟ ومن هم ملوكها؟ ومن هم أنبياؤها؟ ولكن ذلك حديث آخر... --------------------------------------------------- ولسوف يظل «الأهرام» حتى آخر العمر.. ينزل إلى الناس فى مصر والعالم العربى الناطق بالعربية.. وتحمله الطائرات إلى عواصم الدنيا من حولنا