منذ البدايات الأولى لاستقرار الإنسان على ضفاف النيل استشعر المصريون القدماء مقدار تميزهم الحضارى والمجتمعى عن أقرانهم من الحضارات المعاصرة لهم، واعتبروا أن هذا التميز كان نتاجا للإرث الذى وهبته الآلهة للأرض المصرية منذ الأزل، ولذلك سعى المصريون القدماء للحفاظ على ميراثهم السياسى والحضارى والدفاع عن هويتهم الثقافية والمجتمعية، ليصبح بمثابة أقدم نظام معروف للتاريخ فى العالم أجمع وأمانة يحملها إلينا الماضى من الأجداد عبر الزمن. فقبيل بداية العصور التاريخية سجل المؤرخون المصريون الأحداث لعهد كل فرعون على حدة بطريقتين، حيث كانوا يكتبون أعمال كل ملك حدثا حدثا على بطاقات من العاج، أو يؤرخون لعهد كل ملك عاما بعد عام، حيث كانت تدون على نفس تلك البطاقات حتى أواسط القرن 25 ق.م ومع الأسرة الخامسة جمع المصريون حوليات الفراعنة فى قائمة مرتبة وسجلوها فى البرديات الملكية وعلى نصب حجرية صغيرة أقاموها فى المعابد الكبرى للبلاد، وحفظ الزمن لنا جزءا من هذه النصب البازلتية التى تعرف حاليا باسم حجر بالرمو، وعلى الرغم من أن كتابات هذا الحجر اتسمت أحيانا بالمبالغة والسطحية فإنها كانت أول محاولة معروفة لجمع أخبار الملوك وترتيبها فى العالم القديم، ومع دورة الزمن وتطور النظام السياسى والإدارى المصرى فقد استمرت جهود المؤرخين فى تدوين القوائم الرسمية بأسماء الفراعنة على جدران المعابد والمقابر وعلى أوراق البردى، والتى وإن كان الغرض الأول منها عقائديا، باعتبار الملك الحاكم سليلا شرعيا لأسلافه منذ نشأة الدولة المصرية، إلا أن هذه القوائم كانت بمثابة سجلات كاملة للتاريخ المصرى القديم على مداره الطويل. وكذلك قائمة أبيدوس من عهد سيتى الأول، والتى سجلها فى معبده بأبيدوس، والتى احتوت على أسماء 76 ملكا من أسلافه بداية من الملك مينا، وتجاوز عامدا عن ذكر الملكة حتشبسوت، والملك إخناتون وأقربائه، الذين اعتبرهم مارقين لخروجهم على تقاليد الدين القديم، وكذلك بردية تورين التى تعود إلى القرن 13 ق.م، حيث صنفت الملوك فى مجموعات، ونسبت بعض هذه المجموعات إلى العواصم التى حكمت فيها. أما آخر المؤرخين المصريين مانيتون السمنودى الذى عاصر الملك بطلميوس الثانى خلال القرن 3 ق.م. فقد كتب تاريخه المعروف بالأجيبتياكا باللغة اليونانية آنذاك، وجمعه من النصوص المكتوبة والقصص المروية، ورتب الملوك المصريين فى ثلاثين أسرة، وهو نظام التأريخ المعمول به حاليا. ولم يقتصر تدوين التاريخ على النصوص الملكية فقط، بل كانت نصوص الأفراد وسيرهم الذاتية بمثابة تاريخ حى لأعمالهم وأعمال من عاصروهم من الملوك، فقد سجل الكاهن ثونرى من عهد رمسيس الثانى بمقبرته بسقارة قائمة عدّد فيها أسماء من تولوا وظيفة الكهنوت من عائلته مع 58 اسما ملكيا ممن عاصرهم من الملوك، لتبقى كشاهد حى على مصر القديمة وتاريخها العريق وأمانة فى أعناقنا عبر الأجيال.