جاءت المباحثات التي أجرتها الرئيسة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستيان لاجارد مع الرئيس محمد مرسي ومسئولي الحكومة المصرية لتفتح مرحلة جديدة من التعاون البناء بين الجانبين لتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية في مصر. وأوضح محللون اقتصاديون دوليون أن مصر ستجني مكاسب عديدة بعد التوصل إلي اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول علي قرض لتقليص العجز في الميزانية, مشيرين إلي أن الاتفاق سيعزز الثقة الدولية في قدرة الاقتصاد المصري علي التعافي, ويتيح لها فرصة الحصول علي المزيد من التمويل من الجهات المانحة الدولية. وأكد مسعود احمد مدير ادارة الشرق الاوسط واسيا الوسطي بصندوق النقد الدولي أن الصندوق مستعد لتقديم العون اللازم لمصر لتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة, مشيرا إلي أن برنامج الإصلاح ينبغي أن يكون مصري الهوية في تصميمه وملكيته, موضحا إن مصر شهدت تطورات اقتصادية سلبية عقب ثورة يناير تمثلت في تراجع ثقة المستثمرين وضعف الأوضاع المالية العامة وتصاعد معدلات البطالة وتزايد الضغوط التضخمية وان هذه التطورات أضرت بحسابات ميزان المدفوعات والاحتياطي النقدي الأجنبي. وأضاف أن تدهور الوضع الاقتصادي في أوروبا التي لا تزال شريكا تجاريا رئيسيا لمصر أسهم في تفاقم الضغوط الاقتصادية في مصر. وأوضح أن برنامج الإصلاحات الهيكلية المصري يهدف إلي إرساء الاستقرار ودعم الثقة, ووضع أسس النمو الشامل المنشئ لفرص العمل, وحماية الفقراء, مشيرا إلي أن مصر طلبت من الصندوق دعم هذا البرنامج من خلال المساهمة في تمويل احتياجات ميزان المدفوعات, ومن ثم الحيلولة دون هبوط الاحتياطيات الأجنبية إلي مستويات حرجة. وكان المتحدث الرسمي باسم صندوق النقد الدولي قد اشار الي أن زيارة كرستين لاجارد لمصر جاءت تعبيرا عن التزام الصندوق المستمر بدعم مصر وشعبها خلال فترة الانتقال التاريخية الحالية, مبينا أن هذه الزيارة تأتي دعما للرئيس محمد مرسي للوقوف بجواره في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر. وأكد المتحدث أن الصندوق لن يقف بجوار مصر ماديا فقط بل إنه بعد الثورة مباشرة قام بإرسال بعثات اقتصادية تقوم بعمل دراسات وأبحاث لدراسة كيفية إعادة الاقتصاد المصري إلي مكانته مرة أخري, وذلك عن طريق مد مصر بالنتائج التي توصلت لها هذه البعثات, مشيرا إلي أن الوضع لايحتاج للقرض فقط بل يحتاج لخطة اقتصادية كاملة منها علي سبيل المثال رفع الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء وزيادة الضرائب.وأوضح أن المفاوضات تجري بين الصندوق ومصر علي مدي18 شهرا منذ الإطاحة بمبارك دون التوصل إلي اتفاق لأن الصندوق يريد دعما سياسيا موسعا لأي اتفاق إقراض. وقال المتحدث ان الصندوق طالب الحكومة المصرية بخطة إنعاش اقتصادي شاملة تعالج الخلل في مواضع كثيرة وتحمي الفقراء وتعيد ثقة المستثمر الأجنبي. وأضاف أن عجز الميزانية المصرية خلال العام المالي2012-2013 يقدر بنسبة7.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي, بينما يبلغ حجم الدين الداخلي193 مليار دولار والدين الخارجي33.8 مليار دولار. كانت مصر وعلي مدي تاريخ عضويتها في الصندوق عام1945 قد اقامت أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي وذلك بقيمة إجمالية نحو1.1558 مليار وحدة حقوق سحب خاصة( تعادل نحو850.1 مليار دولار أمريكي), إلا أن حوالي خمس المبلغ المتاح فقط هو الذي تم صرفه بالفعل263.2 مليون وحدة حقوق سحب خاصة( تعادل421.3 مليون دولار). وانتهي آخر هذه البرامج في عام1998 وتم وقد علق عدد من الخبراء الاقتصاديين العالميين علي اتفاق مصر مع الصندوق حيث اشار مايكل فورد كبير الخبراء الاقتصاديين بدويتش بنك إن الأوضاع الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري تستلزم تسريع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية. موضحا أن السلطات المصرية تدرك أن حصول البرنامج علي تأييد سياسي واسع النطاق يعزز احتمالات زيادة الثقة ونجاح التنفيذ. وأضاف أن قرض الصندوق الذي طلبت مصر زيادته إلي4.8 مليار دولار أو ما يعادل300% من حصة مصر بالصندوق التي تبلغ نحو1.5 مليار دولار سوف يعزز العملة المحلية ويجنب الحكومة المصرية خيار خفض الجنيه, وسيدعم احتياطي النقد الأجنبي الذي هبط من36 مليار دولار في يناير عام2011 إلي14.4 مليار دولار في نهاية يوليو الماضي نتيجة ضخ المزيد من السيولة الدولارية لدعم العملة المحلية وتدني عائدات السياحة والتدفقات الرأسمالية الأجنبية المباشرة, وارتفاع فاتورة الواردات. ومن جانبه قال جون سوليفان المدير التنفيذي لمركز دعم المشروعات الخاصة بالولايات المتحدة إن الثقة الدولية بشأن قدرة الاقتصاد المصري علي التعافي ستتزايد حال التوصل إلي اتفاق بين القاهرة وصندوق النقد الدولي بشأن القرض الذي تعثرت المفاوضات بشأنه نتيجة الخلاف بين الحكومة المصرية والكتل الرئيسية, وخاصة الإسلامية بمجلس الشعب عام.2011 وأضاف أنه يوجد تفاهم مشترك بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي بشأن الحاجة إلي التصدي للتحديات قصيرة الأجل التي تواجه الاقتصاد وتعزيز الإصلاحات التي يمكن أن تساعد علي تحقيق نمو أعلي وأكثر شمولا في الفترة المقبلة. وفي السياق ذاته أوضح توني شنيدر الخبير المصرفي أن مصر ينبغي عليها توفير البيئة المواتية للاستثمار لجذب المزيد من التدفقات الرأسمالية الآتية من الخارج, موضحا أن الأزمات المالية بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توفر فرصة مواتية لمصر لزيادة نصيبها من تلك الاستثمارات الأجنبية الآتية من الأسواق الناشئة. وأشار شنيدر إلي أن صندوق النقد الدولي يتفق مع تقديرات مصر بشأن حاجتها لمساعدات مالية تتراوح بين10 مليارات و12 مليار دولار, مستبعدا ممارسة الصندوق ضغوطا علي مصر لإلغاء الدعم وخفض قيمة الجنيه.