فى وقت يعيش فيه السودان أزمة اقتصادية ومالية خانقة جاء إعلان الرئيس السودانى عمر البشير عن حل حكومة الإنقاذ الوطني، وتشكيل حكومة جديدة مؤلّفة من 21 وزيرًا برئاسة معتز موسى عبد الله الذى تولى كذلك حقيبة المالية بعد اعتذار عبدالله حمدوك عن عدم تولى الوزارة. وكانت الحكومة السودانية المقالة تضم 31 وزيرًا ويرأسها بكرى حسن صالح. وفى خلال أقل من عام تضاعفت أسعار السلع الغذائية فى السودان وتراجعت قيمة الجنيه السودانى بشكل كبير مقابل الدولار حيث خفض البنك المركزى السودانى سعر الجنيه مرتين، وأصبح الدولار يعادل 28 جنيها فى مقابل الدولار الذى بلغ 41 جنيها فى السوق السوداء. واشتدت الأزمة الاقتصادية والمالية فى السودان على عكس التوقعات بتحسنها بعد رفع الولاياتالمتحدة فى أكتوبر الماضى العقوبات التى كانت تفرضها على السودان منذ عقود بزعم انه دولة «راعية للإرهاب». ويشير مراقبون إلى أن الحكومة السودانية لم تحسن الاستفادة من رفع هذه العقوبات بسبب تحفظ البنوك العالمية عن التعامل مع نظيراتها السودانية. وبالرغم من إعلان الرئيس السودانى عمر البشير ثقته فى قدرة الحكومة الجديدة على مواجهة الأزمة واحتواء تداعياتها قائلا: «أثق فى قدرات الوزراء لحل المشكلات الاقتصادية باستغلال موارد السودان»، فإن وزراء فى الحكومة كانوا أكثر واقعية عندما لم يعدوا الشعب بما يعلمون أنهم لن يستطيعوا تحقيقه، فوزير النفط والمعادن أزهرى عبد القادر قال للصحفيين عقب أداء القسم «كما قلت سابقا، لا يمكن ضمان ألا تعود أزمة الوقود مرة أخري، لسببين: الأول المصفاة التى تحتاج إلى قطع غيار، وهذه يتم استيرادها بالدولار، والثانى أننا نستورد 40% من احتياجاتنا بالعملات الخارجية وهذه أمرها معلوم للجميع». ويرى مراقبون أن سبب المحنة الاقتصادية والمالية الحالية فى السودان ازمة سياسية داخلية وإقليمية، تتعلق الأولى بسيناريوهات الانتخابات الرئاسية وحسابات وتوازنات مصالح قيادات فى الحزب الحاكم والبرلمان وخاصة بشأن تعديل الدستور والأغلبية المطلوبة لاتخاذ هذه الخطوة. وبشأن الأزمة على الصعيد الاقليمى فقد أشار إليها الرئيس البشير عندما قال الأسبوع الماضى إن «الظروف الاقتصادية الحالية أفرزها الحصار الاقتصادى ومخطط إغلاق للبلاد من نوافذ الموارد الخارجية». ففى ظل الانقسام الذى تشهده المنطقة حاول السودان أن يحافظ على علاقاته ومصالحه مع أطراف متنازعة بالمنطقة سعيا لمزيد من المكاسب، أو على الأقل عدم فقدان القائم منها غير أن ذلك لم يتحقق بل ربما عاد بنتائج عكسية منها عدم عمل حلفائه على إنقاذه من هذه الأزمة مع قدرتهم على ذلك. فهل تنجح الحكومة الجديدة فى مواجهة وحل الأزمة الحالية فى السودان، أم أن الأيام ستكشف أنها كانت مجرد مناورة سياسية، وأن الحل يتطلب أكثر من مجرد حل حكومة وتشكيل أخرى بعدد أقل من الوزراء، وأن السودان يحتاج قبل كل شىء إلى حوار وتوافق داخلى يقدم فيه الجميع تنازلات من أجل إنقاذ بلدهم الذى يواجه تحديات غير مسبوقة؟