أبى أول مثقف يطالب بتداول السلطة فى عصر مبارك ووقف أمام المشير عامر وبرلنتى بسبب «العمارة» كان يمكن أن تمر ندوة مناقشة كتاب «أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة» للكاتب محمد شعيرالتى أقيمت قبل أيام بنادى ساويرس، مرور الكرام كأى ندوة أخرى، لولا كلمة قالتها الدكتورة سيزا قاسم، أستاذة الأدب بالجامعة الأمريكية، خارج النص وداخل السياق، حين وصفت الأديب نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006)، بأنه كان جبانًا كغيره من المثقفين المصريين، الأمر الذى اعتبره الكثيرون تطاولًا واتهامًا غير لائق فى حق الأديب الكبير الذى يمتلك منجزًا أدبيًا جريئًا فى نقد الواقع السياسى والاجتماعى والثقافى المصرى فى ظل تجبر الأنظمة السياسية داخل إطار الرمز وخارجه، وقد دفع ثمن ذلك كثيرًا، هذا على مستوى الأدب، لكن على مستوى نجيب محفوظ الإنسان، برغم هدوئه ورزانته ولباقة حديثه ودبلوماسيته المعهودة لم يتوان أيضًا عن إبداء أرائه السياسية حين يُسأل، واتخاذ المواقف الحاسمة فى وقتها. لكن السؤال الأبرز فى حديث الدكتورة سيزا؛ هل المثقف الشجاع من وجهة نظرها يعنى الجعجعة الفارغة وقليل من الطحين؟ بالتأكيد لم يمتلك نجيب محفوظ حنجرة السياسيين وهواة الضجيج، لكن تاريخه مليء بالطحين .. ................................................. فى حديثها. ل»الأهرام»، تستنكر أم كلثوم نجيب محفوظ، الأبنة الكبرى للأديب هذا الإتهام الذى وصفته بالشنيع، إذ تقول «يبدو أن والدى كُتب عليه أن يُهاجم فى حياته وبعد مماته، فاتهامه بالجبن ليست تهمة جديدة، فقد سبق وقد قالها أخرون عنه حتى فى حياته ولم يتفوه بكلمة لإيمانه الشديد بفكره وسلاحه (القلم)، الذى عاش له وبه». وقيل أن والدها وقف فى وجه المشير عبدالحكيم عامر وزوجته برلنتى عبدالحميد حين أدعت الأخيرة ملكية عمارة العجوزة (172 شارع النيل)، وشهد نجيب محفوظ كباقى سكان العمارة أمام المحكمة أن الفنانة الشهيرة لا تمتلك العمارة المذكورة وأن الأديب كان يسدد إيجار الشقة لمالك العمارة، ليدحض بذلك رواية برلنتى التى تقدمت بأوراق للمحكمة تفيد ملكيتها للعمارة. فى هذا الموقف لم يتخل نجيب محفوظ عن قول الحقيقة برغم حساسية الموقف وسلطوية الخصوم، فأى شجاعة يتحلى بها هذا الرجل ليقف أمام المشير عبدالحكيم عامر صديق الرئيس جمال عبدالناصر وزوجته الفنانة ذائعة الصيت والعلاقات أيضًا! لا تدافع أم كلثوم عن شجاعة والدها بقدر ما تذكر مواقف بسيطة لتاريخ مليء،إذ تشير إلى حديث والدها فى مذكرات رجاء النقاش، وهى المذكرات التى تعتبرها الأصدق والأهم بين كل المذكرات نظرًا لأنها كُتبت على مدار18 شهرا سجل خلالها حوالى 50 ساعة، كما أنها كُتبت ونشرت حين كان نجيب محفوظ يتمتع بصحة جسدة آنذاك قبل تدهور حالته، وقالت «فى حواره مع رجاء النقاش، نادى بضرورة تداول السلطة فى عصر مبارك، ولا أبالغ حين أقول أن والدى أول مثقف يدعو بذلك». وفى عهد الرئيس محمد أنور السادات - تضيف أم كلثوم- وقع هو وتوفيق الحكيم وبعض الكتاب الأخرين بيانًا يرفضون فيه «حالة اللاحرب واللاسلم، وعلى إثر ذلك مُنع من الكتابة وقتها، ليدفع ضريبة مواقفه السياسية. وقالت ابنة الأديب «نجيب محفوظ شغلته الكلمة لا يملك إلا أن يناضل بالكلمة، غير مطلوب منه أنه يشارك فى المظاهرات ويعتلى المنابر وينضم للأحزاب السياسية، إذن فما هى وظيفة السياسى إن كان ذلك شغلة الأديب؟». فبالكلمة قال نجيب محفوظ كل ما يريد، وفى حياته دفع ثمن مواقفه، إلا أن نجيب محفوظ لم يكن فظًا فى حديثه وفى التعبير عن رأيه، ويعتبر أن العدوانية فى التعبير عن الرأى من سوء الأدب، والأدب لا يعنى أنه جبان، وهذا ما ربانا عليه. وتكشف أم كلثوم ل»الأهرام»، لأول مرة أن حركة سياسية فلسطينية حاولت أن تدفع نجيب محفوظ ليرفض جائزة نوبل مقابل حصوله على قيمة الجائزة وذلك لإحراج الغرب حتى يقال أن أول أديب عربى يرفض أكبر جائزة مقدمة من الغرب، وأضافت «إن كان والدى جبانًا، ألم يكن من الممكن أن يتخلى عن الجائزة ويتاجر بالقضية الفلسطينية ويصبح مناضلًا فى نظرهم؟ لا ليس الأمر كذلك، فقد آثر والدى أن يحصل عليها ليضع الأدب العربى فى مصاف الأدب العالمى وألا يقطع الفرصة على أديب عربى أخر يمكن أن يحصل عليها، فلم يكن من محبى المواقف الجوفاء الكاذبة، فقد كان مثقفًا حقيقيًا بمعنى الكلمة». وجددت أم كلثوم الحديث عن متحف نجيب محفوظ المقرر إنشاؤه بتكية محمد أبو الدهب بالقاهرة الفاطمية، وناشدت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم بسرعة الانتهاء من المتحف الذى طال انتظاره حتى مل الصبر، وقالت «أتمنى أن تستكمل الوزارة انشاء المتحف وتضع مقتنيات والدى التى سلمتها للوزارة منذ سنوات قبل أن تأكلها الفئران وتصبح بلا قيمة.