يسود الساحة الفلسطينية جدل شديد واتهامات متبادلة بين بعض القوى والفصائل الفلسطينية، أسهم فيها بعض قيادات حركة فتح لاعتبارات فصائلية، من خلال التشكيك فى كل من يتعاطى مع حوارات التهدئة فى القاهرة، واعتبارها قاعدة لتمرير صفقة القرن وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية والقضية الفلسطينية، الأمر الذى يستدعى إيضاح الحقائق التالية :- تاريخ مصر وفلسطين حافل بالكثير من القيم والمبادئ والثوابت التى تؤكد وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطينى لتمكينه من تقرير مصيره، وانها لم تكن مشاركاً أو منحازاً لجانب أى قوى إقليمية أو دولية على حساب القضية الفلسطينية، وان ثوابت السياسة المصرية لا تخضع لحسابات ضيقة او جزئية بل حسابات تستند إلى معادلة وطنية قومية ترسخت عبر عقود طويلة بسياستها الخارجية وبعلاقاتها القومية، واصبحت تشكل ذاكرة اجيال تعرف قدر مصر ومكانتها، وتعرف ان مصر لا يتقدمها ولا يعلو عليها أحد، لا من اصحاب المال السياسى ولا حتى من اصحاب المؤامرات القديمة والحديثة. وقوف مصر على مسافة واحدة من كل القوى والفصائل الفلسطينية، مع حرصها على التواصل مع مختلف التيارات والجماعات للتعرف على مواقف القوى التى تعمل داخل القطاع، وحقيقة نياتهم، ودون تجاوز للشرعية الوطنية الفلسطينية، التى تمثلها قيادة السلطة الفلسطينية المعترف بها مصرياً وعربياً واسلامياً ودولياً . ارتكاز المبادرة المصرية على تثبيت التهدئة وانجاز المصالحة وعودة السلطة الوطنية للقطاع وتمكين الحكومة، وانهاء الحصار، باعتبار ذلك مدخلاً حيوياً واستراتيجياً لتهيئة المناخ الملائم نحو تسوية سياسية وفق مفهوم حل الدولتين وعلى اساس دولة فلسطينية بحدود الرابع من يونيو67 وعاصمتها القدس، وبقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى . - تأكيد مصر بكل اللقاءات السرية والعلنية على التمسك بالثوابت الفلسطينية، وأنها لم ولن تسمح لأى قوى إقليمية أو دولية أن تزايد لتحقيق مصالحها على حساب القضية الفلسطينية، ولن يزعجها وجود اتصالات سرية من البعض للتنسيق مع مسئولين إسرائيليين حول الوضع الإنسانى فى القطاع، ولكن ينبغى أن تتم بموافقة القيادة الفلسطينية. ومن هذا المنطلق تسعى مصر إلى تثبيت اتفاق للتهدئة ووقف العنف على حدود قطاع غزة يستند إلى اتفاق عام 2014 بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مقابل فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد فى سواحل غزة، ولاحقا يجرى إدخال مواد طبية ومساعدات إنسانية، على أن تجرى بعد ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية لغزة بتمويل أجنبي، لكن المشكلة الرئيسية التى تواجه مصر أنها تريد إنجاز اتفاق مصالحة بالتوازى مع اتفاق التهدئة لضمان عودة السلطة إلى قطاع غزة، فى وقت شدد فيه المجلس المركزى الفلسطينى فى ختام اجتماعاته فى رام الله على أن التهدئة مسئولية منظمة التحرير، ومطالبة الرئيس محمود عباس بمشاركة وفد يمثل المنظمة برئاسة عضو لجنتها التنفيذية، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، فضلاً عن اشتراط مصالحة كاملة تشمل تسليم غزة للسلطة مع «سلاح واحد» و«قانون واحد»، فى ظل استمرار الخلاف بين الفصيلين فى عدد من القضايا مثل حكومة الوحدة، والعقوبات، ومصير موظفى حماس العسكريين، وعقد الإطار القيادى المؤقت لمنظمة التحرير، والأجهزة الأمنية، ودوائر المالية، والقضاء، والأراضي، وهو ما يضع مزيداً من التعقيدات أمام فرص إنهاء الانقسام الفلسطينى. ويعكس ماسبق أن النظام السياسى الفلسطينى يواجه ازمة حادة فى ظل ضبابية الوضع وحالة القلق من الحرب والتهدئة، فى حين لاتزال غزة حتى الآن مشغولة بمسيرات العودة ورفع الحصار، فى ظل عدم توافر أى رؤية أو استراتيجية وطنية لمواجهة صفقة القرن، التى بدأ ترامب بتنفيذ بعض بنودها، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل الولاياتالمتحدة سفارتها الى القدس، وتشديد الخناق على أونروا ومحاولة تصفيتها بوقف حصتها فى موازنتها، فضلاُ عن عدم اتخاذ موقف حقيقى لمواجهة قانون القومية للدولة اليهودية الذى قضى فعلياً على حل الدولتين، وضم الضفة الغربية وتهويدها، ومن ثم يجب إنهاء الانقسام واتمام المصالحة، وذلك بناء على استراتيجية وطنية قائمة على الشراكة السياسية والتوافق الوطنى وليس الهيمنة والاقصاء، مع ضرورة العمل على تحسين الأوضاع الإنسانية لسكان قطاع غزة لتعزيز قدرتهم على الصمود. وعلى الجانب المقابل ورغم انخراط مسئولى الحكومة الإسرائيلية فى ترتيبات التهدئة، إلا أن تحقيقها لتغيير الوضع المتردى فى قطاع غزة غير مفضل لدى الطرف الإسرائيلى الذى يعانى انقساما داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلى حول موضوع التهدئة والحرب، خاصة مع استعداد القوى والأحزاب السياسية فى اسرائيل لخوض انتخابات تشريعية العام المقبل، ومن ثم تفضل الحكومة الإسرائيلية إدارة الصراع الفلسطينى وليس حله، وبالتالى بقاء الانقسام وأطرافه من أجل تخفيض سقف المطالب الفلسطينية واشغال الفلسطينيين بأنفسهم، وترك مساحة واسعة للمشروع الإسرائيلى بالتوسع والتمدد فى الضفة الغربيةوالقدس، فالمطلوب استمرار الانقسام وبقاء حركة حماس فى غزة ضعيفة منهكة من أجل ترويض الحركة من جانب واستخدامها لابتزاز القيادة الفلسطينية من جانب آخر باعتبارها بديلا مناسبا فى حالة استمرار الرفض الفلسطينى، ومن ثم فإن استمرار المرحلة الانتقالية وعدم رغبة إسرائيل فى منح طوق نجاة لحركة حماس، وإصرار حماس على حكم غزة يدفع نحو عرقلة عملية المصالحة الفلسطينية. ومن هنا تأتى أهمية التفاهمات التى يجرى صياغتها فى القاهرة حالياً، والتى تقوم بالأساس على الإتفاق الذى تم التوصل إليه بعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عام 2014، ومن ثم فهو اتفاق تهدئة فى قطاع غزة من أجل العودة لحياة شبه طبيعية ينعم فيها سكان القطاع بالأمل وقدر من الهدوء والاستقرار، مع إشراك قوى إقليمية فى تمويل فواتير كهرباء غزة ودفع رواتب الموظفين فى غزة، وفتح معبر رفح، والتوصل لاتفاق المصالحة بين فتح وحماس تمهيداً لتمكين الحكومة الفلسطينية من إدارة القطاع برعاية مصرية، والتحضير لاجراء الانتخابات بالاراضى الفلسطينية، وتنفيذ المشاريع الاستثمارية بها، حيث تقود القيادة المصرية هذا الجهد سواء بدعوة الفصائل الى القاهرة للحوار وتقريب وجهات النظر بينها، أو التنسيق مع القيادة الفلسطينية إدراكاً منها بان اى اتفاق لابد ان يكون بعلمها وموافقتها. لمزيد من مقالات ◀ لواء. محمد عبدالمقصود