البرادعي الذي أعنيه هو د. فتحي البرادعي الذي كان وزيرا سابقا للتعمير وكان قبلا محافظا لدمياط.. وحديثي عن الرجل ليس عاديا.. لاننا قد اعتدنا أن نتحدث عن الحالي أو عن القادم لكن أن نتحدث عن السابق فهذا لعمري من الغرائب والعجائب معا.. وعلي أي حال لقد كان الرجل من الحاصلين علي درجة الدكتوراة في إنشاء المدن ولهذا كان في مكانه الصحيح عندما كان وزيرا للتعمير. لكن لابد أن اعترف بأنه كان محافظا ناجحا وقريبا من الناس الذين مازلوا يذكرونه حتي الآن. فدمياط هي المحافظة الوحيدة التي تخلو من البطالة ومن الأمية.. معا.. ولابد ان اعترف بأن الدكتور البرادعي قد بذل جهدا كبيرا في الناحيتين.. ولا ننسي أننا امام محافظة تفخر بأنها أغلقت المصنع واعترضت علي قرار أحمد نظيف عندما أراد أن يجامل أصدقاءه الكنديين علي حساب مصلحة الشعب الدمياطي الذي ظل متمردا شهورا عددا تصل إلي سنوات حتي نقل المعنيون المصنع واستمعوا إليه وهو يردد: أغلقوا مصنع السموم! كان يقولها دون عنف ويتظاهر دون خوف ويعدد أسبابه في التجمهر والمحافظ يسوس كل هذه المظاهرات والصخب ويعترف بحق أبناء دمياط في نقل المصنع, وتحول مكتبه إلي بيت لكل أبناء دمياط يهرعون اليه ويطلبون منه وهو يعدهم بتوصيل أصواتهم بأمانة إلي الرئيس.. وأن يصبح مصنع السموم أثرا بعد عين.. وكان يقول بصوت عال.. لايصح إلا الصحيح.. لا تخافوا ولا تحزنوا فلابد أن يستمع كبار المسئولين اليكم.. ولينتقل المصنع ويتحول خوفكم إلي آمان.. والحق يقال كان أبناء شعب دمياط يتظاهرون سلميا ويعترضون بلا عنف ويثقون بلا حدود في محافظهم الدكتور البرادعي الذي اختار منذ البداية أن يقف معهم ضد طواغيت النظام السابق..وعندما انتصر شعب دمياط رفعوه علي الاعناق.. واعترفوا بفضله وجعلوه كبيرهم.. وكانوا يقولون باعتزاز انهم الذين نقلوا أو اغلقوا المصنع!. وإذا زرت مدينة رأس البر وجدت الدكتور البرادعي هناك, فلقد اعتدنا ان تضم هذه المدينة لسانا واحدا فاصلا بين البحر والنيل.. لكن الدكتور البرادعي أراد أن ينشئ ثلاثة ألسنة! فرمم القديم وأنشأ اثنين آخرين وقام بانشاء فندق وافق عليه أبناء المحافظة المتخصصون أمثال المهندس حسب الله الكفراوي.. وحول المدينة إلي مركز تجاري كبير وقام بتوسيع الطرق وانشاء طرق جديدة وأضاف إلي طرق المشاه طرقا أخري.. وكان يجعل أبناء دمياط يشاركونه حلمه ولكن عندما تسأله عن شيء أجاب بان أبناء المدينة هم الذين قاموا به وهذا صحيح.. لانه لاول مرة يشعر أبناء رأس البر بأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية بما قاموا به من اصلاحات وتجديدات. والحق اقول لقد اختبر د. البرادعي دراسته في هذه المحافظة البكر وحول رأس البر وقبلها دمياط القديمة وميدان الفنطاس التي كان من التابوهات الممنوعة إلي أماكن جديدة. أما طريق دمياط رأس البر فكان توسيعه في الخطط المقبلة لكن ما الحيلة وقد ترك الرجل مكانه ليلقي هذا الطريق مصيره ويدخل في دائرة النسيان لكن طموحات الرجل يعرفها سكان دمياط الذين يتحسرون علي غياب البرادعي عنهم ويذكرونه في كل خطوة يقومون بها. ولابد أن اعترف بأن الرجل كان يحلم ليل نهار بدمياط كما كان يحلم معه بعض من المخلصين من أبناء المحافظة, فحول مكتبة مصر إلي شعلة من النشاط ولا يوجد إعلامي أو تنفيذي أو أي انسان في رأسه فكر إلا وذهب اليه الدكتور مجدي إبراهيم مدير المكتبة في حينها ودعاه ليتكلم في قاعاتها أو بجوار شجرتها الكبيرة التي تذكرنا بشجرة سقراط التي كان يتحلق حولها تلامذته ويستمعون إليه في زمن الفلسفة وتعلم الناس هناك كيف يختلفون في أدب مع المحاضر وكيف يتنافسون.. باختصار لقد كانت المكتبة في هذا الزمان مكانا للحوار.. واحسب انها ستظل هكذا.. فأدب الحوار هو القيمة التي نفتقدها في هذا الزمان!. ومادمنا نتحدث عن هذه الصحوة التي قام بها الدكتور البرادعي فلابد ان نذكر تجربته الرائدة في زرع أسطح المنازل فهذه الفراغات كانت إما فارغة أو مكتظة بمخلفات المنازل من الأشياء القديمة, فحرص الرجل علي أن يجعلها المخزون الخلفي لأي منزل.. وسار في هذا الشوط قليلا وتبعه آخرون. لكنه ذهب للاستجابة لمصر عندما دعاه الراعي ليجعل من مصر كلها دمياط أخري فكان أن عمل وزيرا للتعمير.. لكن أهل دمياط مازالوا يذكرونه وهم يسيرون في الشوارع أو عند بوابات مدينة رأس البر أو عند الطرق والمولات.. والمراكز التجارية.. وأمام الألسنة الثلاثة وداخل الاسواق وفوق الاسطح.. وداخل البلكونات.. باختصار كان د. البرادعي الغائب الحاضر لدي كل طوائف الشعب الدمياطي. من يردم نهر النيل؟! لابد أن اعترف بأننا نخطيء في حق أنفسنا وليس هناك من يحاسب المخطئ فالنيل ياقوم هو شريان الحياة في مصر.. شئنا ذلك أم أبيناه! لكننا نتعامل معه وكأنه من النفايات المكروهة! ولم يكن هكذا أجدادنا. فقديما كان الأجداد يحتفون بالنيل وتقول أسطورة عروس النيل إنهم كانوا يتخيرون أجمل نساء مصر ويقدمونها قربانا للنيل.. وكان ذلك يتم في مهرجان وفرح عظيم يشارك فيه القاضي والداني! أما نحن فنرمي في النيل القاذورات ونتعامل معه وكأنه مقبرة لكل شيء عادم.. أقول ذلك بعد أن وجدتهم في مدينة المنصورة يردمون جزءا من النيل ليقيموا عليه صالة أفراح! ووجدت احد المسئولين النافذين يردم جزءا من النيل ليقيم عليه قصرا منيفا حدث ذلك أمام عيون اقطاب النظام السياسي السابق ولم يتحرك أحد!. والحق أقول لقد شنت احدي الصحف القومية حملة شعواء علي هذا المسئول وطالبت بالتحقيق في ردم النيل. وتساءلت عن مصير هذا القصر وأين كان وزير الري بل وأين كانت الحكومة.. وظلت هذه الجريدة تشن حملتها علي المسئول وتفضح الجريمة التي قام بها. وبعد يومين فوجئت بالجريدة تغير مسارها وتحترم فيما قام به المسئول الكبير وكان النيل قد خلق لكي نردمه! ونبني عليه.. وعندما تطوعت بالكتابة وقلت إن شعار مصر هبة النيل يجب أن نتذكره ونفهم معناه ونحترم النيل ونكرس انتماءنا الإفريقي الذي يأتينا منه شريان الحياة ونعود للدوائر الثلاث العربية والإفريقية والإسلامية فوجئنا بالجريدة اياها قد غيرت مسارها وبدلا من انتقاد المسئول الكبير وتجريم فعلته.. كانت تشيد به بعد أن تلقت تعليمات من مسئول آخر ان كفوا عن التشهير بالرجل! وبالتالي قال لي احد العاملين في الجريدة: لا تكتب في هذا الموضوع ثانية! واليوم نحن نعيش مناخا ديمقراطيا مغايرا بعد ثورة 25 يناير ورئيس الحكومة كان وزير الري ويعرف جيدا نهر النيل والجرائم التي نرتكبها في حقه عليه باسم مصر والمصريين أن يفتح ملف ردم نهر النيل وأن يسأل عن سبب ردم ماء النيل في المنصورة ومنيل شيحة وأسوان.. افتحوا هذا الملف فمصلحة شعب مصر فوق كل اعتبار.. وشريان الحياة لاولادنا واحفادنا في خطر.. فأنقذوه. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي