رغم طفولتهم البريئة إلا أنهم ومنذ نعومة أظافرهم تجرعوا مرارة الغياب عما حولهم أو الاستمتاع به.. إنهم الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة الذين تتجسد مشكلتهم أيضا فى رحلات بحث ذويهم عن مدارس تعتنى بهم وتؤهلهم وتعطيهم شهادة تعليمية هى رحلة مضنية .. فبين أروقة مكاتب مديريات التربية والتعليم تجد أولياء الأمور تائهين يبحثون عن دمج هؤلاء الصغار مع الأسوياء فى المدارس الحكومية والخاصة لتذليل العقبات لهم للحصول على شهادة جامعية أو متوسطة مثلهم مثل أقرانهم حتى يتسنى لهم العمل فيما بعد وكسب ما يغنيهم ذل السؤال. البداية كانت تجربة شخصية قادتنى للبحث عن مدارس حكومية لذوى الاحتياجات الخاصة على اختلاف ظروفهم.. فما بين إعاقة سمعية أو بصرية أو ذهنية ترى براءة ظاهرة فى وجوه حامليها من الأطفال تزيدك حزنا وألما على مصيرهم .. فمدارس الصم مثلا موجودة ولكنها محدودة جدا، وكذلك مدارس المكفوفين أما الإعاقة الذهنية والتوحد وأطفال متلازمة داون، فلا تجد مدارس لهم بالمرة إلا فيما ندر وإذا وجدتها ترى إمكاناتها محدودة لا ترقى لمستوى احتياجاتهم. أما إذا بحثت عن مدارس خاصة بإعاقتهم فلا تجد مدرسة تعطيهم شهادة تعليمية بل هى مدارس تأهيل وأسعار الالتحاق بها تفوق حد الخيال لأنها مجهزة وبها متخصصون فلا يستطيع التقدم إليها أو الاشتراك فيها سوى الطبقات الميسورة، ولكنها هى الأخرى لا تعطى شهادة تعليمية فلا يكون أمام الأب والأم سوى المدارس الخاصة للأسوياء والتى ترفض قبول الصغير المعاق وغالبا ترفضه فى النهاية لأنه عبء على فصول الأطفال الأسوياء بها. تقول المهندسة علياء السيد إنها حاولت إلحاق طفلها بمدرسة خاصة لأنه طفل متلازمة داون، فطلبوا منها أوراقا لدمج الطفل ما بين اختبارات ذكاء واختبارات توحد واجراءات طويلة فى المستشفيات الحكومية حتى يتحدد له مرافق يتابعه فى المدرسة وبذلك ترتفع النفقات لدرجة كبيرة، ولكن الكارثة أن أصحاب المدارس يرفضون وجودهم والمراكز المتخصصة مهما ارتفعت تكلفتها لا تعطينا شهادة تعليمية ولا ندرى هل نغلق عليهم أبواب المنازل ونقتل الأمل لديهم رغم أن منهم مبدعين ومتميزين فى مجالات متعددة ؟!. وتحكى فوقية حمودة - أم لصغير أراد الله أن يحرمه نعمة البصر منذ ولادته أنها عندما بحثت عن المدرسة وجدت مصروفات المدارس الخاصة عالية جدا وبعيدة عن سكنها حيث يحتاج الصغير سفرا يوميا بسيارة توصله على نفقتنا الخاصة وهو ما لا تتحمله ميزانيتنا المحدودة ..أما المدرسة الحكومية فهى تبعد عنا حوالى نصف ساعة يوميا وهى مدرسة خاصة بالمكفوفين فقط ولكنها اكتملت ولم يعد بها مكان للصغير فاضطررت لدمجه بمدرسة حكومية للأسوياء وقد عانى صغيرى الأمرين .. فقد كان يأتى لى مصابا كل يوم من جراء سقوطه على الأرض أثناء اندفاع الأطفال وقت الفسحة والخروج، فقررت أن ألحقه بمركز تأهيل للمكفوفين ليتعلم فيه واتركه مسجلا فى المدرسة ويذهب للامتحان ففوجئت بالمدرسة تنذرنا بالفصل!! والآن لا أعرف ماذا افعل؟ ولماذا لا تكون هناك مدارس متخصصة تؤهلهم وتوصلهم للدرجات العلمية المختلفة؟!. ويقول صلاح احمد موظف - إن إجراءات دمج الصغار المعاقين فى المدارس الحكومية و الخاصة إذا تم قبولهم صعبة ومعقدة وتتطلب منا اصطحاب الصغار- رغم إعاقتهم - لتوقيع الكشف عليهم .. صغيرى يعانى من إعاقة حركية فى ساقه ويحتاج مرافقا لتحريك الكرسى ومتابعة أشيائه وعانينا الأمرين للحصول على الدمج لأن حركته صعبة، فلماذا لا تكون هناك لجنة كاملة ممثلة من كل التخصصات يتم إعلان ميعادها للجميع وتكون فى مكان واحد يرحم ضعف وإعاقة صغارنا، ولماذا لا ننشئ لهم مدارس خاصة بهم تؤهلهم وتعلمهم حتى الجامعة؟. وتقول إسراء محمود موظفة وأم لطفل يعانى التوحد أن أبناءنا ليسوا اقل من الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة الذين توليهم الدولة اهتماما شديدا وتعطيهم حقهم فى التعليم وتخرج إبداعاتهم وخاصة أن منهم متميزين فى مجالات متعددة.. ولكننا صرنا عرضة للنصب من قبل بعض المراكز الخاصة التى تتقاضى منا مبالغ باهظة لفترات طويلة بحجة أن تقدم هؤلاء الأطفال بطيء ليتخرجوا فيها بعد سنوات خاليى الوفاض بلا أى تطور، وفى مدارس الأسوياء إذا أنهينا رحلة العذاب والتحقوا بها نتكلف نحن أجر المرافق الذى يتابع الصغير إضافة إلى مصروفات المدرسة. التأهيل مع الشهادة بينما أكد النائب محمد الغول وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب أن الاهتمام بالأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم أمر غاية فى الأهمية لذلك لابد من التنسيق بين وزارتى التضامن الاجتماعى والتربية والتعليم لضمان الحصول على التأهيل مع الشهادة التعليمية التى تسمح لهؤلاء الأطفال بالوصول إلى التعليم الجامعى لأن منهم عباقرة خاصة أطفال التوحد .. وسوف أتقدم بمشروع قانون خلال دور الانعقاد الرابع فى البرلمان يلزم المدارس الخاصة والحكومية على السواء بقبول هؤلاء الأطفال وتوفير كافة الوسائل لتعليمهم وتأهيلهم على السواء إلى جانب أن حقهم فى العمل يستلزم الحصول على شهادة تعليمية حتى يتسنى لهم العمل فى الأماكن التى تناسبهم بعد ذلك لأن منهم من يملك ملكات خاصة خارقة ستيسر لهم توفير فرص عمل فى مجالات دقيقة ومتميزة. حقوق متساوية ونبه الدكتور على بدر عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب الى أن هؤلاء الأطفال لهم حقوق تتساوى مع الطفل العادى وهو حق دستورى ولو وصل الأمر إلى أن يقاضى الدولة للحصول على حقه مثل باقى الأطفال، لان الدستور نص على عدم التمييز فله حق فى التعلم والعلاج .. ولكن نسعى لتحرك ايجابى ولذلك لابد أن تكون مدارس مخصصة لهؤلاء ولها خطة معينة فالقانون المطروح لابد أن يلزم المدارس بوجود مدرسين مؤهلين، لتعليم هؤلاء الأطفال والتعامل مع حالاتهم الخاصة لأنه قد يخرج من بينهم علماء بما ميزهم الله من قدرات خاصة فيفيدوا المجتمع بعلمهم ولابد أن نستعد لهذا ولا نغفل حقوقهم فى العمل أيضا، فلابد من وضع خطة معلومة فى توفير فرص العمل لهم وبما يناسبهم وإدراجهم فى العمالة الخاصة والحكومية ويكون هناك مراجعة لهذه النسبة، وهناك أمر خطير أن بعض الأشخاص يدعون الإعاقة لمزاحمتهم فى النسبة المخصصة لهم فى سوق العمل ولابد من عقاب رادع لأمثال هؤلاء من مدعى الإعاقة من خلال تشريع خاص بذلك حتى لا يسطو أحد على حقوقهم التى كفلها الدستور ويحرمهم منها بشكل غير شرعي.