الحج ركن من أركان الإسلام وشعيرة من الشعائر العظام تهفو إليه الأفئدة وتحن إليه القلوب، وتتوق فى أشهره النفوس إلى زيارة تلك البقاع الطاهرة تحقيقا لقول الله عز وجل: (وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ). تجمع حجاج بيت الله الحرام من كل فج عميق في مكان واحد وميقات واحد، نحو قبلة واحدة، ليطوفوا ويسعدوا بالقرب من الرحمن مرددين جميعا «لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك». يحدوهم الرجاء أن يرجعوا من ذنوبهم كاليوم الذى خرجوا فيه من بطون أمهاتهم، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
وإذا كانت فريضة الحج تحفل بالعديد من الدروس والعبر والفوائد العظيمة، فإن هناك بعض السلوكيات المرفوضة التي قد لا تجعل حجك مبرورا أو خالصا لوجه الله، الأمر الذى دعا معه علماء الدين للمطالبة بأن تكون سلوكيات الحج متطابقة مع قدسية الشعائر والنسك. وحذر العلماء من الانشغال بوسائل الاتصال الحديثة والتقاط صور «السيلفي» من أمام الحرم المكي والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة، أو أن تطلب من حاج آخر التقاط صورة لك في موضع نسك, أو وهو يرتدي ملابس الإحرام. كما حذر علماء الدين من السلوكيات المرفوضة التي قد لا تجعل الحج مبرورا، مثل إلقاء المخلفات في الطرقات وبين المخيمات، وخاصة في منى وعرفة، والغيبة والنميمة بين الحجاج، والانشغال بالتسوق وشراء الهدايا، والإسراف في الطعام والشراب، والتدافع والتزاحم. مؤكدين انه يجب على ضيوف الرحمن التركيز في أداء الشعائر والبعد عن الرياء، والتفرغ والتجرد إلى الله عز وجل! مكارم الأخلاق وطالب الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، بمراعاة آداب الحج وتبدأ بالتحلي بمكارم الأخلاق، والتحلي بالصبر الجميل، قال تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)، وقوله صلى الله عليه وسلم، من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. وأوضح أن هناك بعض المظاهر الخاطئة كالتحدث في التليفون في أثناء الطواف والسعي، فالطواف صلاة إلا أنه يباح فيه الكلام، كما أن استخدام آلات التصوير والتسجيل والتواصل والاتصالات والشعائر يتنافى مع حرمات المناسك، قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وعدم مزاحمة الناس وإيذائهم قال النبي، صلى الله عليه وسلم ياعمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر (الأسود) فتؤذي الضعيف، فإن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر. التزاحم والتسوق وأضاف د. كريمة : إن من أبرز السلبيات التي يقع فيها كثير من الحجاج الإنشغال بالتسوق وشراء وإهدار الوقت على حساب أداء الصلوات في المسجدين الحرام والنبوي، مع عظم ومضاعفة أجر الصلوات فيهما، أو بقاء الحاج في غرفته بالفندق والنوم والكسل والثرثرة والغيبة والنميمة، وتفويت الأوقات المعظمة التي يجب أن تغتنم لمزيد من الأجر . أما التدافع والتزاحم فهو محرم شرعا، فقد علمنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه في الطواف يكتفى بالإشارة إلى الحجر الأسود، والسير باعتدال، ماعدا ما ندب فيه الإسراع للرجال في الطواف والسعي، وعدم تسلق صخور جبل الرحمة في عرفات، لأن ذلك قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، ولأن التسلق ليس من شعائر الحج، فالمكان كله عرفات. كما نبه د. كريمة، الحجيج بعدم التدافع عند زيارة القبر النبوي الشريف، وعدم المكث طويلا في الروضة وقبالة القبر الشريف، حتى يفسح المجال لغيره، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)، (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) ومقام النبوة يوجب خفض الصوت، والمناداة بأدب للحبيب، صلى الله عليه وسلم، (لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا). الإخلاص أولا من جانبه طالب الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، الحجاج بتجنب ما حرم الله على المسلم تحريما عاما في الحج، من الفسوق والعصيان والأقوال المحرمة والأفعال المحرمة، ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج كالرفث: وهو إتيان النساء وحلق الرأس واجتناب ما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن لبسه في الإحرام، وبعبارة أعم يجتنب جميع محظورات الإحرام، وقال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ). كما أوصى الحاج بأن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وجاهه وعمله، وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع، ويجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين سواء كان ذلك في المشاعر أو في الأسواق، فيتجنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف، وعند الازدحام في المسعى، وعند الازدحام في الجمرات وغير ذلك من الأماكن. التصوير ب «السيلفي» وأشار د. نور، إلى أن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فالعبث بالموبايلات، والانشغال بها فيه رياء وحب ظهور وانصراف أو بعد عن الأذكار الشرعية والأدعية التي كان من الواجب واللائق أن ينشغل الإنسان بها، ففي هذا عدم مراعاة لحرمات هذه الأماكن كأنها أماكن عادية للنزهة، ووجه رسالة للحجيج قائلا: ننبه الحجاج والمعتمرين إلى ترك هواتفهم وكاميراتهم في محال الإقامة، وإذا كان ولا بد فيجب إغلاق هذه الهواتف، وإذا أراد أن يسجل مواضع الشعائر، فليحتسب ذلك عند ربه، وسيجده يوم القيامة. كما يجب على الحجيج قضاء الأوقات فيما أمر الله به، من الأذكار الشرعية والأدعية، ومنها الاستغفار وتعظيم الله وتسبيحه، والدعاء بالخير للوطن والأهل ولجميع الناس، وأن يعزم على أن يرجع حاله أفضل مما كان، ليكون حجه مبرورا. تحريم الجدال وأكد الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين السابق بأسيوط، انه يجب على كل حاج، أن يلتزم بآداب الإسلام، حينما يحج بيت الله الحرام، فمن أعظم هذه الآداب أن يتجنب الخوض في الجدال، فإذا كان الجدل مذموما في كل وقت، فإنه في أيام الحج، أشد ذما، قال الإمام الذهبي، كان أئمة السلف، لايرون الدخول في الكلام أو الجدال، بل يتفرغون للعبادة كما في الكتاب والسنة، والتفقه فيهما، ويتبعون ولا يتنطعون، وقال بعض السلف، (إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا فتح له باب عمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً فتح عليه باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل)، فليضع كل حاج لبيت الله الحرام، هذه الحكمة في حياته، في حجه وبعد حجه، وأيضا من الآداب التي يجب على الحاج أن يقوم بها، أن يعمل على أن يكون حجه مبرورا ويتمثل ذلك فيما يلي: قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، قيل وما بره، إطعام الطعام وطيب الكلام)، وفي رواية (إطعام الطعام وإفشاء السلام)، والحديثان صحيحان، ويشتملان على الآداب الآتية: أولا، إطعام الطعام، فالحاج يجب أن يكون كريما ومعطاء في حجه وبعد حجه، ثانيا، طيب الكلام، فالذي يحج بيت الله الحرام عليه أن يحرص على طيب الكلام، فالكلمة الطيبة صدقة، ثالثا، إفشاء السلام، وعليه أن يسلم على من يعرف، ومن لا يعرف، في هذا الجمع الغفير، الذي يجتمع فيه الناس من أنحاء الأرض، وعليه بعد ذلك، أن يكون هذا الأمر عادة من عاداته، ومن الآداب أيضا، الإكثار من الدعاء، والاستغفار، فقال صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم). ونبه د. مرزوق، إلى أهمية الوقت الثمين فى أثناء تأدية المناسك، فلا يضيعه الحاج في أشياء بعيدة عن العبادة، حتى يحظى الحاج بالحج المبرور، والذنب المغفور.