مسلسل «ليالي أوجيني»، الذي عرض في رمضان الماضي، ذكّرنا بقصة الإمبراطورة الفرنسية «أوجيني»، التي حلت ذكري وفاتها ال 98 قبل 3 أيام في 11 يوليو الجاري، و التي أحبها الأمير المصري إسماعيل قبل أن يصبح خديو مصر وتصبح هي إمبراطورة فرنسا لمدة 17عاما، بعد زواجها من الإمبراطور نابليون الثالث في يناير 1853. ولدت أوجيني في اسبانيا بإقليم غرناطة في 5 مايو 1826 وتوفيت في 11 يوليو عام 1920 عن 94 عاما. كان الخديو إسماعيل يكبرها بأربعة أعوام، وكان لكل منهما قصته وبصمته في الحكم. ففي فترة حكمه، عمد الخديو إسماعيل إلي تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها، ليستحق لقب المؤسس الثاني لمصر الحديثة بعد إنجازات جده محمد علي باشا الكبير. وكذلك تمرست الإمبراطورة أوجيني في السياسة حتي زاد نفوذها علي حساب زوجها نابليون الثالث.قصة حبهما خلدها التاريخ، فلقد تعارفا أثناء بعثة الأمير إسماعيل إلي باريس ليتلقي علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة. وهكذا أحب الأمير المصري الأميرة الفرنسية، التي كانت هي الأخري تتلقي علومها في بلدها ليستمر الحب ويخلد ويتأثر به العديد من الأدباء و الشعراء. مسلسل «ليالي أوجيني» لعب علي هذه «التيمة» لينسج من خلالها معظم قصص الحب التي ربطت بين غالبية أشخاصه. وطاف بنا المسلسل مدينة بورسعيد التي كانت شاهدة يوما علي حب أوجيني وإسماعيل، واستطاع أن ينقلنا ببراعة التصوير والإخراج إلي أجواء أخري لمصر في فترة الأربعيينات من القرن العشرين، في مدينة بورسعيد. ليالي أوجيني «المسلسل»، و ليالي أوجيني «القصة القديمة الخالدة» التي نسجها التاريخ، تحمل في طياتها معا معني ومغزي قصص الحب التي عاشت حتي وإن لم يمهلها القدر أن تكتمل. وبرغم تعدد زيجات الخديو إسماعيل وتعدد أبنائه من هذه الزيجات إلا أنه لم يكن سعيدا، وكان دائم البحث عن محبوبته الإمبراطورة. ورغم مرور الأعوام، لم يستطع هو نسيانها بعد أن أنهي بعثته وانتهز فرصة افتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر 1869، ليدعو الملوك والرؤساء والأمراء من كل دول العالم، وفي الحقيقة كانت الإمبراطورة أوجيني هي المعنية الأولي بتلك الدعوة مع زوجها الإمبراطور نابليون الثالث. ووقف الخديو بنفسه في استقبالها علي رصيف ميناء بورسعيد الذي رست عليه سفينتها وأطلق عليه اسمها، واصطف الجنود علي الرصيف. وعندما بدأ الحفل عزف النشيدان الوطني الفرنسي والمصري ودخل الخديو وبجانبه الإمبراطورة ومن خلفهما كل الملوك والأمراء في سلوك أغضب زوجها كثيرا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الخديو شيّد قصرا في الزمالك لتقيم فيه الإمبراطورة خلال وجودها في مصر كلف خزينة الدولة 750 ألف جنيه، كما أمر بإنشاء حديقة الجبلاية، التي كانت علي درجة عالية من الجمال والأناقة لتتمتع أوجيني بها أثناء فترة تواجدهابالقاهرة. وأمر بإنشاء شارع الهرم ليتسني لها رؤية الأهرامات الثلاثة كما كانت تتمني، وأقام الفندق التاريخي «أوبروي ميناهاوس»، ليضاف إلي قائمة القصور التاريخية العريقة والفخمة في عهده، مثل قصر عابدين، ودار الأوبرا الخديوية، وكوبري قصر النيل، وغيرها من الأعمال الإنشائية المعمارية العظيمة التي خلدت حبه للإمبراطورة.وقبل عودة أوجيني إلي فرنسا، كان الخديو قد جهز هدية الوداع، غرفة نوم من الذهب الخالص تتصدرها ياقوتة حمراء نقشت حولها بالفرنسية عبارة «عيني علي الأقل ستظل معجبة بك إلي الأبد».وفي 15 نوفمبر 1896، أعد الخديو وليمة عشاء في قصره بالإسماعيلية، دعا إليها الإمبراطورة وزوجها الإمبراطور نابليون الثالث قبل مغادرتهما البلاد. وكان هذا العشاء بمثابة العشاء الإمبراطوري الأخير لهما، إذ شاءت الأقدار أن يجلس علي يسار أوجيني علي المائدة الأمير «فريدريك فيلهلم» ولي عهد روسيا، الذي أسقط هو ووالده إمبراطوريتها بعد أقل من 10 أشهر، وهزم زوجها، وأعلن ميلاد إمبراطورية جديدة لألمانيا الموحدة وتتويج والده من قصر فرساي بفرنسا بعد هروب الإمبراطورة أوجيني وزوجها وابنهما لويس، وخروجهم من الأبواب الخلفية للقصر إلي انجلترا. ولم تكن نهاية حكم الخديو إسماعيل هي الأخري بالنهاية السعيدة، إذ تم عزله في 26 يونيو 1879. ويحكي لنا التاريخ أن الإمبراطورة في شيخوختها، بعد أن سلبتها الأقدار إمبراطوريتها، حنّت إلي أرض الذكريات، فأتت إلي مصر متخفية في عام 1905، و جاءت إلي السويس، ومكثت عدة أيام في فندق «سافوي» في بورسعيد، ثم زارت القاهرة، وشهدت قصر الجزيرة الذي كان الخديو قد شيده لها.