عبث في عبث، هكذا أصبحت تدار الأمور في مجالات عدة، وبعد انتهاء شهر رمضان الفضيل بمسلسلاته وبرامجه وكل ملحقاته الدرامية بحلوها ومرها وطبعا كان المر أكثر بكثير من حلوها. المهم أن المولد الرمضاني انفض على خير أو ربما العكس، ليس هذا هو المهم وإنما المهم أنه انفض والسلام. لكن من الواضح أن المجلس الأعلى للأعلام كان غائبا عن متابعة ما تم عرضه من أعمال أو مسلسلات، مع أنه من المفروض أن كل الأعمال المعروضة قد تم عرضها على المجلس أو على لجنة الدراما أو الرقابة، وبناء عليه تمت إجازة عرضها. ويبدو أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل، بدليل أنهم لم ينتبهوا إلا بعد مرور شهر على نهاية الشهر الكريم، ليكتشفوا الآن فقط أن هناك مشاهد ينبغى حذفها، على الرغم من أن رمضان انتهى وبعده العيد وانتهى أيضا، ومن المعروف أنه بعد العيد "لا ينفتل كحك" وأنه لا يجدى ولا يفيد حذف أى مشهد الآن. وليتها مشاهد بالمعنى الحقيقى، وإنما هي 5 مشاهد فقط في "عين العدو"، التي تم حذفها من حوالي 30 مسلسلا تقريبا، احتوى معظمها على العديد والعديد من ألوان وأشكال وصور العنف والبلطجة والجنس والعرى والدعارة والمخدرات والخمر والشتائم، وكل ما لذ وطاب من هذه النوعية التي أصبحت هي المفضلة عند صناع الأعمال الدرامية والرمضانية تحديدا، وزاد عليها هذا العام موضوع العنف المفرط ومشاهد القتل والوحشية بهذا الشكل الذي رأيناه، والذي لم يكن له مثيل من قبل أبدا.! كان من الممكن أن نرضى بما تم حذفه حتى لو صفصف على مجرد 5 مشاهد يتيمة! وعن نفسي شخصيا كان يكفيني فقط حذف المشهد الأخير لمسلسل غادة عبد الرازق الخاص بتقليد الفيديو الذي بثه تنظيم داعش بحرق الشهيد الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" والذي أغضب جميع الأردنيين وأغضبنا نحن أيضا، بسبب مساواتها لهذا الشهيد البطل مع مغتصب ابنتها وحرقه بنفس الطريقة الداعشية الوحشية. هذا طبعا بخلاف أنه مشهد يعد في حد ذاته تحريض واضح وصريح علي الخروج عن القانون ونشر البلطجة وفرض قانون الغاب، فأي شخص يستطيع أن يأخذ حقه بيده دون انتظار قصاص القضاء أو حتى عدالة السماء.! ومن المشاهد المحذوفة، التي قد تثلج ولو بعض الشيء صدور عدد كبير من الذين تابعوا مسلسلات رمضان، قتل "حسن الوحش" في مسلسل أيوب وبتلك الطريقة الوحشية في "البانيو" على يد زوجتيه، أما باقي المشاهد المحذوفة الأخرى، فلا داعي لذكرها لأن حذفها مثل عدمه. نكرر مرة ثانية بأنه كان من الممكن أن نرضى بتلك المشاهد المحذوفة، ولكن هذا في حال لو كان ذلك حدث قبل عرضها في رمضان، أما وبعد أن شاهدها الملايين من البشر، فبماذا يفيد الحذف إذن الآن، وبماذا نفسر حذف هذه المشاهد دون غيرها، مع العلم أنه مازال هناك ما هو أفظع وأبشع وأقبح منها بكثير، ومع ذلك تركوها لتظل قابعة علي أنفاسنا، ولتظل أيضا الدراما المصرية موصومة بعار تلك المشاهد طوال الوقت وإلى الأبد.! وقد سمعنا أن الحذف جاء الآن بعد انتهاء العرض الأول في رمضان، لكي لا يذبحوا ولا يظلموا المنتجين الذين أنفقوا الملايين علي مسلسلاتهم، اعتقادا منهم أن حذفها في العرض الثاني لها لن يضرهم في شيء حاليا، وكأن ملايين المنتجين أصبحت أهم وأغلى من ملايين المشاهدين الذين تم حرق دمهم يوميا من جراء مشاهدة مثل هذه المشاهد في المسلسلات، أو ربما هي أهم وأغلى من ذلك التشويه المتعمد للدراما والفن المصري عموما. وما أريد أن يعلمه المسئولون في الأعلى للإعلام، وكذلك صناع الدراما والرقابة أيضا، أن هناك هروبا جماعيا من المشاهدين أصبح يتزايد عاما بعد آخر، فلم يعودوا حريصين على متابعة أي أعمال رمضانية، إما بسبب طغيان المساحة الإعلانية من ناحية، أو لأن تلك المسلسلات المعروضة لم تعد ترضى مزاج الجمهور، لذا نرجو آلا ينخدع أحد بمقاييس النجاح الوهمية كما تصورها مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها لا تعبر عن الحقيقة ولا هي تمثل جميع الأنماط من المشاهدين، اللهم إلا قلة قليلة من الشباب العاشق للأكشن فقط، ومصر طبعا ليست كلها شباب، لذا فانتبهوا لهذا أيها السادة قبل فوات الأوان. [email protected] لمزيد من مقالات علا السعدنى