حزنت حزن امرأة عجوز عاقر أكرمها الله بمولود لكنه مشوه فانفرج فاها اندهاشا وتعجبا وتساؤلا: هل تفرح بعطية الله وقد بلغت من العمر عتيا؟، أم تحزن على طفل مشوه محكوم عليه بالسجن فى قفص الشفقة طوال سنين عمره؟، ومحكوم عليها أن تتحمل مصمصات شفاه التصعب على حاله والدعاء له بالرحمة، يثقل حملها بمرور الأيام حتى انها تفقد آدميتها وحبها لذاتها واحساسها بمن حولها فى سبيل التركيز معه، فقد أصبح دائرة اهتمامها لا تعرف إلى أين وإلى متى؟، وربما تستشعر من داخلها أنه لا أمل فى إصلاح الأمر. ولكنها تحاول وتقاوم دون تفكير إلا فى البقاء إلى جواره أطول وقت ممكن، إلى أن يحين أجلها أو أجله.. توقف هذه المرأه بكامل إراتها تفكيرها فى المستقبل فى أحلامها تعيش اللحظة فقط بحلوها ومرها بثقلها وخفتها، تتجنب الخوف، تتجنب التأمل، تتجنب الراحة والاسترخاء، الذين يؤديان إلى التفكير والحلم، لا مجال نهائيا لهذه المبهمات والخيالات فقد تعلمت أن تعيش الواقع، أن تترك نفسها مثل ريشه فى مهب الريح، مدعيه أنها تسلم أمرها لله القدير، بينما هى تخشى مواجهة الحقيقة المرة.. أنه لا عاصم اليوم من الحزن.. هكذا أصف حالى عندما علمت بإصابتى بمرض الذئبة الحمراء، التى لم أكن أعلم عنها شيئا سوى أنها مجرد خدود حمراء ملتهبة من التعرض للشمس، ورغم أن ذلك الأمر الهين لم يصيبنى فقد علمت أنها أخطر من ذلك، وأنها تتنكر فى زى مصاصى الدماء ،فهى تتخذ صفات انثى الذئب فى قوتها وحدة بصرها وهمتها وعزيمتها وحاسة الشم والاصرار على اصطياد فريسه تحمل صفات تضاهيها فى قوتها وذكائها وحنكتها وطاقتها لكى تستمتع بمعركة الافتراس والانتصار على غريم يناسبها، فتبدأ بدمه على مهل لكى لا يستشعر الأمر ويتركها تتلذذ وتروى عطشها بدماء ساخنه كحساء تمهيدى لتسخين وتنشيط الامعاء ثم تنطلق الى اللحوم وتقضم من القلب قطعة بكل حرص لكى لا تموت الفريسة مبكرا، ومن أجل إضعافها فقط، ثم تنزل على رئتيها وبالأخص الغشاء البللورى الرقيق الذى تعتبره مقبلات لاشغال الفريسة بألم مبرح يشتت تفكيرها، ولا مانع من أن تبصق بعضا من الماء فى رئتيها وقلبها وتحت الجلد لكى تثقل حركتها، فلا تتمكن من السير أو الهرب وتنجح فى أن يضيق تنفسها وتنهج فتشل حركتها تماما، ثم تبدأ الدخول الى الطبق الرئيسى وهو الكلي التى تقوم بتنظيفها من السموم وإلقائها فى أنحاء الجسم لكى تختلى بلحم شهى طازج، وفى الوقت نفسه تجعل الفريسة تتوقف عن الطعام ولا يقبل جسدها أى مدخلات وتصاب بالغثيان والقىء طوال الوقت حتى تصاب بالهزال وتقعدها تماما، فتضمن بالتالى أنها باقية فى مكانها متى جاعت تأتى إليها لتجد ما لذ وطاب، والغريب انها لا تأكل العظم بل تتخبط به بكل قوة أثناء الحركة وهذا ما يفسر وجع العظام والعضلات. فمن الطبيعى أن تحاول الفريسة المقاومة لكنها تدك عظامها وتتكأ عليها بغضب، ولا مانع من مصمصة العظام الصغيرة من مفاصل وعقل أصابع ورسغ اليد ومفصل مشط القدم باعتبارها قرقوشة لذيذة تنهى بها وجبة اليوم قبل لحس أصابعها، وفى اليوم التالى تبحث عن منطقة جديدة بنفس سياسة الاستشعار والجس المبدئى، فتستطعمها أولا وبمجرد ان تنال اعجابها تنقض عليها، لكنها لا تحب ان تنهى الطبق على مرة واحدة، لكى تترك الفرصة للفريسة للبقاء حيه، وربما تتركها أن تعيد بناء ما خربته ببعض الأدوية والاكل لمدة أيام أو شهور وربما سنوات ثم تأتيها مرة أخرى فى هجمة جديدة، بعد صبر على جوع وتنقض وتفترس بنفس السياسة والجدولة والمخطط الذكى. لمزيد من مقالات ناهد السيد;