95 مليون متر مكعب مياها سقطت على مصر وأهدرت فى البالوعات ونحن نتحدث عن احتمالية حدوث أزمة مياه علينا أن نفكر جيدا فى استغلال كل قطرة ماء ترزقنا بها السماء وألا نتركها تذهب هباء، ولعل الأيام الماضية تم إهدار كميات هائلة من مياه الأمطار التى سقطت علينا وأغرقت شوارع ومدن بأكملها وكان مصير هذا الخير الوفير من المياه النقية بالوعات الصرف الصحى!!، ولم تكن هذه المرة هى الأولى التى أهدرنا فيها كميات مهولة من مياه الأمطار الغزيرة، مما أثار التساؤل أليس هناك وسيلة لجمع هذه المياه وتخزينها للاستفادة منها سواء فى الشرب أو الرى؟
د. سامح الهلالي كثير من الدول أقامت مشاريع للحماية وتخزين المياه والاستفادة منها بقدر المستطاع، وقد آن الأوان أن ندرس الأمر ونأخذه بجدية. د.عباس الزعفرانى عميد كلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة يقول إن حصاد مياه الأمطار بشكل عام يحتاج إلى جهد واهتمام خاصة فى حالة نقص مياه النيل بسبب سد النهضة، وهو ما يتطلب سياسة مائية جديدة وخطة قومية تتعامل مع الأمطار كمورد للمياه لا يستهان به، يمكن حصادها وتخزينها، وفى حين أن ايراد نهر النيل السنوى 55مليار متر مكعب، نجد أن هناك من 10إلى 12مليار متر مكعب من مياه الأمطار تسقط على الساحل الشمالى ومثلها على البحر الأحمروجنوبسيناء،هذا يعنى أن مياه الأمطار تعادل ثلث إيراد مياه النيل. وعندما تكون كمية مياه الأمطار تستحق الحصاد يمكن أن تستعمل مباشرة بحيث تدخل محطة معالجة لتتحول لمياه صالحة للشرب، أو توجه لتروى مزارع، كما يمكن توجيهها إلى البحيرات، وهو ما يحدث فى الاسكندرية، حيث يتم توجيهها ناحية بحيرة مريوط وهناك جزء يتم إلقاؤه فى البحر، ويجب أن تقسم بحيرة مريوط لأحواض يخصص منها حوض لمياه الأمطار النظيفة وتستعملها المدينة تجنباً للمياه الملوثة بمياه الصرف الزراعى، ونجد ذلك فى المنصورة ودمياط ودمياط الجديدة والعريش، والجلالة، وبورسعيد تستحق أن تقام بها شبكة لأن الأمطار هناك مستديمة وتعتبر موردا يصلح للشرب، أما مرسى مطروح فهى تعانى من نقص مياه الشرب والأمطار فيها ليست قليلة ككل المناطق الساحلية .. وبالنسبة لأمطار مخرات السيول على الجبال - مثل سيناءوالبحر الأحمر يمكن أن يتم حصادها فى خزانات سطحية بواسطة السدود، أو توصيلها بالمياه الجوفية حتى لا تتبخر. ولمن لا يعرف فإن 85% من استهلاك المياه فى الزراعة، و5% استعمالات سكنية، و5% صناعية، و5% بلدية، إذن فالاحتياج الأساسى هو الزراعة، وعلى سبيل المثال نجد أن العرب فى الساحل الشمالى يستفيدون من مياه الأمطار التى تسقط على المخرات لزراعة التين.
د. محمد شعبان معالجات موضعية ويضيف قائلاً تصعب الاستفادة من الأمطار فى القاهرة أو القاهرة الجديدة لقلتها فلا تستحق إنشاء شبكة كاملة قد تتراوح تكلفتها من 2 و4مليارات جنيه، ولهذا فإن المناطق الداخلية تستلزم حماية من الأمطار بمعالجات موضعية بحيث تحدد المناطق المنخفضة وتجرى مياهها على الاسفلت ليتم استقبالها بمنطقة قبل نقطة تجمعها، فيتم دق مواسير بعمق كبير لصرف هذه المياه إما مع بطن الأرض مع المياه الجوفية أو فى مواسير الصرف. نقص فى المعلومات وحول الاحتياطات الواجبة التى يجب اتخاذها لحصاد مياه الأمطار والتنبؤ بمخاطر السيول يقول د.الزعفرانى إننا نجد نقصا شديدا فى المعلومات عن الأمطار والسيول والتى يجب الالمام بها لإيجاد حلول، فلا توجد محطات أرصاد جوية فى أغلب المدن الجديدة، فالقاهرة الجديدة مثلاً تعتمد على محطة أرصاد مطار القاهرة والتى تبعد حوالى 15كم على الرغم من وجود فارق فى ارتفاع الأرض من 200 إلى 300م، وهو ما يجعل هناك فارقاً فى كمية الأمطار، فأكثر نقطة منخفضة فى القاهرة الجديدة أعلى من أعلى نقطة فى المقطم وبالتالى فإن أعلى نقطة فى القاهرة الجديدة أعلى من المقطم ب100م تقريباً، وهذا يجعل جوها مختلفا والأمطار أكثر غزارة، المفروض أن تكون هناك عديد من محطات الرصد فى القاهرة حتى الآن لا توجد سوى 3 أو 4محطات فى حين أن مدينة مثل برلين بها 35محطة رغم صغر مساحتها مقارنة بالقاهرة. كما أن من أساسيات التخطيط العمرانى أن يتم التدقيق فى خرائط الطبوغرافيا لتحديد أماكن مخرات السيول ولا يتم فيها إقامة منشآت أو شوارع بل تعتبر مجرى مائى بسيط يتم فيها زرع حدائق مثلما تم فى مدينتى والعاشر من رمضان، حيث تركت أماكن مخرات السيول مفتوحة أما فى القاهرة الجديدة فقد تم تجاهل هذا الأمر. د. عباس الزعفراني الاستفادة بشكل إيجابى ويقول د.محمد شعبان نجم أستاذ الهندسة الصحية بكلية الهندسة جامعة عين شمس إن هيئة الأرصاد قدرت كمية مياه الأمطار التى هطلت على الجمهورية الايام السابقة ب 95مليون م3، منها فى التجمع الخامس ما بين 7 إلى 10 ملايين م3تقريبا، وشبكة الصرف الصحى فى الكود المصرى قدرتها نصف مليون متر مكعب فى اليوم فقط، فالأمطار كانت تتساقط لمدة 4ساعات بمعدل 125مللى إلى 150مللى فى الساعة فى حين أنها فى الكود المصرى 20مللى/الساعة فقط، ولذا فهى أقرب إلى السيل وهذه حالة استثنائية، ويمكن إنشاء شبكات تجميع وتصريف مياه الأمطار فى المدن التى تهطل عليها الأمطار بغزارة كثيرا مثل الأسكندرية وبورسعيد والعلمين الجديدة يتم عمل محطات لرفع المياة لو سقط 10 ملايين أو 20 مليون م3 تستخدم فى الرى علما بأن الفدان يروى ب 20 ألف م3 فى اليوم. أما الأماكن التى تهطل فيها الأمطار بشكل دورى وغزير مثل نويبع فى شهرى ابريل وأكتوبر فيمكن عمل خزان عند سد وادى وتير الذى أنشئ لتحصين جنوبسيناء من مخاطر السيول، وتهدده كميات كبيرة من مياه الأمطار كل عام ولذا يمكن تجميعها فى خزان كبير وتعالج لتستخدم فى الشرب أو فى الرى. خزان جوفى للتجمع بالنسبة لطبوغرافيا شارع التسعين بالتجمع الخامس يوضح د.محمد شعبان نجم - انه يمكن إنشاء خط صرف مطر أو محلى، بمضخات تجمع مع وضع عدة خلايا «أكواسيل» أو «مصايد لمياه الامطار» فى أماكن تجمع المياه فتنفذ منها لتتسرب إلى الأرض وتتخزن فى جوف الأرض ويمكن سحبها فى أى وقت للرى، ولكن تواجه هذا النظام مشكلة فى حالة عدم سقوط أمطار يمكن ان تمتلئ هذه المصايد بالأتربة وأوراق الشجر، مما يستلزم صيانة دائمة، ويجب تطوير شبكة الصرف الصحى القائمة فى القاهرة الجديدة لتواكب أعمال التوسعات الكبيرة فى المدينة، وتزويد الطريق الدائرى بشبكة صرف، وتدريب رؤساء الأجهزة على كيفية التعامل مع الأزمات. أنواع الحماية ويوضح أ.د.أشرف السيد نائب مدير معهد بحوث الصرف بوزارة الرى أن الدولة تقوم بالفعل بعديد من المشروعات للحماية وتجميع مياه الأمطار فى سينا وسفاجا وغيرها، ويمكن تنفيذ هذه الأعمال فى أى مكان حسب ظروفه وطبيعة الأرض وطبوغرافيتها.. فهناك ثلاثة طرق إما الحماية فقط أو الحماية وشحن المياه الجوفية أو الحماية والتخزين فى أحواض مخصصة، ويتم شحن المياه الجوفية بالفعل فى عدة مناطق مثل العين السخنة وتستخدم فى رى المساحات الخضراء لأنها أقل فى الملوحة وأعلى فى الجودة.. وبالنسبة للقاهرة فتحتاج إلى دراسة حسب طبيعة الأرض وظروف المدينة ..و مياه الأمطار موسمية وتنفع التجمعات البدوية مثلما فى الساحل الشمالى فقد تم عمل آبار هناك وجاء تصميمها بحيث تحتفظ بمياه الأمطار لفترة معينة تستخدم للرى مباشرة ولكن لابد من فلترتها لتصلح للشرب. ويشير إلى أن العاصفة والأمطار تختلف بمرور السنوات فلابد من دراسة اعمال الحماية إذا كانت لعشر سنوات أو عشرين أو خمسين سنة ولكل منها دراسة اقتصادية مختلفة والعديد من المدن فى دول الخليج أقامت أعمال حماية مثل مسقط وصلالة وأبو ظبى والشارقة وغيرها. منطقة أمطار د.محمد محمد كامل أستاذ بحوث البناء المتفرغ بالمركز القومى للبحوث يقول إن المشكلة تكمن فى أننا لم نكن منطقة أمطار واصبحنا منطقة سيول وأمطار، كما أننا لا نفكر فى الاستفادة من اى شىء إلا عند الحاجة القصوى له، فلماذا ننتظر حتى نحتاج المياه لنبدأ فى التفكير فى الاستفادة منها رغم اننا نعلم أن الاحتياج آت بلا شك، فلابد من أن ننتبه لأن كمية مياه الأمطار والسيول التى تهطل على مصر لا يستهان بها ويجب البدء فورا فى اقامة خزانات لها لتكون جاهزة فى الشتاء المقبل لاستقبال تلك المياه، أو تحويل مسارها من مجرى السيل لتصب فى نهر النيل، وكثير من الدراسات موجودة فى معهد بحوث الصحراء توصى بضرورة الاهتمام بمياه الأمطار والسيول وحصادها وإعادة استخدامها وعدم تركها لتذهب فى مصارف الصرف الصحى، وكان المفروض أن تقام خزانات كالموجودة بمرسى مطروح والتى تستخدم فى الرى وتترك حتى تترسب منها التربة وتستخدم فى الشرب. ومن يعلل عدم إقامة السدود وشبكات صرف المطر وأحواض التخزين بسبب ارتفاع التكلفة المادية فيمكننا الرد بأن الخسائر المترتبة على إهدار الأمطار هباء يكلف المواطنين والدولة الكثير. تجارب الدول د.سامح العلايلى أستاذ متفرع بكلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة والعميد السابق للكلية - يقول للاسف ان مياه السيول التى تنهمر بغزارة فى بعض المناطق مثل البحر الأحمروسيناء والصعيد تذهب هباء فى مياه البحر ونهملها ولا نهتم بها بل قد لا يشعر البعض بقيمتها ويرى أنها كارثة يجب التخلص منها! وقد قام الخبراء فى معهد بحوث الرى والمياه بتسجيل كمية المياه المتساقطة فى جنوب مصر من أحد السيول بألفي متر مكعب، وهى كمية تجعلنا نفكر فى الاستفادة منها بدلا من اهدارها فإذا كانت تسقط فى اماكن قريبة من نهر النيل فيمكن توجيهها لتصب فيه ، وأما إن كانت بعيدة فيمكن تخزينها ومعالجتها واستخدامها فى الشرب أو الرى. وفى ظل تناقص موارد المياه كمشكلة عالمية تتجه كثير من الدول لإيجاد بدائل مختلفة لمصادر المياه وأذكر تجربة المغرب الناجحة حيث قاموا على مدى عدة سنوات ببناء سدود جبلية لتخزين مياه السيول خلفها واستخدامها فى رى مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية.. وفى صحراء موريتانيا يزرعون الخضراوات دون مصدر ماء ويعتمدون على قطرات الندى التى تتكون مع الفجر وتتجمع تحت الغطاء البلاستيكى الذى يغطى الرزع، حتى نتح الأشجار يستخدمونه فى الرى، وبهذا نجد أن الكثيرين لا يفرطون فى قطرة الماء ويسعون إليها مهما تكن صعبة المنال ونحن نهدر ملايين الأمتار من مياه الأمطار وهو الأمر الذى يتطلب اعادة نظر وسرعة التحرك للاستفادة منها. ويستطرد د.سامح العلايلى قائلاً - منذ عدة سنوات طرحت فكرة لإقامة طريق اقليمى يخترق المرتفعات بمحاذاة ساحل البحر الأحمر ويبعد عنه بمسافة نحو 10كم لفصل حركة النقل الثقيل عن النشاط السياحى وأيضاً التمكن من إقامة سدود ركامية منخفضة التكاليف لحجز السيول فى خزانات يستفاد منها بعد ذلك ولكنها لم تنفذ، ونحن الآن فى وضع يستدعى الدراسة بجدية والاهتمام بالاستفادة من مياه الأمطار كمورد مائى أساسى مهم.