مازال في مصر من يملك الأمل في إصلاح التعليم ويقدم ما يراه مساعدا علي تحقيق هذا الأمل.. ولا نملك أمام سطور تلك الرسالة سوي الدهشة والإعجاب. الدهشة من الصورة التي تقدمها الرسالة مصحوبة بوثيقة تحمل تاريخ عام1974 ،جاب بتلك السيدة الفاضلة صاحبة هذه الرسالة التي كانت في هذا العام موجهة للتربية الاجتماعية بالمدارس.. نبدأ بالرسالة التي تقول صاحبتها السيدة/ زينب صبحي- التي لم أشرف بمعرفتها- أتابع مقالاتكم عن مشاكل التعليم باهتمام بحكم عملي سابقا كموجهة للتربية الاجتماعية بالمدارس وأم تهتم بتربية أولادها وحاليا أحفادي. أقدم نفسي لكم فأنا من أول دفعة لخريجات كلية الخدمة الاجتماعية وعملت مع ثمان من زميلاتي منذ عام1950 في إرساء قواعد الخدمة الاجتماعية المدرسية وكانت أولي تجاربنا الناجحة تنظيم رحلة الأقصر وأسوان لطالبات المدارس الثانوية وما في مستواها باشتراك رمزي مقداره جنيه ونصف الجنيه واستمر العمل بهذا النظام لفترة طويلة كما أنني عملت بمحافظة الإسكندرية وأقمت بها مشروعات بناءة مازال بعضها يعمل علي استحياء وبشكل مظهري أمام الزوار وضيوف المدرسة الكبار وبعضها اندثر كغيره من القيم الجميلة التي اندثرت. كما حصلت علي منحة لزيارة المدارس من يوجوسلافيا وألمانيا ولندن جعلتني انظر باهتمام لأهمية دور المدرسة في رسم وتخطيط لما يكون عليه المواطن ذو الضمير الحي ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب الآخرين ويراعي الله في كل تصرفاته غير عابئ بخوف أو مجاملة يقدس النظام في العمل المشترك بدل الفوضي وضياع حقوق الضعفاء. إن ما يدفعني للكتابة في هذا الموضوع هو إيماني بأن رسالة وزارة التربية والتعليم ليست فقط في المناهج الدراسية المتنوعة المدونة في الكتب ولا في الأنشطة المزيفة التي يبدعها من هو أبعد ما يكون عن المدارس وإمكانياتها. بل إن التربية والتعليم لأي دولة ينصب اهتمامها علي بث سلوكيات فيتعود الطفل منذ دخوله المدرسة ليصبح مميزا وصورة مشرفة لوطنه في الالتزام والنظام والأمانة واحترام الآخر والعطاء والصدق والنظافة فالياباني يمتاز بالنظافة والدقة في أي عمل ويشاركه في ذلك الألماني بالالتزام واحترام المواعيد والانجليزي في الجدية والأمريكي الذي يتعود منذ صغره علي العطاء وخدمة الآخرين والتطوع في مشروعات فأين نحن من هذه الشعوب؟! إن سلوك أطفالنا يجب أن يبدأ من أول يوم يلتحق به بالحضانة أن يتعلم كيف يدخل فصله في نظام وكيف يصعد السلم من الجانب الأيمن بدون تزاحم ويترك الجانب الأيسر للنزول أو صعود المدرس المرافق لفصله! يجب الاهتمام بتعليم الطفل احترام الصدق ونبذ الكذب ليس بالمواعظ ومقرر دراسي أو قصة وإنما بوسائل عملية يتعود عليها يكون هو نفسه رقيبا علي عمله ولهذا الغرض تدريبات متنوعة داخل الفصل وخارجه أي تكوين ضمير للإنسان يحاسب نفسه بلا رقيب سوي الله ويصل بها إلي النفس المطمئنة كأن يطلب المدرس أداء واجب معين كتابة علي أن يحدد له فترة زمنية يؤديها في منزله ويضبط الساعة علي هذه الفترة علي أن يتوقف بمجرد انتهاء الوقت أو أن يقوم المدرس بتوجيه أسئلة شفوية يجيب عنها التلميذ في كراسته ثم يكتب الإجابة علي السبورة بحيث يصحح التلميذ كراسته بنفسه ويعطي لنفسه الدرجة التي يستحقها مع التنبيه عليهم بأن هذا اختبار لمدي صدق الإنسان مع نفسه وتشجيع من يلتزم بذلك ولا يحاول الكذب أو الغش وهناك أمثلة كثيرة لذلك كإشراك الأطفال جمعيا وليس بنظام العينات في شئون الفصل والمدرسة وبالجامعات المختلفة ويكون لكل نشاط شارة مميزة يفخر بها كالهلال الأحمر والنظام والكشافة وغيرها يحصل عليها سواء في الفصل أو علي مستوي المدرسة ليفخر بها ويعتز بها بين زملائه ويهدد بسحب هذه الشارة منه إذا أساء التصرف وأظن أن الكبار أيضا يهتمون بتكريمهم فهذا الشعور يغرس حب الانتماء والرغبة في العمل مع الآخرين والسعادة بالمشاركة. ولقد حظينا نحن الجدود بتعليم ممتاز وأتذكر أن المدرسة كانت مقسمة إلي أسر وكل أسرة تشمل طالبات من جميع الفرق ولها اجتماع أسبوعي مع رائد أو رائدة الأسرة يبدأ الاجتماع بحساب ما قدمه الأفراد من سلبيات وإيجابيات تنسب للأسرة ثم متابعة مشروع الأسر في المدرسة وتوزيع الأدوار علي أفرادها. لا أنسي أبدا شعور المشاغبين بالخزي عند حساب النقاط السوداء التي وصلت للأسرة بسببهم وفرحة من كان سببا في حصولها علي أكبر عدد من النجوم في التفوق الدراسي والثقافي والفني وحتي في تقبل العقاب أو الاعتذار بشكل مشرف حين يحدث خطأ غير مقصود من أي فرد من الأسرة. لو اهتممنا بما ذكرت فسنري بعد عشرين سنة علي الأقل المواطن المصري كما يجب أن يكون وتطبيق جواهر الديانات السماوية التي فرضها الله بكتبه ورسله فنجد صفوفا منتظمة أمام محطة المترو والأتوبيس أو أمام شباك البنوك وجوازات السفر كذلك نجد السائق الذي يحترم إشارة المرور مع عدم وجود الشرطي ونجد المسئول الكبير الذي يحاسب نفسه علي تقصير في مؤسسته ولا يبحث عن كبش الفداء من صغار مرءوسيه. مشاهد من رعاية الطلاب منذ أكثر من35 عاما!! مع رسالتها ترفق الموجهة الأولي للتربية الاجتماعية عام1974 السيدة زينب صبحي هذه الوثيقة التي تحمل عنوان نشاط المركز صيف1974 في سطور في الفترة من مايو إلي سبتمبر1974، وتقول إن هذا المركز أنشئ في فيلا صغيرة كانت للأمير طوسون في شارع عبد العزيز فهمي في ستانلي بالإسكندرية وخصصت لاستضافة الرحلات الوافدة للإسكندرية من جميع المحافظات وبعض الوفود الأجنبية باشتراك عشرة قروش للطالبة وخمسة وعشرين قرشا للمدرسة.. وتقدم الوثيقة صورة لنشاط المركز الذي يشمل الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية والكشفية وتضمنت تعليم اللغة الفرنسية والألمانية والإنجليزية ومسابقات في الشعر والقصة والقراءات والبحوث وفرقا للكورال ومسرحا للعرائس.. وأقامت6 ندوات ثقافية بمعدل ندوة كل أسبوع يكفي استعراضها لإدراك مستوي ما يقدم.. الندوة الأولي عن مشكلات التعليم في مصر للأستاذ منصور حسن وكيل أول وزارة التربية والتعليم.. والندوة الثانية بعنوان رحلة حياة مع الأستاذين فكري أباظة وسيف وانلي أما الندوة الثالثة فهي لقاء مفتوح مع كل من الأديبين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والندوة الرابعة عن الفتاة في المجتمع المصري للسيدة أمينة السعيد والندوة الخامسة لقاء مفتوح مع الأستاذ يوسف السباعي وزير الثقافة والندوة الأخيرة بعنوان ثورة يوليو في الميزان مع الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل.. هذه مجرد صورة رمزية للنشاط الطلابي ورعاية الشباب قبل أكثر من35 عاما.