تعليم الجيزة تحصد المراكز الأولى في مسابقة الملتقى الفكري للطلاب المتفوقين والموهوبين    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    الكويت ترحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة النظر بعضوية دولة فلسطين    تقرير إدارة بايدن يبرئ إسرائيل من تهمة انتهاك القانون الدولى فى حرب غزة    القاهرة الإخبارية: الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لإدارة قطاع غزة    في أقل من 24 ساعة.. «حزب الله» ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل    كرم جبر: على حماس أن تستغل الفرصة الراهنة لإحياء حلم «حل الدولتين»    محمود ناصف حكم مباراة الأهلى وبلدية المحلة.. وأمين عمر لمواجهة المصرى وبيراميدز    جوميز يركز على الجوانب الفنية فى ختام ثانى تدريبات الزمالك بالمغرب    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    فوزى لقجع ورضا سليم يتوسطان للصلح بين حسين الشحات والشيبى    إصابة 13 عاملا إثر حادث سيارة في الغربية    طقس معتدل في محافظة بورسعيد بعد العاصفة الترابية.. فيديو وصور    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة في بني سويف    المهم يعرفوا قيمتي، شرط يسرا لوجود عمل يجمعها مع محمد رمضان (فيديو)    إحالة جميع المسؤولين بمديرية الصحة بسوهاج للتحقيق    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت 11 مايو 2024 بالصاغة    " من دون تأخير".. فرنسا تدعو إسرائيل إلى وقف عمليتها العسكرية في رفح    قرار عاجل من ريال مدريد بشأن مبابي    مباريات اليوم السبت 10-05-2024 حول العالم والقنوات الناقلة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلّى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك    مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي ضد بلدية المحلة.. ونهائي أبطال آسيا وتتويج مرتقب ل الهلال    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج الجدى.. حظك اليوم السبت 11 مايو: تجنب المشاكل    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا يا أنا
هذا العشق قديم جديد دائما.. لماذا؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 04 - 2018

أضحك لخيالى حين أرى كل قصة حب كنهر لا يكف عن الجريان ولا ينسى ابدا موعد الفيضان ؛ أما الجفاف فلا يعرف لنهر اى قصة حب طريقا . وكثيرا ما أقف على شاطئ النيل الموجود بجانب « مسرح الجيب « الذى صار أستديو تيلفزيونى ؛ لكنه لم يستطع محو مسرحيات اليونان القديمة بروعة اداء محسنة توفيق وتفوق سميحة ايوب وترجمة الساحر الاعظم لويس عوض سيد النقد العربى المعاصر ؛ ولذلك تطل من الذاكرة مشاهد أرى صورها ولا اتذكر كلماتها ؛ ولايستمر المشهد فى الذاكرة إلا لمحة وتستبدله الذاكرة بالمسرحية الاثيرة فى ايام عمرى وهى « الزفاف الدامى « لجارثيا لوركا هذا الشاعر الاسبانى الذى غلبتنى محبته إلى الدرجة التى أدمنت فيها رؤية مسرحيته الاثيرة فى عديد من ليالى إقامتى فى باريس ، لأشاهد الممثلة الأسبانية التى لم احفظ إسمها لكن أنوثتها كانت تحكى كل حكايات الغواية الناعمة منذ إيزيس وصولا إلى ميرل سترب دون ان تهمل كل من أفا جاردنر و صوفيا لورين و صوفى مارسو؛او كانها ملامح حبيبتى منذ رؤيتها على محطة الترام امام آداب الإسكندرية
...........................
وكنت قد قلت لها منذ دقائق « اقسم بالله ان سؤالك لى جرحنى . وكان سؤالها : هل انا جميلة ؟ فاجبت : لا اعرف . تساءلت : ألم تعترف لى بما فى قلبك ؟ أجبت : أنا أقيس جمال اى إمرأة بما شربته عيونى من شعاع ريان يحيط بك كنهر شديد الخصب أعرف كل اسراره ؛ فإن وجدت فى اى إمرأة ظلالا لما فيك ، فهى جميلة ، وإن لم تكن فيها لمسة من روحك ؛ تتكوم أنوثتها كورقة يمكن إلقاءها فى سلة مهملات الذاكرة» . وبعد قولى رأيتها تتجه إلى باب الكلية لتأخذ الترام كى تعود إلى بيتها ؛ وكانت خطواتها تعلن للكون كله انها تولد من جديد رغم عمر التاسعة عشر. وأثق ان خطواتها قد عزفت موسيقى ميلادها فى قلبى.
وآه من نهر الذاكرة الذى نتوهم أن مياهه واحدة ، الوهم الذى تسبب فيه؛ الخداع الذى نؤمن فيه بأن كل ذرة فى مياه النهر قد تتشابه مع الذرة الأخرى ولكنها مختلفة عنها ؛ فالواقع يؤكد إختلاف كل ذرة عن أخرى . وإذا كان ذلك حال ذرات مياه النيل فلماذا تصر ذرات خيال التذكار على أنها متطابقة ؟
هاهى ذرة خيال الذاكرة يتوقف بى عند مقعد القطار الذى ينقلنا من قلب باريس إلى حدود فرنسا الأسبانية لنقضى ليلا مسكونا بأحلام تواصل تبدو كأنها كونشرتو البيانو رقم واحد من إبداع تشايكوفسكى ؛ هذا الروسى الذى قام بتحطيم ثوانى زمانه ليحولها إلى إرواء لا ينتهى لأى روح عطشانة. ولم يكن هناك مفر من رؤية شمس الصباح تطل على قرية «بيربنيون» لندخل أسبانيا ولنجد فلاحى الحدود قد جاءوا يبيعون منتجاتهم من الفخار ، فأسأل عن إبريق كالذى كان يشرب منه لوركا ، فهمست البائعة لى « لا تذكر إسم لوركا لأن العسس من جنود فرانكو الديكتاتور قد يسمعونك ويعيدونك من حيث جئت «. تقفز فى ذاكرتى ملامح أستاذى الشاعر صلاح عبد الصبور وهو يقول لى « كان لوركا ضد أى وحشية كانت ؛ سواء وحشية الديكتاتور أو من يقفون ضده « . أذكر أنى قلت لأستاذى ´وسط حشود الواقفين ضد الديكتاتور يوجد ديكتاتور آخر ينتظر القفز مكان الديكتاتور القديم « . أضحك لنفسى حين أكرر تلك الواقعة لحبيبتى ؛ فأجدها تضحك مبتسمة « لا أنا ولا أنت نعتبر عبد الناصر ديكتاتورا ؛ لكن الكاتبة سيمون لاكوتير تراه كذلك ؛ على الرغم من أنه اطلق سراح كل المعتقلين من اليسار « . أرد متسائلا « وهل أعاد إفراجه عن أهل اليسار روح الكاتب المفكر شهدى عطية الشافعى إلينا وهو المؤرخ الذى ترك لنا واحدا من أروع الكتب بعنوان « تاريخ الحركة الوطنية « وهو الكتاب الذى أتمنى تدريسه لطلبة المدارس فى كافة مراحل التعليم لأنه يعيد ترتيب أفكار التاريخ ليعرف كل منا على أى أرض يعيش ؟ . لقد كان مقتل شهدى عطية هو السبب الذى جعل سيمون لاكوتير تطلب مقابلة زكريا محيى الدين وزير الداخلية آن ذاك لتحتج ؛ فخيرها الرجل بين الترحيل أو الصمت ؛ ورغم مرضها بالروماتزم المحتاج إلى شمس الأقصر . تقول الحبيبة : كانت تستأسد علينا؛ على الرغم من صمتها على فضيحة إذابة الأستاذ الجامعى أودين فى مزيج من حمض الكبريتيك وحمض النيتريك ؛ وإلقاء السائل بأكمله فى مجارى الجزائر أو مجارى الحى اللاتينى ؛ وكان السبب هو وقوفه ضد إحتلال فرنسا للجزائر ؛ وكان إختطافه قد تم بعد إبلاغ كافة الساسة فى باريس ؛ وضمنهم كان الجنرال ديجول الذى خرج من الجزائر وراح ينتظر فى قصر الإليزيه ملامح هزيمة العرب القادمة ، هكذا يصرح خادمه الخاص ؛ بينما يخاف ديجول من إصدار امر لجواسيسه لمعرفة أين بقايا جسد اودين استاذ الجامعة الذى اصر على ان الجزائر عربية ومن حقها الإستقلال؛ فخطفه العسس ليذيبوه . والأمر يختلف عند عبد الناصر ؛ فأنت من قلت لى أن ناصر نقل اللواء حسن المصيلحى وكل القائمين على معسكرات الإعتقال إلى وظائف اخرى ، وحسن المصيلحى صار وكيلا لمصلحة الجوازات ؛ وهو من لعن لك وأمامك جهة عملك روز اليوسف لأن اغلب العاملين فيها من اليسار ، وهو من صار يوقع على جوزات سفر من يأذن لهم عبد الناصر بالسفر كما اذن لك. ولولا تحمس الشاعر كامل الشناوى لبداية موهبتك وإيمان شعراوى جمعة بقدراتك على التعبير وإجادة كشف الوقائع كما لمس ذلك منك أثناء زيارتك للسويس وعندما كان هو محافظها فضلا عن خبرته بالبشر كنائب رئيس المخابرات الأسبق لولا ذلك لما حصلت على إذن الخروج والحضور إلى باريس؛ فضلا عن أن محمد زغلول كامل مدير الخدمة السرية السابق قد إحتاج لمن يسافر حاملا رسالة لا يعرف ما فيها؛ ولولا كل ذلك لما وجدت فى المطار إذنا ببدل سفر قدره مائة وخمسون جنيها إسترلينيا ، بموافقة السيد أحمد فؤاد اليسارى السابق ورئيس مجلس إدارة بنك مصر الأسبق والذى رأس ايضا مؤسسة روز اليوسف التى تعمل بها.
أقول : كنت مندهشا لسرعة الموافقة على سفرى كمكافأة على ما نشرته بروز اليوسف من مذكرات الفنان الرسام المصور سيف وانلى؛ وقد استحقت إعجاب أحمد فؤاد رئيس مجلس الإدارة وإشادة الفنان حسن فؤاد مؤسس مجلة صباح الخير والذى سمعته يحكى حكاية إستشهاد شهدى عطية تحت وطأة الجلادين . ولم يفتنى ان أقول للواء حس مصيحلى « لماذا نقلوك من مكافحة اليسار ؟ ألا توجد عندك خبرة بما سوف يفعله اليمين كالإخوان المسلمين مثلا ؟ أجابنى « اليسار واليمين كلهم أولا ستين فى سبعين . على أية حال كانت شجاعة سيمون لاكوتير فى مواجهة زكريا محيى الدين نابعة من توهم أنها من اوربا الارقى من افريقيا التى ننتمى إليها ، فالجريمة الاوربية مجرد خطأ تاريخى والجريمة فى الشرق الأوسط هى مأسأة يمكن معايرتنا بها إلى الابد»»
..................
يسيطر وهج بطلة مسرحية الزفاف الدامى على كل خيالى ؛ فهى إبنة الريف الممتلئة بوعد الخصب ؛ وهى من تستعد لزواج تقليدى من ثرى شاب يثير فخر عائلتها متوسطة الحال وتحذرها حكيمة العائلة المسنة من وهج إنجذاب القلب دون سابق تحذير . وكأن حكيمة العائلة قد قرات كف المستقبل؛ فهاهو الملول المتمرد جار العائلة يمر بحصانه امام شرفة الحلوة ، فتراه , وكأنه خرج من احلامها ليتجسد امامها. وهكذا ولدت الجاذبية القاتلة ؛ تلك التى دارت حولها كثير من الروايات لكنها لم تشخص كمرض لا علاج منه أبدا. والذاكرة تضم كثير من روايات تلك الجاذبية التى تقع حين يطل من شرفة الروح كائنا يغزو القلب بلا فكاك . فروعة الجاذبية تزيد من إفراز هرومانات المخ فتطيح بالواقع المعاش بعيدا. وعلى الرغم من انى قرأت عن تلك الوقائع كثيرا إلا ان مجيئها إلى الذاكرة وانا اخطو اولى الخطوات من قرية بربنيون حافة فرنساإلى قرية زهرة البحر على الشاطئ الأسبانى إلا أن مسرحية « الزفاف الدامى « هى التى إحتلت الخيال . وكأن طزاجة الممثلة المسرحية ريانة الخصب هى التى أزاحت من خيالى جوليت بطلة شكسبير العاشقة لروميو ؛ لتحتل تلك البطلة كل الخيال . سألتنى الحبيبة التى أقضى معها أيام عسل إخطتفناها من واقع قيود الشراسة الإجتماعية التى نظرت إلى مهنة الكاتب الصحفى وكأنه جامع إعلانات صفحات الوفاة فى القرى الريفية ، ولا يوجد فى مخيلتهم مكانا لاحمد بهاء الدين مؤسس المجلة التى أعمل بها ، وينظرون إلى إحسان عبد القدوس كأنه صانع فسق الدعوة إلى الحب على الرغم من انه مؤسس لقاء الحب على ضوء شهادة «لا إله إلا الله « ينطقها العاشق فترد الحبيبة « محمد رسول الله « وبدبلتين من الفضة ؛فيتأكد إرتباط الإثنين تحت مظلة التوحيد بعظمة الخالق . ولم يكن أمامنا سوى الزواج بعقد موثق بعيدا عن العيون ، ولكن الطروف أتاحت تذكرة السفر من القاهرة إلى باريس والعودة كمكافاة على حسن اداء مذكرات الفنان سيف وانلى ؛ وها انا فى باريس حيث تدرس الحبيبة ، لنقضى اياما ونحن نسهر يوميا فى مسرح لوركا بالحى اللاتينى ولنشاهد الممثلة التى يوجز إتزانها كل رضوخ بما تحكم به التقاليد ؛ لكن هاهو الفارس الذى إمتلأ زهقا من حياته السابقة التجهيز ؛ فيطل من شرفة روحها على شاطئ الجنون فتترك فستان الزفاف التقليدى لتعيش معه وسط غابة البدايات الساحرة. وكان من المؤلم ان تترصدهم وحوش النهايات الضارية فتطل شرور الواقع عبر ملامح القمر الفضى ، هذا القمر المخاتل الذى أوحى للعاشقين بوهم إنارة طريقهما و أنه سيزكز ضوءه على عيون من يطاردونهما . ويصعب على الإثنين الوصول إلى قسيس يرضى بزواج متزوج من إمرأة ثانية؛ فيقرران استبدال الكلمات المتضمنة مباركة السماء بالحوار مع السماء مباشرة. ولكن السكاكين تطل من عيون اهل العروس الهاربة من الزواج ، وترتجف الخناجر فى أيدى العريس وأصدقائه ولا يبقى للعاشقين سوى الموت ويبكيهما القمر الذى وشى بهما هامسا « لماذا خلقتنى السماء لمهمة الوشاية . ولا يجد إجابة لسؤاله سوى أغنية تلعن الخناجر والسكاكين التى تترصد الحب حين يكون إبنا للجاذبية القاتلة .
..................
على الشاطئ الأسبانى يفاجئنا الفندق « بأن نجمة السينما الفرنسية « برجيت باردو «قد حجزت جناحا رئيسيا ومعها صديقها الجزائرى الأصل والمولد القادم من « البليده « التى يقال أنها موقع دفن اودين أستاذ الرياضيات المتمرد على فرنسا بأجمعها . وكان إستقلال الجزائر عن فرنسا بمثابة الفرح الملتاث ، فمن عاد إبنه بعد إنتهاء الحرب هناك عاش فى سعادة ؛ والعائلة التى فقدت عائلها فى تلك الحرب غرقت فى التساؤل « لماذا ضاع إبنى ؟ . وفى تلك الدوامة من المشاعر إلتقطت الممثلة الفرنسية برجيتت باردو ذات الجمال الخلاب عاشقا جزائريا تصحبه معها. فى كل مكان.
طبعا نزول نجمة الإغراء فى نفس الفندق الذى نزلنا به ؛ كان هذا مثار دهشة فهو زهيد السعر لكنه فاخر بحكم موقعه على الشاطئ مباشرة ، كان مما يزيد تعجبى ، هو أن إقامتى بباريس كانت فى فندق « فلوريد « بشارع صغير اسمه شارع قديس الرب ، المتفرع من أحد شوارع باريس الشهيرة وهو « شارع كليبير وهو باسم القائد الفرنسى المقتول بالقاهرة ؛ بعد ان هرب منها نابليون عندما وصلته أنباء عن خيانة معبودته ذات الانوثة الخلابة « جوزفين « . ومن العجيب أن فتحة الدخول إلى شارع قديس الرب تقع مباشرة أمام العمارة الفارهة التى اشترت برجيت دورا كبيرا بها .
ولأن قرية زهرة البحر لا يمكن إعتبارها مقصدا لعيون الصحفيين المتابعين للنجمة الباريسية ، لذلك كانت تتحرك بسهولة ويسر فى طرقات الفندق ومطعمه ولا أحد يزعجها . وكان العشيق الجزائرى يمشى أمامها أحيانا كانه الديك حارس الدجاجة ، ويمشى خلفها فى أحيان أخرى. سألتنى حبيبتى « ألن تجرى معها حوارا ؟ « قلت للحبيبة « كنت معى فى دعوة السفير جمال منصور لعبد الحليم حافظ وسمعت بأذنك حديث عبد الحليم معى من ان كل نجم فى اوربا له وكالة إعلامية تملى عليه ما يقول ولا ينشر إلا ما توافق عليه . وبالتالى لن افرض نفسى على نجمة إعراء كان آخر افلامها هو ما شهدناه معا فى سينما الشانزليزيه عن رواية الإحتقار لالبرتو مورافيا ؛ وهى رواية تحكى عن فيلم داخل فيلم ، وكان المخرج لوى جودار سيد الموجة الجديدة فى الإخراج الفرنسى هو من راى ان كل لحظة فى الحياة هى « فيلم « داخل «فيلم « وتستمر دقائق الحياة تكشف لنا طبيعه ما نخوضه من احلام ووقائع وصراعات . فبطل الفيلم يرغب من بيع جمال زوجته إلى منتج سينمائى لعله يكسب بعضا من الثروة ، والزوجة ترفض بشكل او بآخر ان تكون سلعة ، وهنا تهب نفسها لمن يستطيع التعامل معها كإنسانة لا كدمية أنثوية ، وهنا تهب نفسها لمن يستطيع بآخر ان تكون سلعة ، وهنا تهب نفسها لمن يستطيع إحترام إنسانيتها، لكنه يعاملها فى لحظات الحب كأداة يستمتع بها ثم يصيبه الملل فتلعن الجميع .
ومن الغريب أن الفيلم قد صادف فى بعض تفاصيله حياة برجيت باردو نفسها ، فقد استولى العشيق الجزائرى على جزء لا يستهان به من ثروتها ، وأصر على أن تكتب سيارة السباق الفارهة بإسمه؛ ثم راح يتسكع فى المنتديات الثرية بباريس عارضا لنفسه لواحدة من أشهر موضات بيع الجسد التى يقوم بها رجل . وطبعا راحت برجيت باردو تلعن الجزائر وكل أهل الجزائر متذكرة مشهدا واحدا رأته فى البليدة بلدة العشيق وهو مشهد ذبح الأضاحى فى عيد الاضحى وراحت منذ إنفصالها عن هذا الجزائرى وهى تشن حملة لحماية الحيوانات من وحشية من يحتفلون بالذبح فى العيد. وصارت المدافعة عن حقوق الحيوان عند الإنسان .
..................
بعد الأيام الباريسة دارت ثوانى اللحطات لتحمل الإنفصال الحتمى فى قصة الحب ، وكان القمر هو من حمل سكين طعن القصة فى مقتل . لكنى كلما مررت بجانب مسرح الجيب أرنو إلى النيل لأجد كل ذرة مياه تتابع لتلاحق الذرة الأخرى وكل منها تحمل فيلما داخل فيلم الحياة التى لا نتعرف على أحلى ما فيها , ولهذا يرضى الأمريكيون ببيع بلادهم كأشهر مرض نفسى معاصر ، ومازلت نشرات الأخبار تحمل كلمات كل كلمة منها هى فيلم من الكذب يجاول دحض حلم من الصدق . وتظل قصص الحب مولودة بلا نهاية ، ففى كل ثانية من ثوانيها قصة تروى قصة اخرى
لمزيد من مقالات منير عامر;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.