برلماني: تكليف مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة جاء في توقيت مناسب    «تموين الإسكندرية» تستعد لعيد الاضحى بطرح لحوم بأسعار تنافسية    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    كوريا الجنوبية تعلن استئناف جميع أنشطتها العسكرية على حدود جارتها الشمالية    السفير حسام زكي: لا مخرج من الوضع الاقليمي المتوتر إلّا من خلال تفعيل الآليات المتفق عليها    أمجد الشوا: إسرائيل تسعى لإفشال أى صفقة أو مقترح لوقف إطلاق النار بغزة    جلسة مرتقبة بين كولر وبيبو لحسم موقف أفشة من مران الأهلي    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    الثانوية العامة 2024 | شاهد المراجعة النهائية لمادة التاريخ    تأجيل ثاني جلسات «اليوتيوبر» أكرم سلام لجلسة 25 يونيو للحكم    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    النيابة تُصدر قرار بشأن التحفظ على أموال شقيق وزير المالية الأسبق    دخل مجال الفن بعمر 5 سنوات.. محطات في حياة إيهاب فهمي    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    مفتي الجمهورية يوضح كيفية تقسيم الأضحية: أمر مستحب وليس فرض واجب    نائب محافظ البحيرة تتفقد أعمال القافلة الطبية المجانية بأبو حمص    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي    غداء اليوم.. طريقة تحضير البامية باللحمة    ليس جريليش.. نجم مانشستر سيتي على رادار مدريد    بفرمان من فليك.. برشلونة يحسم مصير بيدري وأراوخو في الصيف    جوزيبي ماروتا رئيسًا جديدًا لإنتر ميلان    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    القاهرة الإخبارية: مجلس الحرب الإسرائيلى يجتمع لبحث أوضاع الجبهة اللبنانية    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    البورصة المصرية.. صعود المؤشر الرئيسى بنسبة 0.52% بختام جلسة الثلاثاء    التفاصيل الكاملة لطلب وزيرا الأمن القومي والمالية الإسرائيليان بحرق لبنان وإعادته للعصر الحجري    اختلال عجلة القيادة.. تفاصيل إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالجيزة    جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق.. صور    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة وأفضل الأدعية    ضبط 3 أشخاص بحوزتهم 12 كيلو أفيون مخدر قيمته 1.2 مليون جنيه    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    الخميس.. 40 طلب إحاطة على طاولة «محلية النواب» بحضور محافظ الدقهلية    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    الخشت يتفقد لجان امتحانات الدراسات العليا بكلية الإعلام    أخرهم أفشة.. الزمالك يسعى لخطف مطاريد الأهلي «الخمسة»    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    جامعة حلوان تحتفل بحصول كلية التربية الفنية على الاعتماد الأكاديمي    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    أمين الفتوى الرؤى والأحلام لا يؤخذ عليها أحكام شرعية    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم لحلق الشعر وتقليم الأضافر والحكم الشرعى    رئيس الدوما الروسي: وقف إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه إنهاء الصراع    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها فى السوق السوداء    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    انطلاق أعمال القمة الكورية الأفريقية الأولى بمشاركة وزيرة التعاون الدولي    قبول دفعة جديدة من طلاب المدارس الإعدادية الثانوية الرياضية بالقليوبية    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا يا أنا
لذلك لا يموت الحب أبدا
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 03 - 2018

« غريبة هي لحظة ميلاد الحب »والأغرب هو عجز الحب عن وضع نهاية له« «هذا ما همست به لنفسي وانا جالس تحت مظلة التذكار الكائنة بجانب مظلة موقف الاتوبيس الذي كان عليه ان يحملني من قرية «بيربنيون« الفاصلة بين فرنسا واسبانيا، كي اصل إلي قرية «توسا دي مار « أي « زهرة البحر» حيث حددنا الحبيبة وانا موقع شهر العسل غير المعلن للجميع ؛ فزواجنا ارتضي لنفسه الميلاد رغم انف عائلتها الرافضة تماما لفكرة زواجنا لأني اعمل في مهنة غير صالحة للنسب،.
.......................
فليس كل صحفي هو إحسان عبد القدوس أو أحمد بهاء الدين، ولن يوجد من سيرتفع إلي مقام محمد حسنين هيكل، والمعروف عن الصحفيين في مجال خيال والدها هم هؤلاء الذين يدورون علي كبار ملاك الارض في الغربية والدقهلية والبحيرة، ومهمة الواحد منهم الحصول علي وعد بان تكون من نصيبه إعلانات الوفيات أو مناسبة تأييد الثورة وجمال عبد الناصر كي يحصل من الجريدة علي عمولة إعلانات، وطبعا لم يلتفت الرافضون لفكرة زواج ابنتهم من كاتب شاب إلي حقيقة واضحة هي تلك الموسيقي الوارفة النغم التي خرجت من دقات خطوات ابنتهم علي محطة ترام الرمل الكائنة امام كلية آداب الإسكندرية، فمن تلك الدقات خرجت موسيقي تحولت خلال أربعة اعوام إلي قضبان من أزهار الجنة وهي قضبان لا يراها احد غيري لتضعني داخلها كاني محبوس في موقع شديد النقاء، يزدحم بجاذبية الثقة في أن المستقبل لنا وحدنا وسمعت هتافا في قلبي « حبيبتك قوية لن تضعف مثل من سبقتها في احتلال قلبك ثم القت هي بنفسها خارج جدران القلب غارقة في دموعها، حبيبتك لن تضعف امام قرار الكبار في عائلتها ولن تسمح بأن يعقدوا قرانها علي رجل أعلنت هي أنها لا تقبله، هذا ما فعلته الحبيبة الاولي لكن احدا لم يستمع لها .
كانت الحبيبة الاولي التي لم يستمع لها أحد هي ابنة قريب والدتي الذي صرف كل ثروته علي نزواته، وقضي الكثير من وقته في التبذير والاقتراض من أزواج بناته الخمس، ولم يبق عنده سوي ابنة واحدة لها جمال بنات اسرة محمد علي الملكية، وتقدم لها ابن ثري نال شهادته الجامعية في ستة عشر عاما، بعد طول عذاب لوالده الذي حصل له علي وظيفة في شركة كبيرة براتب لائق، ذلك ان رئيس مجلس إدارة الشركة هو شقيق الاب، وتم اختيار الحلوة له كي تنجب ابناء اكثر منه ذكاء كما كانوا يتضاحكون علي غباء العريس، واغرقوها في الهدايا فامطرتهم بوابل الرفض، ورغم ذلك تم الزفاف تحت ضغط القروض الضخمة التي اخذها والدها، ولم يشفع لها الصوت العالي الذي صرخت به رفضا للزواج وهي محبوسة في غرفتها أثناء عقد القران، وعندما استطاعت ذات صباح الخروج من المنزل بصحبة والدتها هربت من والدتها لمدة ساعة لتتجه إلي مكتب المأذون لتسأله « هل تعرف الفارق بين المأذون والقواد؟ صرخ الرجل : قالوا لي انك وكلت والدك في عقد الزواج وشهد اثنان هما خالك وعمك، فكيف لا اعقد القران . تمنت أن تموت، لكن الموت لا ياتي بالتمني.
وأسدلت والدتي ستار الحكايات عن القريبة الحلوة التي لم يعد يصلني منها أو عنها اي خبر سوي رسالة من سطور قليلة « أنا لم أعد لك. فانا حامل في توأم جاء إلي رحمي بالاغتصاب. حياتك ملك لك والمستقبل أنت حر فيه « ومع إحساس بتكسير العظام والعطش وبريق دموع لا تريد ترك الجفون ولا تقدر علي النزول علي الخدود ، وثقل شديد في الساقين وسماع ام كلثوم بآهات التذكار ثم البكاء مع عبد الحليم حين يردد « لو شفتم عنيه .. حلوين قد إيه « ثم الغرق في مشاهدة افلام السينما وقراءة «مذلون مهانون لديستوفسكي« ومحاولة فك اسرار كتاب « الوجود والعدم « لسارتر دون جدوي ، ثم متابعة ما يجري من احداث عالمنا العربي الذي أوكلنا قيادته لجمال عبد الناصر ؛ ثم حالة الفخر بغير حدود بسيارة ناصر المحمولة علي اعناق البشر في دير الزور بسوريا ؛ ومتابعة ما يجري في حرب تحرير الجزائر ، ثم الهمس للنفس بأن الحياة مازالت تحمل الكثير مما لا اعرف، لذلك فلا مانع من ان تبتعد قصة الحب عن الخيال قليلا، لعلها تذوب بحكم الظروف «، فضلا عن اني كنت بالثانوية العامة، وعلي وشك الدخول للجامعة، ومازال بيني وبين استقلالي الاقتصادي سنوات، ومازلت تحت وصاية والدتي التي تتكفل بمصاريف الحياة علي ضوء ما يصرفه لنا المجلس الحسبي من مبلغ شهري، ثم جاء النجاح مع تغيير مسار المستقبل فبدلا من تحقيق مجموع يزيد عن السبعين بالمائة المطلوبة لقسم الكيمياء الصناعية بكلية الهندسة، لذلك فاستبداله بما أهوي وهو دراسة الفلسفة والادب« وهنا تجلت أمامي كراهية حساب المثلثات وتمارين الميكانيكا وشراسة التجرد في تماريين الفيزياء، ويصبح هناك قرار سري في اعماقك بان هواياتك الاصلية هي دراسة الفلسفة وعلم النفس والاجتماع ؛ وهذه الفروع الثلاثة موجودة بقسم واحد في آداب الإسكندرية، وجاء الصيف حاملا فرصة التعرف علي إحسان عبدالقدوس وعبد الحليم حافظ ذات صباح علي بلاج ميامي وقراءة إحسان لبعض كتاباتك وقوله لك « انت في الإسكندرية وحولك الكثير من الاخبار والحكايات، وإذا كنت تحب الادب فاعلم ان الخبر الصحفي هو قصة قصيرة في عدد بسيط من الكلمات»، وما ان بدأت الدراسة الجامعية لم يكن هناك مفر من التركيز في أمرين لا ثالث لهما، اولهما دراسة الفلسفة وثانيهما هو التدريب الصحفي في روز اليوسف وصباح ِالخير.
ولم يكن يثير انتباهي اثناء زياراتي الشهرية للقاهرة سوي عيون أحمد بهاء الدين رئيس تحرير صباح الخير عام 1958، كانت عيونه قادرة علي قراءة ما يفكر فيه الشاب الواقف امامه، ولم تمض سوي أسابيع ويخرج الاستاذ بهاء من صباح الخير إلي جريدة الشعب ثم إلي اخبار اليوم تاركا غصة في رقبة الأستاذ إحسان عبدالقدوس، لأن بهاء بالنسبة له شقيق روح وذهابه خارج روز اليوسف خسارة شاء تعويضها بكتيبة تضم فتحي غانم صاحب الوجدان المرتب المؤمن بغير حد في ان جنون الشباب وانطلاقه يوجد مستقبلا ناجحا، وصلاح عبد الصبور المنطلق بالشعر إلي آفاق تبعد به عن رتابة الإيقاع لتهبه موسيقي تذيب العصر في كلمات بسيطة شديدة العمق، فضلا عن كامل زهيري القادر علي قراءة مستقبل الكون بعد ان هضم كل من باريس لشهور ثم نيودلهي لسنوات ثم استقر بالقاهرة يذوب في شوارعها عشقا وتسيل دموعه من صوت الشيخ محمد رفعت وتعلو ضحكاته في ردهات الاوبرا القديمة مع مديرها شكري راغب، ومعاركه مع اليسار الماركسي الذي لا يتطور، .
كل ذلك وأخبار الحبيبة الاولي تصلني فلا استطيع معها شيئا ؛ فهذا خبر يتم تداوله عائليا عن محاولة انتحار جديدة ، تفشل مع خبر وفاة المديون الكبير والدها . ولم يكن من المقبول ان اظل بعيدا عن ارض مستقبلي بالقاهرة، فأقنعت والدتي بأن ما يقدمه لي المجلس الحسبي كفيل بإقامتي القاهرية .
ولم اضع في حساباتي ميلاد هذا الحب الجديد الذي تمنيت لصاحبته شجاعة مواجهة ما يمكن ان تقوله عائلتها، وكانت لقاءتنا السكندرية تبدأ بأي عربة حنطور نجلس في داخلها لتدور كلمات هي للموسيقي اقرب ما تكون للحروف، ثم ركوب اتوبيس من المنشية إلي المكس، حيث الكازينو الذي له جدران من البوص لصاحبه اليوناني الذي سبق أن تعرفت عليه مع مخالي صاحب الإيليت والراعي العملي لسيف وانلي صديقي الذي رأي في كلماتي ضوءا موسيقيا قال لي عنه « سيتمني بعض الرسامين ان يصلوا إلي مافيه من إيقاع وانسجام، فكنت اضحك خجلا مرددا « لانك معجب بما اكتبه عن آثار لوحاتك في وجداني، والحقيقة ان ما اكتبه هو محاولة من الحروف لان تكون مرآة للالوان التي تضعها علي اللوحات«، وعلي ضوء الحلم بأن نكون معا إلي الابد التقطت عيوني إعلان البعثات لمن حصلوا علي مرتبة الامتياز في دراساتهم، وكنت اعلم ان الحبيبة قد نجحت في سنواتها بتقدير جيد جدا وكان تحليلها للادب الفرنسي اثناء وبعد الثورة الفرنسية يبدو كانعكاس لما جري في مصر، الفارق ان المقصلة في فرنسا كانت هي الحكم بين المتصارعين علي الحكم ، وفي الشرق الاوسط يكون المعتقل هو الحاجز بين الحالمين الناقدين وبين من في ايديهم نار إتخاذ القرارات، ومازالت ملامح سيمون لاكوتير الصحفية الفرنسية تزورني عندما التقيت بها في مطعم الدجاج بالحي اللاتيني، وكادت تغادر الجلسة لمجرد معرفتها باني أحب جمال عبد الناصر، وروت لي لقاءها مع زكريا محيي الدين عندما استدعاها لمكتبه وهو وزير لداخلية مصر معلقا علي مقال كتبته محتجة علي تعذيب شهدي الشافعي عطية المفكر اليساري المصري، وقد قال لها زكريا محيي الدين: « تستمعين وانت مريضة بالروماتيزم بشمس الأقصر مع اجدادنا الفراعنة ، ثم تحاولين إعطاء الدروس للقيادة المصرية، إعلمي ان الشيوعيين الذين تدافعين عنهم موجودة عنهم تقارير وافية في تلك الادراج الصاج التي امامك، ويمكنني اهداؤك نسخة من تاريخ كل ماركسي مصري بشرط ان تأخذي ذلك وتعتبري نفسك شخصا غير مرغوب فيه « ولعنت سيمون لاكوتير ساسة مصر من أول حور محب حتي رجال يوليو 1952 لأن الولاء عندهم لشخص الحاكم اهم كثيرا من قيمة ما يرفضونه أو يحبونه من مبادئ . وخرجت من مكتب زكريا محيي الدين للمطار لتعود إلي فرنسا، فروماتيزم الجسد يمكن التغلب عليه بالادوية، لكن روماتيزم الروح يصعب التخلص منه «، وعندما لا حظت سيمون لاكوتير درجة توتري سألتني «هل أنت مع ضرب مفكر حتي الموت ؟« أجبتها بأن ذلك مستحيل تماما فمستحيل أن أصدق أنك موافقة علي إختطاف المكتب الثاني المخابرات الفرنسية لبن بيلا وأصحابه في طائرة ليتم سجنهم في فرنسا، تماما لا أصدق أنك توافقين علي فخر الجنرال ديجول بأنه منح كل دولة كانت مستعمرة من فرنسا الحق في الاعتماد علي فرنسا في التنمية والإدارة أو ترفض ذلك، فتعتمد علي القاهرة في بناء شارع في كل عاصمة أفريقية باسم جمال عبد الناصر، ثم يخلو ديجول لزوجته طنط إيفون كما تسمونها في باريس كي يقول لها « الاقذار من السود والعرب سيعودون دوما لفرنسا فنحن من وضعناهم علي خريطة الجنس البشري « وهذا ما صرح به خادمه الشخصي الذي انقلب عليه. وعلي ذلك لابد ان تعلمي ان شهدي الشافعي عطية مات من جهل المحقق معه وجهل جلاده بقيمة ما في عقله من افكار، تماما كما جهل ديجول قيمة ما تقدمه افريقيا لفرنسا ولغير فرنسا . قالت سيمون لاكوتير «من حقك أن تلعن ديجول ألف مرة ومن حقي مطالبتك بأن تعرف كيف مات شهدي الشافعي عطية تحت ضربات السجان».
وكانت حبيبتي هي التي تقوم بالترجمة بيني وبين سيمون لاكوتير لأن لغتي الفرنسية معدومة. وحجتي الأساسية هي أني لا أملك الوقت لتعلم لغة جديدة فتكفيني العربية والإنجليزية. وكنت أفكر في ذات اللحظة في نداء فتحي غانم وهو رئيس تحرير صباح الخير بضرورة تعلم اللغة الفرنسية مع إتقان العربية لأن كل منهما تفتح في خلايا المخ ميكروسكوبات وتلسكوبات لإعادة النظر إلي الكون، وعندما كنت أقول له « ألا تكفي العربية والإنجليزية ؟ «كان يرد» طريقتان لرؤية الكون تختلف عن ثلاثة طرق».
..........
وفي قرية بيربنيون علي الحدود الاسبانية الفرنسية كان الفلاحون يتجمهرون لبيع منتجاتهم من الفخار المصنوع في منازلهم ومعه الخبز وألوان من الجبن، فاسبانيا في ذلك الزمان يوليو 1965 كانت فقيرة وتعتمد علي السياحة كمصدر اساسي، ويحكمها الجنرال فرانكو بيد من حديد، ولكنهم يقاومونه بمزيد من قراءة اشعار لوركا الذي قتله أعوان فرانكو، وطبعا آلمني مشهد أطفال تغطس في كشك المخلفات لعلهم يصطادون بقايا سندويتش القاه السياح المتجهون إلي شواطئها . وكنت اقول للحبيبة «سنختلف يوما لأني غير قادر علي حياة الطبقات العليا في مصر أو باريس، لأن الإدعاء يجعل الحياة كمسرحية سخيفة»، قالت: أنت تحتفتط لنفسك قبل بدء شهر العسل بحق التراجع، أقسمت بكل مقدس أني مندفع لا اطيق الحياة المرسومة كما روت لي عن عائلتها، أنا منطلق في حزني وفي فرحتي وفي غضبي وفي إبداء رأيي، وتعلمين ذلك لا مني ولكن من خلال واحد من أبرز مساعدي السيد سامي شرف مدير مكتب عبدالناصر وهو السيد منير حافظ، فعندما زاركم في باريس واجتمع بكم وقد روي لي أنك سأت عني وهل ترضي الحكومة عني فضحك لك قائلا « نحن نتمني رضاءه عن الحكومة ويكفي لعنته لسفيرنا في باريس ليل نهار،
.............
وفي «توسا لا مار» القرية الرابضة في حضن الجبل المطل علي البحر بدأت أيام من شهد وضوء وحنان لم يعكرها سوي مشاهدة مسرحية لوركا المسماة « الزفاف الدامي « والتي تبدأ وتنتهي بحقيقة اساسية هي أن كل قصة حب تبدأ فهي لاتنتهي، وتستكمل نفسها في القصة التالية لها. وآه من عذاب افتراق حبيبين ومن جمال إعادة الميلاد المتوجس في القصة الجديدة ؛ لأن الحب ما ان يبدأ حتي يتواصل ولا ينتهي ابدا .
.............
وذابت قصة الحب لتولد أخري لها رونق الواقع ، فكأنها أمي وقد عادت لتولد ، وكأني أبي المقرر أن يعيش ممتدا . وليحدث الزواج والإنجاب ، لكن عطر البدايات مازال يغمرني ، وتوجز لي الحبيبة الزوجة كل ما مضي من تجارب ، فتتأكد حقيقة أن الحب لا يموت ابدا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.