محدث.. محكمة العدل الدولية: إسرائيل ملزمة بضمان وصول الاحتياجات الأساسية إلى سكان قطاع غزة ونفاذ المساعدات    صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لشهداء وجرحى العدوان    محافظ شمال سيناء: لدينا 3 خطوط طبية لاستقبال المصابين من غزة    الكاف يعين طاقم تحكيم من بوتسوانا لمواجهة بيراميدز بدوري أبطال أفريقيا    ضبط 3 صناع محتوى لبثهم مقاطع فيديو تحتوي ألفاظ خادشة للحياء    غلق كوبري الأزهر السفلي لمدة 3 أيام بسبب تغيير الأرضية.. والمرور يعين خدماته    الجمعة.. مي فاروق والحجار وفرقة أوبرا الإسكندرية يحيون 3 حفلات ضمن مهرجان الموسيقى العربية    الشركة المصرية لمستحضرات التجميل (ECC) تفتتح أحدث خطوط الإنتاج للمكملات الغذائية باستثمارات 200 مليون جنيه    رئيس الوزراء: نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين في انتخابات النواب    وزير التعليم العالي يؤكد ضرورة توجيه البحث العلمي لخدمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    الخارجية الروسية: تحضيرات القمة بين بوتين وترامب مستمرة    اعتماد تنظيم الكونغرس الأول للإعلام الرياضي في ديسمبر 2026    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    وزير الخارجية الإسرائيلي: لا يوجد لإسرائيل صديق أعظم من الولايات المتحدة وممتنّون لإدارة ترامب على دعمها الثابت لإسرائيل    أخبار السعودية.. مدير الأمن العام يرأس وفد بلاده بمؤتمر القمة الدولية للشرطة بسول    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    الشرقية تكرم رحاب رضوان لاعبة رفع الأثقال البارالمبي لحصولها على الميدالية الذهبية في بطولة العالم    طارق قنديل يتحدث عن حلم استاد الأهلي وميزانية النادي غير المسبوقة    مجلس الوزراء في اجتماعه ال63 برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي يوافق على حزمة قرارات لدعم الصناعة والإسكان والسياحة والنقل    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    محافظ الغربية يستجيب لشكاوى المواطنين بحملة على المخابز بقرية الدلجمون    محافظ أسوان يتفقد طلاب جامعة بنها المصابين في حادث طريق أبو سمبل.. ويوجه بتقديم الرعاية الكاملة    حبس المتهم بإنشاء كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بمدينة نصر    الحبس 3 أشهر لمتهم بسب الإعلامية بسنت النبراوى    مصر تدعو لتمثيل عادل للدول الإفريقية بالمؤسسات الدولية والبنوك الإنمائية    الحكومة تتابع اللمسات النهائية قبل افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا    أكرم القصاص ل اليوم : القمة المصرية الأوروبية تتويج لسياسة خارجية متوازنة وفاعلة    انطلاق المؤتمر السنوي الثالث لمركز الكبد والجهاز الهضمي بدماص بالمنصورة.. غدًا    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    تزامنًا مع تعامد الشمس على رمسيس الثاني.. رفع درجة الجاهزية القصوى بجميع منشآت الرعاية الصحية بأسوان    قائمة ريال مدريد - غياب 5 مدافعين ضد يوفنتوس.. وميندي يعود لأول مرة منذ 6 أشهر    الجبلاية توافق على رحيل أسامه نبيه وتبحث عن مدير فني للمنتخب الأولمبي    الحكومة تقرر إتاحة خدمات السجل التجاري عبر مكاتب البريد المصري    الوعي الوطني ومواجهة التحديات، ندوة مشتركة بين مجمع الإعلام وجامعة الفيوم    وكيل التعليم بالجيزة يستبعد مدير مدرسة خلال جولة مفاجئة في الهرم والعمرانية    أفضل 5 وجبات خفيفة صحية لا ترفع السكر في الدم    فئات ممنوعة من أداء مناسك الحج    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    النجم التركي كان أورجانجي أوغلو: أتطلع لزيارة الجمهور في منازلهم بمصر    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات : "ونكيد العوازل بقي "    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    تراجع ظاهرة السحابة السوداء بالشرقية    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    إحالة أوراق سائق للمفتي بعد اتهامه بقتل مزارع وتزعُّم عصابة للإتجار بالمخدرات في القليوبية    وزير الإسكان: تخصيص 408 قطع أراضٍ للمواطنين بمنطقة الرابية    «مصر» ضمن المرشحين لجائزة أفضل منتخب إفريقي في 2025    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج في دوري أبطال أوروبا    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    منال عوض: نسعى لحل مشاكل المواطنين والتواجد المستمر على أرض الواقع    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    جوائز كاف - بيراميدز ينافس صنداونز على أفضل ناد.. وغياب الأهلي والزمالك    حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل.. الإفتاء تجيب    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا يا أنا
أرجوك لا تكره نفسك وأنت تشتاق إلي الحب
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 03 - 2016

وحدي من يعلم أنه يملك كرة أرضية تخصني وحدي, كرة أرضية تتكون من أيام قصتي مع الحب, فمنذ اللحظة التي رأيت فيها نفسي موجودا لمرتين في قلب عينيها اللامعتين حين قلت لها أحبك, منذ تلك اللحظة قررت السماء أن تهديني كرة أرضية تخصني وحدي, بدأ فجرها في الثالثة
بعد ظهر السادس من إبريل من عام قديم, وصارت ساعاته تنساب متراقصة بفرح شجي لا يعرف الملل, وعرفت معني آخر لكلمة يوم فأي يوم ليس هو انسياب الوقت بحركة عقارب الساعة, ولكنه بلمعة عيونها وهي تحتضن صورتي لتتكامل مع لمعة عيوني عندما تحتضن ملامحها, ويكتمل النهار بليل تكون فيه سيدة أحلامي; لياتي فجر جديد. وطبعا تتكامل الأيام لتصبح شهورا, وتنقسم الأشهر إلي ربيع وصيف وخريف وشتاء; ولكل فصل طابع مختلف عما نعرف من طبائع الفصول. فأيام الربيع تتراوح بين عواصف غاضبة من قلبها تجاه عدم نفاذي إلي قمة عملي بجهودي التي لا اعتمد فيها علي علاقات ملتوية مثل زميلي الذي خطب سكرتيرة رئيسنا فنال علاوة تفوق مرتبه; جعلته أكبر منا جميعا, أو مثل زميل آخر شاء رئيسنا أن يمرر ترقيته لمن سيخطب سكرتيرته, فساواه في العلاوة, مما جعلني أمشي في شارع طلعت حرب متسائلا كيف يحدث ذلك بينما عبد الناصر يتحدث كل نهار عن تكافؤ الفرص, لكن حديث القائد تتم ترجمته عند من يلونه إلي كلمات يتم تلوينها بحسب أهوائهم. وقابلني أثناء تجولي اللا هادف أستاذي الشاعر صلاح عبد الصبور, الذي سألني عن سبب الدموع الواقفة علي أبواب جفوني, وعندما أخبرته ضحك ساخرا موضحا أن العلاوة بلا سبب ليست فقط هي قلة أدب, بل جريمة اغتيال لمستقبل الاثنين; فلن يبزغ احد منهما ككاتب; وأضاف علي كل حال ليس في كتابة أي منهما مستقبل, أما كتابتك فالكامن داخل كلماتك هو أقوي بكثير من الفرص المتاحة لك, فضلا عن أنك لا تكف عن الدوران في مصر من أقصاها إلي أقصاها, تصطحب الكتاب في سفرك ومكتبك, فلا تغضب من علاوة مرتفعة الرقم, وتحزن لصغر علاوتك, فالعلاوة المرتفعة بدون سبب محترم هي قلة أدب لا أكثر ولا أقل وقتل لمستقبل من نالوها. وصحبني صلاح عبد الصبور لأردد أنا بصوت مرتفع هذا زمان الحق الضائع.. لا يعرف مقتول من قاتله ومن قتله.. فرءوس الحيوانات علي جثث الناس ورءوس الناس علي جثث الحيوانات.. فتحسس رأسك.. فتحسس رأسك. ضحك صلاح وهو يقول أواسيك بكشف ثقتي في حقيقتك فتهديني أبياتا من قصيدتي.
ولكن العلاوة الضئيلة تجعل الحبيبة ترتج هلعا, فوالدها لن يفهم ما قاله صلاح عبد الصبور عن الكامن في موهبة شاب أكبر من الكائن, فالأب يري أن مهنة الصحفي هي مهنة علي كف عفريت. والنموذج عنده هم بعض من بقالي أقاليم الريف الذين يراسلون الصحف ويجمعون لها الإعلانات; ويتعمدون ذكر أسماء المحافظ ومدير الامن وضابط المباحث ويأكلون علي موائد الأثرياء, وقد شاهد والدها كثرة منهم أيام ما قبل عام1952, حيث كان بمديرية الغربية كثير منهم, يفرضون الإتاوات علي الكبار من المزارعين والتجار ويعيشون علي السلف وعدم السداد ومن غير المعقول أن يكون كل شاب جديد في هذه المهنة هو إحسان عبد القدوس أو أحمد بهاء الدين, وطبعا لن يكون في قوة محمد حسنين هيكل المصاحب لجمال عبد الناصر. لذلك أعلن بأدب رفضه لخطبتي لابنته, بعد أن قلت له لن أكون مثل الأسماء التي ذكرتها كقيمة وقامة.. سأكون نفسي فقط لا أكثر ولا اقل قال ضاحكا عندما تكون نفسك اللامعة سيكون أحفادي من التي تريد الزواج بها قد تخرجوا في الجامعات. ولم يستطع والد الحبيبة إقناعها بنزعي من قلبها ولم يفلح في زراعة أحد في مكاني, فهي وأنا كرة أرضية واحدة, أيامنا تتوالد لتنتج ربيعا متربا في أحيان وله نسمات من حنان في كثير الساعات, وصيفنا نصف جملة تولد من قلبي لأجد نصفها الأخر خارجة من قلبها. وأقسم أن زحام الأتوبيس الذي كنا نأخذه من المنشية خلف تمثال إسماعيل باشا الذي صار رمزا للجندي المجهول, هذا الزحام كان يتسع في دائرة كأنه حرم الحب لا يقربه أهل الزحام لنتكلم أو نصمت إلي أن نصل إلي المكس وهناك كازينو متي يرانا صاحبه اليوناني حتي يهمس لي مخالي صاحب الإيليت صديقك وصديق سيف وانلي أوصاني العناية بك ويفسح لي ركنا لا يرانا فيه أحد. ونخرج سكاري بخمر ما شربناه من كلمات بعضنا البعض, لتتشابك أيدينا في عناق يبدو وكأنه نداء خفي لندي الخريف,
وآه من الشتاء عندما هبط علينا في باريس بعد أن سافرت لاستكمال الدراسة العليا هربا من إلحاح والدها كي تحسم الهرب من فكرة ضرورة زواجها كابنة تكبر عدة بنات يقف علي باب بيته عشرات من يتقدم لخطبتها أو خطبة عدة شقيقات لها, فكان رفضها مع سفرها إلي باريس هو إيذانا بفتح زواج شقيقاتها الأصغر منها.
ولا أعلم أي شجاعة أو جراءة أو إندفاع جعلني أقرر السفر إلي حيث تدرس دون أن أملك سوي ثمن التذكرة ذهابا. ورغم قلق إحسان عبد القدوس من المغامرة غير المحسوبة, لكنه الزم نفسه بمساندة أي قصة حب. ولم أجد مساندة مكتملة في كل ما أقدم عليه إلا من صلاح عبد الصبور الذي قال الحياة قصيدة شعر.. تكتبها بخطواتك وألمك.. ستنتصر أو تهزم, ليست تلك هي النهاية, السير بين الأشواك يتيح درجة من التجربة, وما سيبقي منك سيكون كائنا جميلا, لأنك تصر علي أن تكون نفسك. فتحي غانم همس إن تراجعت عن السفر سأدرس ضمك إلي هيئة سكرتارية التحرير لتشرف علي إعادة صياغة ما نحتاجه من تحقيقات بعض المحررين, وإن لم تتراجع فلا تنس كتابة كل ما يمر بك في باريس, فهي تجربة يحتاجها شاب, فما بالنا بمغامر. أما الرسام ناجي كامل فرسم لي لوحة أسبح فيها في البحر متسائلا لمركب كبير يسير بجانبي هي باريس بعيدة يا عم ياقبطان ؟ ورسم الفنان رجائي ونيس لوحة كاريكاتيرية, يظهر فيها بانيو حمام كبير يجلس بجانبه رجل يرتدي بدلة ذات صديري وله شنب تركي وأمامه أسرته من بنين وبنات ويقول لهم ده بلاج العائلة المحافظة.. مفيش سفر لإسكندرية أبدا.. الصيف في البانيو أحسن من الصيف علي البلاجات.
ويأتي إلي الذاكرة صيف باريس بما يضمه من يد تمسك بيد ورقصة حنان في ساحة التروكادرو, وعصف عصبي من كاتب السطور في وجه دبلوماسي كاذب يحاول تسريب خبر يقول ان الجنرال ديجول أمر بوقف تسليح إسرائيل, فأرسل الخبر إلي إحسان عبد القدوس رئيس تحريرروز اليوسف فيرجع لي في الخبر بالبريد العاجل; مرفق بقصاصة من الأهرام تحمل أرقام أسلحة فرنسية وصلت لإسرائيل تنفيذا لاتفاقات سابقة, ويكتب إحسان علي الورقة المكتوب عليها الخبر الكاذب استمتع بالحب وبالثقافة الباريسية.. لكن دقق فيما ترسله من أخبار, فأندفع وفي يدي قصاصة الأهرام إلي مكتب الدبلوماسي الكاذب لأسأله من عينك هنا في باريس ؟ يجيبني جمال عبد الناصر فأرد مندفعا لقد ظلمك.. وسأنصحه بأن يعينك مدير استقبال الجنازات في جامع عمر مكرم. ولم اكن اعلم أني ساذيق الحبيبة عذابات تفوق الخيال لمجرد إندفاعي. ولولا وجود محمد شكري حافظ الدبلوماسي المرسل من جهاز عبد الناصر, هذا الذي طلب مني مساعدته بعدة لقاءات صحفية, لولا هذا الدبلوماسي أو رجل المعلومات الخاص برئاسة الجمهورية لصدقت الدولة تقارير كاذبة دبجها الدبلوماسي الكاذب, سواء في شخصي أو شخص طالبة الدراسات العليا التي تؤجل إكتمال أنوثتها بالزواج في انتظار أن أكتمل بالاستعداد لحياة تبدأ بأرقام لن أحصل عليها لأني لست وارثا ولا أملك سوي قلمي.
ويصر الربيع أن يأتي بعد الشتاء الباريسي العاصف لأظل في فندق يواجه ملهي الطاحونة الحمراء ملهي أوجز قصته ذلك الفيلم الشهير بهذا الاسم والمأخوذ من قصة الحب التي تربط بين عاشق رومانسي وبين ممثلة تهوي البريق, وتعمل في فرقة فنانين لا يجدون منتجا, فتقبل الزواج من ثري سيدفع للفرقة تكاليف إنتاج مسرحية غنائية, ولكن العاشق يظهر في افتتاح المسرحية ليعلم أن الحبيبة مريضة بصدرها, وتموت. آلمتني القصة وكأنها تقرأ كف مستقبلي.
وأسير في شوارع باريس لا أعرف ليلها من نهارها, ولولا أن السفير جمال منصور قد ترك توصية لي عند الإذاعة الموجهة بالعربية للشمال الأفريقي لما وجدت رغيف خبز. لكن الحديث الإذاعي يكفل لي خمسمائة فرنك أسبوعيا بما يكفل الطعام والمسكن وتكاليف رؤية أي مسرحية, فأعشق مسرحية الزفاف الدامي للأسباني الشهيد جارثيا لوركا, لأدمن رؤيتها أكثر من خمس وعشرين ليلة إلي الدرجة التي جاء مدير الفرقة حيث كنت أقف في طابور قطع التذاكر ليقدم لي تصريحا برؤية المسرحية طوال وجودي بباريس مجانا بعد أن علم أني صحفي من مصر, وكان هو جزائريا أحب تحرير الجزائر, لكنه متزوج فرنسية, ويتوقع أن تنشب الخلافات بين قادة الجزائر كعادة البلاد المستقلة حديثا. ومن الغريب أن ما توقعه الرجل قد حدث عندما إختلف هواري بومدين قائد جيش تحرير الجزائر مع المؤسس لحلم تحرير الجزائر أحمد بن بيلا, وعندما علم مدير الفرقة أن بن بيلا تم اعتقاله حتي أيقظني من النوم في منتصف ليل أواخر أيام مايو1965 ليسألني هل يجرؤ عبد الحكيم عامر أن يفعل ذلك مع جمال عبد الناصر ؟ ولم أملك إجابة سوي أن الحكاية ستتكرر بفضل طبقة المستفيدين بالولاء النفاقي دون التمحيص في أهمية الصديق السياسي. ولم أكن أعلم أن الخبر المنتشر في ردهات السياسة الفرنسية يؤكد أن إسرائيل ستبدأ قتالا لا مفر منه ضد مصر, وأن التفكير في ذلك بدأ بمقتل جون كيندي في أواخر عام1963 وأن غياب كيندي سيكون بداية لغياب العقل المفكر المشارك في قيادة العالم ليقفز إلي مقعد القيادة رجل أسمه جونسون يؤمن بما ترويه الحكايات عن رجل أدمن مطاردة الهنود الحمر وقتلهم بأي سبب. وهو يبدو كأنه واحد من مجموعة من سكان مستعمرة إنجليزية تستولي علي أراضي الهنود الحمر, فقرر هندي أحمر أن يشكوهم للقضاء. ولما كان موقع المحكمة بعيدا عن أرضه وفي بلد مجاور, فقد امتطي حصانه إلي حيث توجد المحكمة, لكن ساق الحصان تعثرت في الطريق, ورفض الهندي الأحمر أن يترك الحصان متألما فأطلق عليه رصاصة الرحمة. فما كان من المستعمرين الإنجليز إلا اعتقال الهندي الأحمر وتقديمه للمحاكمة. وأمام القاضي الإنجليزي اتهموه بأنه قتل طائرا نادرا ولم يقتل حصانا. ولذلك حكم عليه القاضي إما أن يثبت أنه لم يقتل طائرا نادرا بل حصانا وإلا صادر أرضه.
ولعلها كانت المرة الأولي التي يتعاطف فيها قلبي مع حاكم فرنسا في ذلك الوقت جنرال ديجول الذي آمن بأن أمريكا بلد ضخم محكوم بقاطع طريق, ولعله في هذا الإيمان قد إتفق مع جان بول سارتر الفيليسوف الذي نادي بأعلي صوته أن الولايات المتحدة هي بلد انتقل من البدائية إلي الهمجية دون أن يمر بالتحضر رغم تقدمها العلمي. فقد حاول ديجول أن يحرر أوربا من استعمار أمريكي مستتر بإسم حلف الأطلنطي, فطرد مقر الحلف من باريس ليستقر في بروكسل عاصمة بلجيكا.
ولم تخفت مؤامرات المخابرات الأمريكية حتي عصفت بديجول عام1968, وكان جونسون قد ترك الحكم, بعد أن حاول تحطيم عبد الناصر بمشاركة إسرائيل في عدوان يونيو1967, ولكن المصريين أصروا علي عبد الناصر الذي صمم علي استرداد الأرض بعد عزل بعض من قمة الطبقة التي غزلت بالنفاق خيوط الاختناق في يونيو1967, ولم يمهله الزمن ليري نتائج إعتماده علي عقول في حجم علماء يرتدون الزي العسكري بداية من عبد المنعم رياض الذي مرت ذكري استشهاده منذ يومين اثنين, وهو من رأي انتصار أكتوبر كشمس صغيرة ذات ربيع يطل رغم أي خريف في أكتوبر1973.
لكن كان هناك نمو سري سرطاني لطبقة تريد الإنتقام من اتحياز عبد الناصر لفكرة العدالة, وهو وجه عثمان أحمد عثمان الذي رأيته علي غذاء بمطعم أبو شقرة وبدعوة من محمد زغلول كامل أحد أفراد مكتب جمال عبد الناصر, وجلس بجانب عثمان أحمد عثمان رجل صعيدي طيب هو أبو الوفا دنقل الذي أمم ناصر شركته المسماة نقل الصعيد; وقد أظهر عثمان أحمد عثمان بعد مصاهرته للسادات رجل التأسلم المضاد لمستقبل هذا الوطن المركز في شخص حلمي عبد المجيد المرشد السري للإخوان.
كان الغداء بمطعم أبو شقرة هو بدعوة من زغلول كامل, وكان علي رأس المائدة الحاج عبد الناصر خليل سلطان والد جمال عبد الناصر, وفتح زغلول كامل الهدف من الدعوة, فقال عثمان لماذا يريد الرئيس حرماننا من خبرة والده ؟ إن الشركات التي تم تأميمها تحتاج إلي خبرات أمثاله ممن يصنعون الرجال, وأصر أبو الوفا دنقل علي أن والد عبد الناصر هو قطب وولي صالح وإلا لما وهبه الله الابن جمال عبد الناصر, فقال الداعي وهو عضو هيئة مكتب الرئيس عبد الناصر أبلغك يا باشمنهدس عثمان وأنت ياحاج أبو الوفا أن السيد عبد الناصر حسين خليل سلطان لن يعمل في أي وظيفة لأنه علي المعاش. وما أقوله هو قرار من جمال عبد الناصر وهنا هبط الكلام إلي تناول درجة حرارة الجو وجودة طعم الكباب. ولا أنسي محاولتي إيجاد فرصة عمل لصديق هو الراحل ممدوح عبد الرحمن وهو طالب بالسنة النهائية بكلية الإعلام, وشقيق الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن, فأوصي الحاج أبو الوفا أن يقوم بتعينيه في وظيفة تسمح له بوقت فراغ يدرس فيه العام الأخير بكلية الإعلام, فيعينه في وظيفة سكرتير الجمعية التعاونية للعاملين بشركة نقل الصعيد.
ويدور الزمن دورات لأجد نفسي بأبي ظبي أساعد الكاتب محمود السعدني في إصدار جريدة هدفها التصدي لمحاولات شاه إيران مد خيوط أطماعه إلي دولة الإمارات. وكان الزمن هو يناير1976, وكان الكاتب الكبير محمود السعدني قد خرج من مصر سائحا بين بلدان العروبة, ليكلفه ويستضيفه العربي الحبيب زايد بن سلطان آل نهيان.
ثم يأتي عثمان أحمد عثمان بصحبة السادات لزيارة الإمارات ويتواصل مع محمود السعدني فيسأله السعدني سؤالا واحدا كم تتوقع استمرار حكم السادات ؟ فيجيب من بداية حكمه حتي نهايته لن يزيد علي أحد عشر عاما فيقول السعدني حرام عليك.. تريد أن تجعلني بعيدا عن مصر خمس سنوات أخري!! وتحققت نبوءة عثمان أحمد عثمان فلم يستمر حكم السادات سوي خمس سنوات انتهت بمقتله عبر رصاصات التأسلم الذي أسسه رجال عثمان أحمد عثمان ممثلين في أمين الاتحاد الاشتراكي بأسيوط محمد عثمان إسماعيل المؤسس للجماعة الإسلامية والراعي الطبيعي لما دعا إليه حلمي عبد المجيد الذي آواه المهندس عثمان أحمد عثمان وقام بتهريبه إلي ليبيا عام1965 بعد أن كشف عبد الناصر بذات نفسه وجود تنظيم إخواني فور قراءته لكتاب سيد قطب معالم الطريق!!.
وعندما أغتيل السادات كنت أعاني من أول أزمة قلبية تمر علي جسدي. ولا أنسي اتصالي بمنصور حسن الراقي العاشق للصدق السياسي, فيقول لي كنت متوجسا من استقالتي من العمل وسط هذا المناخ, وطبعا كنت ساكون الأن في قبري لو لم أستقل, لأن منصبي كان له كرسي وراء السادات نفسه. وقلت لمنصور: كنت أخاف من استقالتك لأن السادات قد يعتبرها خروجا علي طاعته. وإذا كان قد اعتقل محمد عبد السلام الزيات شقيق د. لطيفة الزيات الذي ساعده إبان توليه منصب رئاسة مجلس الأمة, ثم اعتقل الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو من ساعده للوصول إلي الحكم بعد عبد الناصر وإختلف معه عندما لهث وراء البريق الأمريكي, فكيف لا أخاف عليك منه ؟ لقد خاف عليك معي صديقي د. قدري حفني وصديقنا العالم النفسي محمد شعلان. قال منصور: الأعمار يا أستاذ محسوبة بالدقيقة والثانية,
.................
يتوالي الربيع والخريف ويعانق الشتاء الصيف, لأجد أيامي يعاد ترتيبها في ذاكرتي علي ضوء قصة حب لم تنته, لأن الحب دوار يتوالد في قلب الرجل بحثا دائما عن التي أحبها تحت بشرة عشرات غيرها, وأقسم أني قد بحثت إلي أن أنهكني البحث فأخذت أكتب ما جري وما حدث وما تركه العشق من تجاعيد لا علي الوجه فقط ولكن علي القلب أيضا, فأقاوم التجاعيد علي الوجه بنظافة الذقن, أما تجاعيد القلب فهي لا تنفرد إلا بتذكارات العشق; فأهمس لنفسي أرجوك لا تكره نفسك وأنت تشتاق إلي من أحببت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.