فلسطين.. اندلاع اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم بلاطة    بكام الفراخ البيضاء؟ أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الجمعة 24 مايو 2024    أستاذ اقتصاد: التعويم قضى على الطبقة المتوسطة واتمنى ان لا أراه مرة أخرى    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    الشرطة: نحو 50 محتجا يواصلون الاختباء بجامعة ألمانية    ألمانيا تعلن اعتقالها نتنياهو في هذه الحالة    عائشة بن أحمد تعلن اعتزالها التمثيل مؤقتا: شغل دلوقتي لأ.. عايزة استمتع بحياتي شوية    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    انتهاء الموجة الحارة.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هشام ماجد: «اللعبة 5» في مرحلة الكتابة.. وهذه قصة صداقتي مع شيكو    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 24 مايو 2024    الزمالك ضد فيوتشر.. أول قرار لجوزيه جوميز بعد المباراة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    سيد معوض يكشف عن روشتة فوز الأهلي على الترجي    أحمد عيد: كولر ناجح في السيطرة على لاعبي الأهلي    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وفاة إيراني بعد سماعه نبأ تحطم مروحية رئيسي، والسر حب آل هاشم    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    المعمل الجنائي يفحص آثار حريق داخل محطة تجارب بكلية الزراعة جامعة القاهرة    مقتل مدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية: "مش عايزها تاخد دروس"    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    انعقاد الجلسة الخامسة لمجلس جامعة الدلتا التكنولوجية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهلا يا أنا
أرجوك لا تكره نفسك وأنت تشتاق إلي الحب
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 03 - 2016

وحدي من يعلم أنه يملك كرة أرضية تخصني وحدي, كرة أرضية تتكون من أيام قصتي مع الحب, فمنذ اللحظة التي رأيت فيها نفسي موجودا لمرتين في قلب عينيها اللامعتين حين قلت لها أحبك, منذ تلك اللحظة قررت السماء أن تهديني كرة أرضية تخصني وحدي, بدأ فجرها في الثالثة
بعد ظهر السادس من إبريل من عام قديم, وصارت ساعاته تنساب متراقصة بفرح شجي لا يعرف الملل, وعرفت معني آخر لكلمة يوم فأي يوم ليس هو انسياب الوقت بحركة عقارب الساعة, ولكنه بلمعة عيونها وهي تحتضن صورتي لتتكامل مع لمعة عيوني عندما تحتضن ملامحها, ويكتمل النهار بليل تكون فيه سيدة أحلامي; لياتي فجر جديد. وطبعا تتكامل الأيام لتصبح شهورا, وتنقسم الأشهر إلي ربيع وصيف وخريف وشتاء; ولكل فصل طابع مختلف عما نعرف من طبائع الفصول. فأيام الربيع تتراوح بين عواصف غاضبة من قلبها تجاه عدم نفاذي إلي قمة عملي بجهودي التي لا اعتمد فيها علي علاقات ملتوية مثل زميلي الذي خطب سكرتيرة رئيسنا فنال علاوة تفوق مرتبه; جعلته أكبر منا جميعا, أو مثل زميل آخر شاء رئيسنا أن يمرر ترقيته لمن سيخطب سكرتيرته, فساواه في العلاوة, مما جعلني أمشي في شارع طلعت حرب متسائلا كيف يحدث ذلك بينما عبد الناصر يتحدث كل نهار عن تكافؤ الفرص, لكن حديث القائد تتم ترجمته عند من يلونه إلي كلمات يتم تلوينها بحسب أهوائهم. وقابلني أثناء تجولي اللا هادف أستاذي الشاعر صلاح عبد الصبور, الذي سألني عن سبب الدموع الواقفة علي أبواب جفوني, وعندما أخبرته ضحك ساخرا موضحا أن العلاوة بلا سبب ليست فقط هي قلة أدب, بل جريمة اغتيال لمستقبل الاثنين; فلن يبزغ احد منهما ككاتب; وأضاف علي كل حال ليس في كتابة أي منهما مستقبل, أما كتابتك فالكامن داخل كلماتك هو أقوي بكثير من الفرص المتاحة لك, فضلا عن أنك لا تكف عن الدوران في مصر من أقصاها إلي أقصاها, تصطحب الكتاب في سفرك ومكتبك, فلا تغضب من علاوة مرتفعة الرقم, وتحزن لصغر علاوتك, فالعلاوة المرتفعة بدون سبب محترم هي قلة أدب لا أكثر ولا أقل وقتل لمستقبل من نالوها. وصحبني صلاح عبد الصبور لأردد أنا بصوت مرتفع هذا زمان الحق الضائع.. لا يعرف مقتول من قاتله ومن قتله.. فرءوس الحيوانات علي جثث الناس ورءوس الناس علي جثث الحيوانات.. فتحسس رأسك.. فتحسس رأسك. ضحك صلاح وهو يقول أواسيك بكشف ثقتي في حقيقتك فتهديني أبياتا من قصيدتي.
ولكن العلاوة الضئيلة تجعل الحبيبة ترتج هلعا, فوالدها لن يفهم ما قاله صلاح عبد الصبور عن الكامن في موهبة شاب أكبر من الكائن, فالأب يري أن مهنة الصحفي هي مهنة علي كف عفريت. والنموذج عنده هم بعض من بقالي أقاليم الريف الذين يراسلون الصحف ويجمعون لها الإعلانات; ويتعمدون ذكر أسماء المحافظ ومدير الامن وضابط المباحث ويأكلون علي موائد الأثرياء, وقد شاهد والدها كثرة منهم أيام ما قبل عام1952, حيث كان بمديرية الغربية كثير منهم, يفرضون الإتاوات علي الكبار من المزارعين والتجار ويعيشون علي السلف وعدم السداد ومن غير المعقول أن يكون كل شاب جديد في هذه المهنة هو إحسان عبد القدوس أو أحمد بهاء الدين, وطبعا لن يكون في قوة محمد حسنين هيكل المصاحب لجمال عبد الناصر. لذلك أعلن بأدب رفضه لخطبتي لابنته, بعد أن قلت له لن أكون مثل الأسماء التي ذكرتها كقيمة وقامة.. سأكون نفسي فقط لا أكثر ولا اقل قال ضاحكا عندما تكون نفسك اللامعة سيكون أحفادي من التي تريد الزواج بها قد تخرجوا في الجامعات. ولم يستطع والد الحبيبة إقناعها بنزعي من قلبها ولم يفلح في زراعة أحد في مكاني, فهي وأنا كرة أرضية واحدة, أيامنا تتوالد لتنتج ربيعا متربا في أحيان وله نسمات من حنان في كثير الساعات, وصيفنا نصف جملة تولد من قلبي لأجد نصفها الأخر خارجة من قلبها. وأقسم أن زحام الأتوبيس الذي كنا نأخذه من المنشية خلف تمثال إسماعيل باشا الذي صار رمزا للجندي المجهول, هذا الزحام كان يتسع في دائرة كأنه حرم الحب لا يقربه أهل الزحام لنتكلم أو نصمت إلي أن نصل إلي المكس وهناك كازينو متي يرانا صاحبه اليوناني حتي يهمس لي مخالي صاحب الإيليت صديقك وصديق سيف وانلي أوصاني العناية بك ويفسح لي ركنا لا يرانا فيه أحد. ونخرج سكاري بخمر ما شربناه من كلمات بعضنا البعض, لتتشابك أيدينا في عناق يبدو وكأنه نداء خفي لندي الخريف,
وآه من الشتاء عندما هبط علينا في باريس بعد أن سافرت لاستكمال الدراسة العليا هربا من إلحاح والدها كي تحسم الهرب من فكرة ضرورة زواجها كابنة تكبر عدة بنات يقف علي باب بيته عشرات من يتقدم لخطبتها أو خطبة عدة شقيقات لها, فكان رفضها مع سفرها إلي باريس هو إيذانا بفتح زواج شقيقاتها الأصغر منها.
ولا أعلم أي شجاعة أو جراءة أو إندفاع جعلني أقرر السفر إلي حيث تدرس دون أن أملك سوي ثمن التذكرة ذهابا. ورغم قلق إحسان عبد القدوس من المغامرة غير المحسوبة, لكنه الزم نفسه بمساندة أي قصة حب. ولم أجد مساندة مكتملة في كل ما أقدم عليه إلا من صلاح عبد الصبور الذي قال الحياة قصيدة شعر.. تكتبها بخطواتك وألمك.. ستنتصر أو تهزم, ليست تلك هي النهاية, السير بين الأشواك يتيح درجة من التجربة, وما سيبقي منك سيكون كائنا جميلا, لأنك تصر علي أن تكون نفسك. فتحي غانم همس إن تراجعت عن السفر سأدرس ضمك إلي هيئة سكرتارية التحرير لتشرف علي إعادة صياغة ما نحتاجه من تحقيقات بعض المحررين, وإن لم تتراجع فلا تنس كتابة كل ما يمر بك في باريس, فهي تجربة يحتاجها شاب, فما بالنا بمغامر. أما الرسام ناجي كامل فرسم لي لوحة أسبح فيها في البحر متسائلا لمركب كبير يسير بجانبي هي باريس بعيدة يا عم ياقبطان ؟ ورسم الفنان رجائي ونيس لوحة كاريكاتيرية, يظهر فيها بانيو حمام كبير يجلس بجانبه رجل يرتدي بدلة ذات صديري وله شنب تركي وأمامه أسرته من بنين وبنات ويقول لهم ده بلاج العائلة المحافظة.. مفيش سفر لإسكندرية أبدا.. الصيف في البانيو أحسن من الصيف علي البلاجات.
ويأتي إلي الذاكرة صيف باريس بما يضمه من يد تمسك بيد ورقصة حنان في ساحة التروكادرو, وعصف عصبي من كاتب السطور في وجه دبلوماسي كاذب يحاول تسريب خبر يقول ان الجنرال ديجول أمر بوقف تسليح إسرائيل, فأرسل الخبر إلي إحسان عبد القدوس رئيس تحريرروز اليوسف فيرجع لي في الخبر بالبريد العاجل; مرفق بقصاصة من الأهرام تحمل أرقام أسلحة فرنسية وصلت لإسرائيل تنفيذا لاتفاقات سابقة, ويكتب إحسان علي الورقة المكتوب عليها الخبر الكاذب استمتع بالحب وبالثقافة الباريسية.. لكن دقق فيما ترسله من أخبار, فأندفع وفي يدي قصاصة الأهرام إلي مكتب الدبلوماسي الكاذب لأسأله من عينك هنا في باريس ؟ يجيبني جمال عبد الناصر فأرد مندفعا لقد ظلمك.. وسأنصحه بأن يعينك مدير استقبال الجنازات في جامع عمر مكرم. ولم اكن اعلم أني ساذيق الحبيبة عذابات تفوق الخيال لمجرد إندفاعي. ولولا وجود محمد شكري حافظ الدبلوماسي المرسل من جهاز عبد الناصر, هذا الذي طلب مني مساعدته بعدة لقاءات صحفية, لولا هذا الدبلوماسي أو رجل المعلومات الخاص برئاسة الجمهورية لصدقت الدولة تقارير كاذبة دبجها الدبلوماسي الكاذب, سواء في شخصي أو شخص طالبة الدراسات العليا التي تؤجل إكتمال أنوثتها بالزواج في انتظار أن أكتمل بالاستعداد لحياة تبدأ بأرقام لن أحصل عليها لأني لست وارثا ولا أملك سوي قلمي.
ويصر الربيع أن يأتي بعد الشتاء الباريسي العاصف لأظل في فندق يواجه ملهي الطاحونة الحمراء ملهي أوجز قصته ذلك الفيلم الشهير بهذا الاسم والمأخوذ من قصة الحب التي تربط بين عاشق رومانسي وبين ممثلة تهوي البريق, وتعمل في فرقة فنانين لا يجدون منتجا, فتقبل الزواج من ثري سيدفع للفرقة تكاليف إنتاج مسرحية غنائية, ولكن العاشق يظهر في افتتاح المسرحية ليعلم أن الحبيبة مريضة بصدرها, وتموت. آلمتني القصة وكأنها تقرأ كف مستقبلي.
وأسير في شوارع باريس لا أعرف ليلها من نهارها, ولولا أن السفير جمال منصور قد ترك توصية لي عند الإذاعة الموجهة بالعربية للشمال الأفريقي لما وجدت رغيف خبز. لكن الحديث الإذاعي يكفل لي خمسمائة فرنك أسبوعيا بما يكفل الطعام والمسكن وتكاليف رؤية أي مسرحية, فأعشق مسرحية الزفاف الدامي للأسباني الشهيد جارثيا لوركا, لأدمن رؤيتها أكثر من خمس وعشرين ليلة إلي الدرجة التي جاء مدير الفرقة حيث كنت أقف في طابور قطع التذاكر ليقدم لي تصريحا برؤية المسرحية طوال وجودي بباريس مجانا بعد أن علم أني صحفي من مصر, وكان هو جزائريا أحب تحرير الجزائر, لكنه متزوج فرنسية, ويتوقع أن تنشب الخلافات بين قادة الجزائر كعادة البلاد المستقلة حديثا. ومن الغريب أن ما توقعه الرجل قد حدث عندما إختلف هواري بومدين قائد جيش تحرير الجزائر مع المؤسس لحلم تحرير الجزائر أحمد بن بيلا, وعندما علم مدير الفرقة أن بن بيلا تم اعتقاله حتي أيقظني من النوم في منتصف ليل أواخر أيام مايو1965 ليسألني هل يجرؤ عبد الحكيم عامر أن يفعل ذلك مع جمال عبد الناصر ؟ ولم أملك إجابة سوي أن الحكاية ستتكرر بفضل طبقة المستفيدين بالولاء النفاقي دون التمحيص في أهمية الصديق السياسي. ولم أكن أعلم أن الخبر المنتشر في ردهات السياسة الفرنسية يؤكد أن إسرائيل ستبدأ قتالا لا مفر منه ضد مصر, وأن التفكير في ذلك بدأ بمقتل جون كيندي في أواخر عام1963 وأن غياب كيندي سيكون بداية لغياب العقل المفكر المشارك في قيادة العالم ليقفز إلي مقعد القيادة رجل أسمه جونسون يؤمن بما ترويه الحكايات عن رجل أدمن مطاردة الهنود الحمر وقتلهم بأي سبب. وهو يبدو كأنه واحد من مجموعة من سكان مستعمرة إنجليزية تستولي علي أراضي الهنود الحمر, فقرر هندي أحمر أن يشكوهم للقضاء. ولما كان موقع المحكمة بعيدا عن أرضه وفي بلد مجاور, فقد امتطي حصانه إلي حيث توجد المحكمة, لكن ساق الحصان تعثرت في الطريق, ورفض الهندي الأحمر أن يترك الحصان متألما فأطلق عليه رصاصة الرحمة. فما كان من المستعمرين الإنجليز إلا اعتقال الهندي الأحمر وتقديمه للمحاكمة. وأمام القاضي الإنجليزي اتهموه بأنه قتل طائرا نادرا ولم يقتل حصانا. ولذلك حكم عليه القاضي إما أن يثبت أنه لم يقتل طائرا نادرا بل حصانا وإلا صادر أرضه.
ولعلها كانت المرة الأولي التي يتعاطف فيها قلبي مع حاكم فرنسا في ذلك الوقت جنرال ديجول الذي آمن بأن أمريكا بلد ضخم محكوم بقاطع طريق, ولعله في هذا الإيمان قد إتفق مع جان بول سارتر الفيليسوف الذي نادي بأعلي صوته أن الولايات المتحدة هي بلد انتقل من البدائية إلي الهمجية دون أن يمر بالتحضر رغم تقدمها العلمي. فقد حاول ديجول أن يحرر أوربا من استعمار أمريكي مستتر بإسم حلف الأطلنطي, فطرد مقر الحلف من باريس ليستقر في بروكسل عاصمة بلجيكا.
ولم تخفت مؤامرات المخابرات الأمريكية حتي عصفت بديجول عام1968, وكان جونسون قد ترك الحكم, بعد أن حاول تحطيم عبد الناصر بمشاركة إسرائيل في عدوان يونيو1967, ولكن المصريين أصروا علي عبد الناصر الذي صمم علي استرداد الأرض بعد عزل بعض من قمة الطبقة التي غزلت بالنفاق خيوط الاختناق في يونيو1967, ولم يمهله الزمن ليري نتائج إعتماده علي عقول في حجم علماء يرتدون الزي العسكري بداية من عبد المنعم رياض الذي مرت ذكري استشهاده منذ يومين اثنين, وهو من رأي انتصار أكتوبر كشمس صغيرة ذات ربيع يطل رغم أي خريف في أكتوبر1973.
لكن كان هناك نمو سري سرطاني لطبقة تريد الإنتقام من اتحياز عبد الناصر لفكرة العدالة, وهو وجه عثمان أحمد عثمان الذي رأيته علي غذاء بمطعم أبو شقرة وبدعوة من محمد زغلول كامل أحد أفراد مكتب جمال عبد الناصر, وجلس بجانب عثمان أحمد عثمان رجل صعيدي طيب هو أبو الوفا دنقل الذي أمم ناصر شركته المسماة نقل الصعيد; وقد أظهر عثمان أحمد عثمان بعد مصاهرته للسادات رجل التأسلم المضاد لمستقبل هذا الوطن المركز في شخص حلمي عبد المجيد المرشد السري للإخوان.
كان الغداء بمطعم أبو شقرة هو بدعوة من زغلول كامل, وكان علي رأس المائدة الحاج عبد الناصر خليل سلطان والد جمال عبد الناصر, وفتح زغلول كامل الهدف من الدعوة, فقال عثمان لماذا يريد الرئيس حرماننا من خبرة والده ؟ إن الشركات التي تم تأميمها تحتاج إلي خبرات أمثاله ممن يصنعون الرجال, وأصر أبو الوفا دنقل علي أن والد عبد الناصر هو قطب وولي صالح وإلا لما وهبه الله الابن جمال عبد الناصر, فقال الداعي وهو عضو هيئة مكتب الرئيس عبد الناصر أبلغك يا باشمنهدس عثمان وأنت ياحاج أبو الوفا أن السيد عبد الناصر حسين خليل سلطان لن يعمل في أي وظيفة لأنه علي المعاش. وما أقوله هو قرار من جمال عبد الناصر وهنا هبط الكلام إلي تناول درجة حرارة الجو وجودة طعم الكباب. ولا أنسي محاولتي إيجاد فرصة عمل لصديق هو الراحل ممدوح عبد الرحمن وهو طالب بالسنة النهائية بكلية الإعلام, وشقيق الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن, فأوصي الحاج أبو الوفا أن يقوم بتعينيه في وظيفة تسمح له بوقت فراغ يدرس فيه العام الأخير بكلية الإعلام, فيعينه في وظيفة سكرتير الجمعية التعاونية للعاملين بشركة نقل الصعيد.
ويدور الزمن دورات لأجد نفسي بأبي ظبي أساعد الكاتب محمود السعدني في إصدار جريدة هدفها التصدي لمحاولات شاه إيران مد خيوط أطماعه إلي دولة الإمارات. وكان الزمن هو يناير1976, وكان الكاتب الكبير محمود السعدني قد خرج من مصر سائحا بين بلدان العروبة, ليكلفه ويستضيفه العربي الحبيب زايد بن سلطان آل نهيان.
ثم يأتي عثمان أحمد عثمان بصحبة السادات لزيارة الإمارات ويتواصل مع محمود السعدني فيسأله السعدني سؤالا واحدا كم تتوقع استمرار حكم السادات ؟ فيجيب من بداية حكمه حتي نهايته لن يزيد علي أحد عشر عاما فيقول السعدني حرام عليك.. تريد أن تجعلني بعيدا عن مصر خمس سنوات أخري!! وتحققت نبوءة عثمان أحمد عثمان فلم يستمر حكم السادات سوي خمس سنوات انتهت بمقتله عبر رصاصات التأسلم الذي أسسه رجال عثمان أحمد عثمان ممثلين في أمين الاتحاد الاشتراكي بأسيوط محمد عثمان إسماعيل المؤسس للجماعة الإسلامية والراعي الطبيعي لما دعا إليه حلمي عبد المجيد الذي آواه المهندس عثمان أحمد عثمان وقام بتهريبه إلي ليبيا عام1965 بعد أن كشف عبد الناصر بذات نفسه وجود تنظيم إخواني فور قراءته لكتاب سيد قطب معالم الطريق!!.
وعندما أغتيل السادات كنت أعاني من أول أزمة قلبية تمر علي جسدي. ولا أنسي اتصالي بمنصور حسن الراقي العاشق للصدق السياسي, فيقول لي كنت متوجسا من استقالتي من العمل وسط هذا المناخ, وطبعا كنت ساكون الأن في قبري لو لم أستقل, لأن منصبي كان له كرسي وراء السادات نفسه. وقلت لمنصور: كنت أخاف من استقالتك لأن السادات قد يعتبرها خروجا علي طاعته. وإذا كان قد اعتقل محمد عبد السلام الزيات شقيق د. لطيفة الزيات الذي ساعده إبان توليه منصب رئاسة مجلس الأمة, ثم اعتقل الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو من ساعده للوصول إلي الحكم بعد عبد الناصر وإختلف معه عندما لهث وراء البريق الأمريكي, فكيف لا أخاف عليك منه ؟ لقد خاف عليك معي صديقي د. قدري حفني وصديقنا العالم النفسي محمد شعلان. قال منصور: الأعمار يا أستاذ محسوبة بالدقيقة والثانية,
.................
يتوالي الربيع والخريف ويعانق الشتاء الصيف, لأجد أيامي يعاد ترتيبها في ذاكرتي علي ضوء قصة حب لم تنته, لأن الحب دوار يتوالد في قلب الرجل بحثا دائما عن التي أحبها تحت بشرة عشرات غيرها, وأقسم أني قد بحثت إلي أن أنهكني البحث فأخذت أكتب ما جري وما حدث وما تركه العشق من تجاعيد لا علي الوجه فقط ولكن علي القلب أيضا, فأقاوم التجاعيد علي الوجه بنظافة الذقن, أما تجاعيد القلب فهي لا تنفرد إلا بتذكارات العشق; فأهمس لنفسي أرجوك لا تكره نفسك وأنت تشتاق إلي من أحببت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.