خلال أيام.. امتحانات الترم الثاني 2025 في القليوبية لجميع الصفوف من الابتدائي للثانوي    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز «عريض ورفيع الحبة» اليوم السبت 17 مايو في أسواق الشرقية    أسعار الذهب تواصل الارتفاع الآن.. سعر الجرام والسبائك اليوم السبت 17-5-2025    آخر هبوط في 7 بنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه اليوم السبت 17-5-2025    ترامب: قد أفرض عقوبات «مدمرة» ضد روسيا إذا فشل السلام مع أوكرانيا    الرئيس السيسي يتوجه إلى بغداد اليوم لحضور القمة العربية    موعد مباراة مانشستر سيتي ضد كريستال بالاس في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي والقنوات الناقلة    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    موعد مباراة الأهلي ضد الخلود في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة وتحسن حالة الطقس: انخفاض 8 درجات مئوية    هند صبري تكشف موقفها من تقديم جزء ثالث من «البحث عن علا»    في عيد ميلاده ال85.. خالد سرحان يوجه رسالة تهنئة للزعيم عادل إمام    قومية الشرقية تقدم "محاكمة تاجر البندقية" ضمن شرائح المسرح بالزقازيق    غيبوبة سكر.. نقل الجد المتهم في الاعتداء على حفيده للمستشفى بشبرا الخيمة    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالمقطم    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    إبداعات المنوفية| دمية.. قصة ل إبراهيم معوض    إبداعات المنوفية| بين الشك واليقين.. شعر ل وفاء جلال    بعد رباعية الجونة.. إقالة بابا فاسيليو من تدريب غزل المحلة    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    ترامب يلوّح باتفاق مع إيران ويكشف عن خطوات تجاه سوريا وبوتين    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    «الموجة 26 إزالة».. لن تقبل الدولة استمرار دوامة مخالفات البناء    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    حكام مباراة بيراميدز وبتروجيت في الدوري المصري    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    غرق طالب بترعة الكسرة في المنشاة بسوهاج    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    "بيطري قناة السويس" تُطلق فعاليات بيئية وعلمية ومهنية شاملة الأسبوع المقبل    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والمسيحية فى الشرق الأوسط: تاريخ أخوة متأصلة

كثيراً ما تعيد احتفالات رأس السنة الميلادية فى بيت لحم مشهد التعايش الذى يلتحم فيه مسيحيو فلسطين والشرق الأوسط عموماً بجيرانهم المسلمين، وتعيد مشاهد القداس التى يحضرها المسلمون إلى جانب إخوانهم المسيحيين شجوناً يدغدغ فينا أحلام السلام والتفاهم والتراحم فى عالم اليوم الذى تمزقه الصراعات والتطرف والانغلاق، ومشاهد الترويع.
إن هذا الحدث المتكرر منذ نشأة التجاور التاريخى بين الديانتين، يكشف لنا التفرد الذى صاغته العقلية الشرقية فى تعاملها مع الآخر، هذا النمط الفلسفى والاجتماعى الشرقى المتقبّل للتباين والمتعايش معه، أثبت نجاحه عبر القرون والأزمنة. ففى الشرق الأوسط، يجتمع الإسلام مع المسيحية واليهودية واليزيدية والصابئة والزرادشتية والمندائية واليارسانية الكاكيه والفرق المتفرعة عن هذه الأديان باختلافاتها وتتعايش لمئات السنين، ولم تشهد الأيام بينهم إلا التوافق والانسجام.
وهنا يطرح سؤال؛ لماذا بقيت كل هذه الأديان وحافظت على وجودها رغم انتشار الإسلام فى المناطق التى وُجدت فيها؟ تتضح الإجابة عن هذا السؤال من القيم الإنسانية التى صاغها القرآن الكريم لمفهوم الاختلاف بين الثقافات والأديان، وهى ما عبّر عنها مؤرخ الحضارات ويل ديورانت ب «خطة التسامح الإسلامي» والتى أسس لها القرآن الكريم فى كم من آية، مؤسساً بها فلسفة تتجاوز التسامح فى مفهومه اللغوى والدلالى إلى بعد أعمق وهو التقبل والتعايش بل ووجوب الحماية لهذا التعدد، كونه دلالة عن سنة إلهية ثابتة. يقول القرآن: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود: 118-119) ويقول: « لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» (الغاشية: 22) ويقول: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29) ويقول: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256). فالاختلاف حسب القرآن مراد لله فى ذاته.
هذه السمة القرآنية حرص على تجسيدها النبى محمد صلى الله عليه وسلم حين كرر فى عشرات الأحاديث تحذيره من إيذاء غير المسلمين الذين يعيشون بين المسلمين؛ منها قوله «من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة».
فرض هذا المنهج القرآنى والنبوى نسقا سياسيا وفكريا وفقهيا تحركت الآلة التشريعية فى القرون الأولى للإسلام وفق منطقه، وأُدرجت بذلك كل الأديان التى احتك بها الإسلام فى القارة الآسيوية كالبوذية والهندوسية تحت إطار هذا التعامل. فقد نص مذهب مالك والأوزاعى والثورى ووافقهم الكثير من علماء الإسلام منهم ابن القيم أن عهد الأمان يعقده المسلمون لكل الذين لم يدخلوا فى الإسلام على حد السواء مهما أوغلت دياناتهم فى البعد عن تعاليم الديانات السماوية، وهذا اعتراف من المسلمين بحق أتباع هذه الديانات فى الحياة الكريمة.
هذا المنطق الذى وجّه التشريع والتأسيس للدولة الإسلامية حفظ بقاء هذه الديانات بل أوجبت كل المذاهب الفقهية الإسلامية على أتباعها وجوب الدفاع والقتال من أجل حماية أهل الذمة من غير المسلمين، ولو كلف ذلك المسلمين حياة العديد منهم.
إن ما قلناه آنفا يفسر بقاء مصر ذات أغلبية مسيحية 800 سنة بعد الفتح الإسلامي. هذا التعايش والتآخى المتبادل سطّر صفحات مجيدة فى تاريخ التعايش الدينى خصوصاً بين الإسلام والمسيحية فى الشرق الأوسط بات فيها الطرفان حريصين على سلامة بعضهما البعض.
يذكر أن أحد الولاة أمر بهدم كنيسة فى مصر فكتب الإمام الليث بن سعد إلى الخليفة مطالبا بعزل الوالى لأنه حسب رأى الليث كان مبتدعا فأمر ببناء الكنيسة المهدمة وبناء كنائس جديدة كلما طلب ذلك المسيحيون فى مصر، وفى هذا الإطار، كان الإمام الليث بن سعد يحتج بالآية القرآنية «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا». (البقرة: 114). وفى سياق التعاون والتعايش الأخوى بين الديانتين تذكر كتب التاريخ أن الصليبيين فى حملتهم الأولى أرسلوا للأقباط فى مصر يطلبون مساعدتهم ضد المسلمين بدعوى الأخوّة المسيحية التى تجمع بينهم، فكان رفض بابا مصر قاطعاً وصارماً، واختار الاصطفاف إلى جانب المسلمين، وهو ما دفع الصليببين إلى منع الأقباط من الحج لبيت المقدس بعد سقوطها فى يدهم سنة 1099م انتقاماً من الأقباط لعدم تعاونهم. كما يجدر بنا أن نشير إلى نموذج رائع آخر فى العيش المشترك بين أتباع الإسلام والمسيحية؛ وهو النموذج الفلسطيني، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون والسامريون فى تعاون وتسامح وتراحم دون أن تحجر الأغلبية على الأقلية، بل إن ثمة رفضاً فلسطينياً لمصطلح الأقلية والأغلبية فى هذا السياق. وتمتلئ كتب التاريخ بمثل هذه النماذج الحضارية من التعايش والتقبل الدينى للآخر، وتعكس فى مجملها الفلسفة التى تأسست قديماً أيام وثيقة المدينة التى اعترفت لليهود والمشركين بحرية الديانة، وترسخت بالعهدة العمرية، وسياسات الخلفاء والحكام الذين لم يجرأ إلا القليل منهم على المساس بهذا التناغم و التعايش بين ديانات الشرق.
وقد أخذت منظمة التعاون الإسلامى باعتبارها الصوت الموحد للعالم الإسلامى وثانى منظمة دولية بعد الأمم المتحدة على عاتقها مهمة الحفاظ على هذا الإرث الإنساني. وتكريساً لهذا النمط الحضارى المتأصل فى المجتمعات المسلمة، أسست المنظمة إدارة تختص بالحوار بين الثقافات والأديان وهى إدارة الحوار والتواصل التى تحمل على عاتقها تنسيق جهود الحوار والتعايش بين المكونات الإثنية والطائفية بين الدول الأعضاء، وبين الإسلام كديانة جامعة لكل الدول الأعضاء وبقية الأديان العالمية. وتحفل جهود وانجازات المنظمة بالعديد من الفعاليات والأنشطة والقرارات التى اعتمدت خدمة لتأسيس حوار بناء وفعال بين المجتمعات والثقافات، ولعل آخر هذه الجهود عقد مؤتمرين دوليين للتوفيق والحوار بين الأديان، أولها عقد مابين 9 إلى 11 ديسمبر 2017 فى دكار، وسعى لتقريب وجهات النظر بين فرقاء إفريقيا الوسطى المسيحيين والمسلمين لإعادة بناء النسيج الاجتماعى والدينى الذى فككته الحرب الأهلية التى اندلعت سنة 2013، وثانيها عقد ما بين 18 إلى 20 ديسمبر 2017 فى مدينة بانكوك للحوار بين الإسلام والبوذية لجلب القيادات الدينية البوذية والمسلمة وصناع القرار إلى طاولة الحوار والنقاش لإيجاد خريطة طريق تمهد للسلام والتعايش بين الأديان والثقافات.
--------------------
مدير إدارة الحوار والتواصل
منظمة التعاون الإسلامى

لمزيد من مقالات بشير أحمد الأنصارى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.