د. أسامة أبو زيد يكتب: الإرادة الشعبية.. «سي السيد»    ترامب يهدد بالهجوم على أي دولة تهرّب المخدرات لأمريكا.. والرئيس الكولومبي يرد    5 وفيات و13 مصابًا.. ننشر أسماء المتوفين في حريق سوق الخواجات بالمنصورة    متحدث الصحة: قوائم بالأدوية المحظورة للمسافرين وتحذيرات من مستحضرات خاضعة للرقابة الدولية    «الصحة» تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    إعلان طاقم حكام مباراة الجونة وبترول أسيوط في كأس مصر    مصر توسّع حضورها في الأسواق الأفريقية عبر الطاقة الشمسية والتوطين الصناعي    مدير نجدة الطفل: حوادث المدارس تكشف خللاً تربوياً وضرورة تشديد العقوبات لحماية الأطفال    محافظ الدقهلية يعزي أسر ضحايا حريق «سوق الخواجات» ويتفقد المصابين في المستشفى    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    فيدرا تدافع عن كلاب الشوارع: عندنا مشكلة إدارة وعندي 40 قطة و6 كلاب معيشاهم في بيتي    نصر الله يحرز تقدما على عصفورة المدعوم من ترامب في انتخابات هندوراس الرئاسية    سوريا تعلن إحباط محاولة تهريب ألغام إلى حزب الله في لبنان    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    النيابة العامة تُنظم برنامجًا تدريبيًا حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي    كأس العرب - سالم الدوسري: جئنا إلى قطر لتحقيق اللقب    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    مانشستر سيتي يهزم فولهام في مباراة مثيرة بتسعة أهداف بالدوري الإنجليزي    تقرير مبدئي: إهمال جسيم وغياب جهاز إنعاش القلب وراء وفاة السباح يوسف محمد    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للسلاح    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مبادرة الخير بدسوق تنظم حفلًا ترفيهيًا للطلاب الصم وضعاف السمع بمناسبة يوم التحدي    التنمية المحلية ل ستوديو إكسترا: توجيهات رئاسية بتحقيق العدالة التنموية في الصعيد    بروتوكول تعاون بين نادي قضاه جنوب سيناء وجامعة القاهرة    إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم بالفيوم    إحالة أوراق المتهم بقتل زميله داخل ورشة لتصنيع الأثاث بأشمون للمفتى    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    مقتل شخص أثناء محاولته فض مشاجرة بالعجمي في الإسكندرية    والد جنى ضحية مدرسة الشروق: ابنتي كانت من المتفوقين ونثق في القضاء    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    في ملتقى الاقصر الدولي للتصوير بدورته ال18.. الفن جسر للتقارب بين مصر وسنغافورة    وزير الثقافة: دورة منفتحة على الشباب والتكنولوجيا في معرض الكتاب 57    تحت شعار "متر × متر"، مكتبة الإسكندرية تفتح باب التقديم لمعرض أجندة 2026    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    ليفركوزن يثأر من دورتموند بهدف مازة ويتأهل لربع نهائى كأس ألمانيا    يوفنتوس يتخطى أودينيزى بثنائية ويتأهل إلى ربع نهائى كأس إيطاليا    بورنموث ضد إيفرتون.. جريليش يمنح التوفيز فوزًا ثمينًا في البريميرليج    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    رئيس بولندا يعارض فكرة توسك بدفع وارسو تعويضات لضحايا الحرب بدلا من ألمانيا    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    «القومى للمرأة» ينظم الاجتماع التنسيقي لشركاء الدعم النفسي لبحث التعاون    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في جنوب سيناء    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والمسيحية فى الشرق الأوسط: تاريخ أخوة متأصلة

كثيراً ما تعيد احتفالات رأس السنة الميلادية فى بيت لحم مشهد التعايش الذى يلتحم فيه مسيحيو فلسطين والشرق الأوسط عموماً بجيرانهم المسلمين، وتعيد مشاهد القداس التى يحضرها المسلمون إلى جانب إخوانهم المسيحيين شجوناً يدغدغ فينا أحلام السلام والتفاهم والتراحم فى عالم اليوم الذى تمزقه الصراعات والتطرف والانغلاق، ومشاهد الترويع.
إن هذا الحدث المتكرر منذ نشأة التجاور التاريخى بين الديانتين، يكشف لنا التفرد الذى صاغته العقلية الشرقية فى تعاملها مع الآخر، هذا النمط الفلسفى والاجتماعى الشرقى المتقبّل للتباين والمتعايش معه، أثبت نجاحه عبر القرون والأزمنة. ففى الشرق الأوسط، يجتمع الإسلام مع المسيحية واليهودية واليزيدية والصابئة والزرادشتية والمندائية واليارسانية الكاكيه والفرق المتفرعة عن هذه الأديان باختلافاتها وتتعايش لمئات السنين، ولم تشهد الأيام بينهم إلا التوافق والانسجام.
وهنا يطرح سؤال؛ لماذا بقيت كل هذه الأديان وحافظت على وجودها رغم انتشار الإسلام فى المناطق التى وُجدت فيها؟ تتضح الإجابة عن هذا السؤال من القيم الإنسانية التى صاغها القرآن الكريم لمفهوم الاختلاف بين الثقافات والأديان، وهى ما عبّر عنها مؤرخ الحضارات ويل ديورانت ب «خطة التسامح الإسلامي» والتى أسس لها القرآن الكريم فى كم من آية، مؤسساً بها فلسفة تتجاوز التسامح فى مفهومه اللغوى والدلالى إلى بعد أعمق وهو التقبل والتعايش بل ووجوب الحماية لهذا التعدد، كونه دلالة عن سنة إلهية ثابتة. يقول القرآن: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود: 118-119) ويقول: « لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» (الغاشية: 22) ويقول: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29) ويقول: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256). فالاختلاف حسب القرآن مراد لله فى ذاته.
هذه السمة القرآنية حرص على تجسيدها النبى محمد صلى الله عليه وسلم حين كرر فى عشرات الأحاديث تحذيره من إيذاء غير المسلمين الذين يعيشون بين المسلمين؛ منها قوله «من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة».
فرض هذا المنهج القرآنى والنبوى نسقا سياسيا وفكريا وفقهيا تحركت الآلة التشريعية فى القرون الأولى للإسلام وفق منطقه، وأُدرجت بذلك كل الأديان التى احتك بها الإسلام فى القارة الآسيوية كالبوذية والهندوسية تحت إطار هذا التعامل. فقد نص مذهب مالك والأوزاعى والثورى ووافقهم الكثير من علماء الإسلام منهم ابن القيم أن عهد الأمان يعقده المسلمون لكل الذين لم يدخلوا فى الإسلام على حد السواء مهما أوغلت دياناتهم فى البعد عن تعاليم الديانات السماوية، وهذا اعتراف من المسلمين بحق أتباع هذه الديانات فى الحياة الكريمة.
هذا المنطق الذى وجّه التشريع والتأسيس للدولة الإسلامية حفظ بقاء هذه الديانات بل أوجبت كل المذاهب الفقهية الإسلامية على أتباعها وجوب الدفاع والقتال من أجل حماية أهل الذمة من غير المسلمين، ولو كلف ذلك المسلمين حياة العديد منهم.
إن ما قلناه آنفا يفسر بقاء مصر ذات أغلبية مسيحية 800 سنة بعد الفتح الإسلامي. هذا التعايش والتآخى المتبادل سطّر صفحات مجيدة فى تاريخ التعايش الدينى خصوصاً بين الإسلام والمسيحية فى الشرق الأوسط بات فيها الطرفان حريصين على سلامة بعضهما البعض.
يذكر أن أحد الولاة أمر بهدم كنيسة فى مصر فكتب الإمام الليث بن سعد إلى الخليفة مطالبا بعزل الوالى لأنه حسب رأى الليث كان مبتدعا فأمر ببناء الكنيسة المهدمة وبناء كنائس جديدة كلما طلب ذلك المسيحيون فى مصر، وفى هذا الإطار، كان الإمام الليث بن سعد يحتج بالآية القرآنية «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا». (البقرة: 114). وفى سياق التعاون والتعايش الأخوى بين الديانتين تذكر كتب التاريخ أن الصليبيين فى حملتهم الأولى أرسلوا للأقباط فى مصر يطلبون مساعدتهم ضد المسلمين بدعوى الأخوّة المسيحية التى تجمع بينهم، فكان رفض بابا مصر قاطعاً وصارماً، واختار الاصطفاف إلى جانب المسلمين، وهو ما دفع الصليببين إلى منع الأقباط من الحج لبيت المقدس بعد سقوطها فى يدهم سنة 1099م انتقاماً من الأقباط لعدم تعاونهم. كما يجدر بنا أن نشير إلى نموذج رائع آخر فى العيش المشترك بين أتباع الإسلام والمسيحية؛ وهو النموذج الفلسطيني، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون والسامريون فى تعاون وتسامح وتراحم دون أن تحجر الأغلبية على الأقلية، بل إن ثمة رفضاً فلسطينياً لمصطلح الأقلية والأغلبية فى هذا السياق. وتمتلئ كتب التاريخ بمثل هذه النماذج الحضارية من التعايش والتقبل الدينى للآخر، وتعكس فى مجملها الفلسفة التى تأسست قديماً أيام وثيقة المدينة التى اعترفت لليهود والمشركين بحرية الديانة، وترسخت بالعهدة العمرية، وسياسات الخلفاء والحكام الذين لم يجرأ إلا القليل منهم على المساس بهذا التناغم و التعايش بين ديانات الشرق.
وقد أخذت منظمة التعاون الإسلامى باعتبارها الصوت الموحد للعالم الإسلامى وثانى منظمة دولية بعد الأمم المتحدة على عاتقها مهمة الحفاظ على هذا الإرث الإنساني. وتكريساً لهذا النمط الحضارى المتأصل فى المجتمعات المسلمة، أسست المنظمة إدارة تختص بالحوار بين الثقافات والأديان وهى إدارة الحوار والتواصل التى تحمل على عاتقها تنسيق جهود الحوار والتعايش بين المكونات الإثنية والطائفية بين الدول الأعضاء، وبين الإسلام كديانة جامعة لكل الدول الأعضاء وبقية الأديان العالمية. وتحفل جهود وانجازات المنظمة بالعديد من الفعاليات والأنشطة والقرارات التى اعتمدت خدمة لتأسيس حوار بناء وفعال بين المجتمعات والثقافات، ولعل آخر هذه الجهود عقد مؤتمرين دوليين للتوفيق والحوار بين الأديان، أولها عقد مابين 9 إلى 11 ديسمبر 2017 فى دكار، وسعى لتقريب وجهات النظر بين فرقاء إفريقيا الوسطى المسيحيين والمسلمين لإعادة بناء النسيج الاجتماعى والدينى الذى فككته الحرب الأهلية التى اندلعت سنة 2013، وثانيها عقد ما بين 18 إلى 20 ديسمبر 2017 فى مدينة بانكوك للحوار بين الإسلام والبوذية لجلب القيادات الدينية البوذية والمسلمة وصناع القرار إلى طاولة الحوار والنقاش لإيجاد خريطة طريق تمهد للسلام والتعايش بين الأديان والثقافات.
--------------------
مدير إدارة الحوار والتواصل
منظمة التعاون الإسلامى

لمزيد من مقالات بشير أحمد الأنصارى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.