مصر كانت وسوف تزال نموذجاً فريداً للتعايش السلمي بين كل الأديان.. على أرضها عاش اليهود والمسيحيون والمسلمون فى ترابط وتعاون، وستظل كذلك إلى أن يشاء الله.. هذا ما أكده الدكتور علي السمان رئيس الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان فى حواره مع «فيتو».. السمان شدد على أن مصر لم ولن تعرف الفتنة الطائفية أبداً، وأن ما يحدث هو خلافات يستغلها بعض أصحاب المصالح الخاصة، وراغبو إشعال المشاكل.. وأكد أن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رجل وطنى أحب بلده ويسعى دائماً إلى نزع فتيل الفتنة... وقدم السمان حلولاً عملية للقضاء على جميع خلافات ومشاكل المسلمين والمسيحيين، وتحدث عن وثيقة الأزهر وبيت العائلة، وقانون دور العبادة الموحد.. وإلى نص الحوار: ماذا عن وثيقة الأزهر وهل توافق على ما جاء فيها؟ كنت أتمنى أن تخرج هذه الوثيقة لتؤكد على مدنية الدولة صراحة ولا تخشى في الحق لومة لائم.. فما نريده جميعاً هو الدولة المدنية وأنا وبشكل شخصي أطالب القوات المسلحة قبل أن تسلم البلاد إلى السلطة المنتخبة من الشعب بأن تضع في الدستور نصاً يقول: «يبقى الجيش الضامن للدولة المدنية والحرية والديمقراطية»، وهذا النص لا يتعارض أبداً مع الديمقراطية وإنما يحميها ويضمنها ويعززها. هناك نوع من الشقاق فى المجتمع المصرى يصفه البعض بالفتنة.. فما رأيك؟ ما يحدث حالياً لا يمكن أبداً أن نطلق عليه الفتنة الطائفية ومصر لم تشهد خلال تاريخها الطويل أحداثاً عنيفة يمكن أن نطلق عليها «فتنة» فالمسلمون والمسيحيون يعيشون فى تآلف واضح باستثناء بعض الأحداث البسيطة، وأقباط مصر غير راضين عن بعض الأمور وفى مقدمتها عدم الرد السريع على أحداث الشغب التى تطولهم سواء أمنياً أو قضائياً.. فمثلاً تم الاعتداء على كنائس فى الإسكندرية والصعيد، ومر وقت طويل دون أن تظهر نتائج التحقيقات حتى «الكموني» المدان فى أحداث قتل الأقباط أمام كنيسة بنجع حمادي لم يعدم إلا بعد سنوات، وفي هذا الشأن أقول لأقباط مصر إنه يجب عليهم احترام القانون بمعنى أنهم حين يحصلون على ترخيص لإنشاء مكان اجتماعي فقط، عليهم أن يلتزموا بذلك ولا يحولوه إلى كنيسة. هناك من يردد أن الكنيسة وعلى رأسها البابا شنودة تسعى إلى إعادة أفكار «الأمة القبطية».. كيف ترى ذلك؟ أنا شخصياً لا أعترف بما يسمى الأمة القبطية.. ولكننى أحترم وأقدر الشعب القبطي كاملاً وليس جماعة بعينها.. والبابا شنودة رجل له كل تقدير واحترام ولا أقبل المزايدة على وطنيته بأى شكل من الأشكال.. فالرجل يبذل جهوداً جبارة لإخماد نار الفتنة، ودائماً ما يؤكد أن مصر وطن واحد يعيش فيه شعب واحد بمسلميه ومسيحييه والدليل على وطنيته أنه نال ثقة واحترام عدد من مشايخ الأزهر على اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم.. وحتى الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي أصبح من أصدقائه المقربين بعد سوء تفاهم حاد حدث بينهما، وقد كنت وسيطاً فى هذا الصلح. إشارة: الأمة القبطية جماعة أسسها المحامي إبراهيم فهمي هلال عام 2591بزعم حماية حقوق الأقباط في مصر، ولكنها اختطفت «يوساب الثانى» بابا الإسكندرية وعزلته من منصبه احتجاجاً على تردي أوضاع الكنيسة. وما تفسيرك لظهور بعض الأحداث الطائفية بين الحين والآخر؟ الحقيقة المؤكدة أن التطرف يقابل بتطرف.. وما حدث في الفترة الأخيرة من ظهور واضح للتيار السلفي المتشدد والذي يرفض بعض المنتمين إليه الآخر، تأثراً بالفكر الوهابي، زاد من حالة الاحتقان، خصوصاً وأن من بينهم من يدعو صراحة للاعتداء على الكنائس وتدميرها، ومنهم من يقول: «من لا يعجبه يترك البلد ويسافر لأمريكا أو كندا» وقطعا هذا كلام مرفوض جملة وتفصيلاً، والواقع أن هؤلاء لا يمثلون الشعب المصري المتحضر بأخلاقه المتسامحة، ولا يعبرون عن روح الإسلام الداعية للتعايش مع كل الأديان.. وستبقى مصر غير متطرفة لا تعرف الفتنة. بعض القيادات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية تؤجج نار الفتنة.. فما سبب ذلك؟ شاءت إرادة الله أن ينقسم الناس إلى عقلاء وسفهاء، وسيظل هناك سفهاء حتى وإن حملوا لقب «رجل دين».. وأنا أرى أن هؤلاء المتطرفين من الجانبين لا يريدون خيراً للبلد، وهم يسعون فقط وراء مصالح خاصة وأغراض شخصية، وإذا قرأنا الإنجيل والقرآن سنجد نصوصاً واضحة تدعو للتسامح بين الأقباط والمسلمين، إذن من ينكر هذا التسامح يكون خارجاً عن المألوف. وكيف ترى استقواء الأقباط خصوصاً في المهجر بالخارج ومطالبتهم المتكررة بفرض الحماية الدولية على مصر؟ عبارة الحماية الدولية تصدر عن أشخاص غير دارسين للتاريخ، ولا يعرفون الفرق بين الممكن والمستحيل.. والرقابة أو الحماية الدولية بالمعنى الذي يطلبه أقباط المهجر، لم تحدث عبر تاريخ مصر كله.. وهذه المطالب هدفها الوحيد هو إثارة الناس في الداخل، شأنها شأن المطالب بإلغاء معاهدة السلام وبصفة عامة فإن فرض حماية دولية على مصر من الأمور المستحيلة، وعلى هؤلاء أن يناقشوا مشاكلهم بعقل ومنطق بعيداً عن دعوات الإثارة والتحريض. وما الحلول التى تراها للخروج من مأزق التلويح بالحماية الدولية أو الفتنة الطائفية؟ إصلاح التعليم هو أساس إصلاح كل شيء فى مصر.. فالكتاب المدرسي لا يعلّم الطلاب التسامح، ومطلوب إعادة صياغة المناهج بشكل أكثر وطنية بمعنى أنه لا بد من وضع مواد دراسية تؤكد على أن مصر كانت منذ قديم الأذل أرضاً لكل الأديان.. وفيها عاش اليهود والمسيحيون فى سلام مع المسلمين، ولم يحدث تمييز بين المصريين على أساس ديني. وبالفعل بدأنا من خلال المؤسسة الدولية لحوار الثقافات والأديان إلى العمل على تعديل بعض المناهج الدراسية، ولكننا توقفنا حالياً بعد الثورة والأحداث التي أعقبتها، أيضاً التربية في المنزل مهمة جداً لزرع قيم التسامح والتعايش السلمي مع الآخر، ومن بعده يأتي الإعلام، وعليه أيضاً أن يتبنى سياسات واضحة ومحددة ترسخ مبادئ الدين الصحيحة سواء فى المسيحية أو الإسلام، وعليه أيضاً أن يراعي الدقة والموضوعية في تغطياته للأحداث التي تشهدها البلاد، وألا يتحامل على طرف لصالح الآخر، وأعتقد أن هذه الأمور لو تمت معالجتها بالشكل الصحيح لن نسمع أبداً عما يسمى الفتنة الطائفية، ولن يكون هناك مبرر للتلويح بالاستقواء بالخارج. هل يمكن ل«بيت العائلة» احتواء ما يحدث من مناوشات بين المسلمين والمسيحيين؟ بالطبع.. فمن خلاله يمكن مناقشة كل القضايا والمشاكل بشكل موضوعي دون تحيز أو تعصب .. وأنا أشجع اهتمام شيخ الأزهر بهذا المشروع وإصراره على الخروج به إلى النور. لكن البعض يقول إن بيت العائلة غير مجد؟ كل مشروع فى بدايته يواجه مشكلات وعثرات.. ومع الوقت سيثبت بيت العائلة أنه قادر على احتواء جميع المشاكل، خصوصاً وأن المشاركين فيه من الجانبين يتمتعون بحس وطنى عال. ما رأيك فى قرار الأزهر بقطع الحوار مع الفاتيكان؟ أنا دائماً مع سياسة الباب المفتوح، ومن حق الأزهر أن يطالب بالحذر عند الحديث عن الإسلام ورموزه.. وبابا الفاتيكان أخطأ عندما تحدث عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بشكل غير لائق، والآن أعتقد أنه من الأفضل إجراء حوار لتنقية الأجواء بين الطرفين، ومن ثم يعود الحوار بما يخدم الجانبين، وسأحاول قدر جهدي من خلال مشاركتي في مؤتمر «دابكين» أن أقرب وجهات النظر. هل نحتاج إلى الحوار الداخلى أكثر من الخارجى أم ثقافة الحوار يجب أن تكون بالتوازي بين الداخل والخارج؟ الحوار أمر قرآني.. فالقرآن يتكلم عن الإنسان نفسه.. وبعد عشرين عاماً من العمل في مجال حوار الأديان.. توصلت إلى نتيجة مفادها أنه يجب علينا ألا نفصل بين الثقافة والدين، فالفهم الثقافي الذي يتضمن فهما لقيم وتاريخ أي شعب يمكن أن يوفر دعماً رائعا لوجود فهم ديني حقيقي.. وبالطبع لا بد من حوار متوازٍ بين الداخل والخارج، ولكل ذلك غيرت اسم المنظمة التى أترأسها في فرنسا من منظمة حوار الأديان، إلى منظمة حوار الثقافات والأديان. بماذا ترد على المطالبين بإلغاء المادة الثانية من الدستور؟ المادة الثانية تنص على أن الإسلام هو المرجع الأساسي للدستور وكل القوانين، وهي لا يمكن أن تلغى وإنما يمكن أن يتم تعديلها بإضافة جملة تقول: «أما حقوق الأخوة المسيحيين فيكون الأصل فيها هو ما يجمعهم من كتب». ما تفسيرك لرفض الأزهر لقانون دور العبادة الموحد؟ الأزهر والكنيسة يبحثان نظرة جديدة واقعية لبناء دور العبادة، وقد ناقشت شيخ الأزهر فى الأمر وأكد لي أن الأزهر لم يرفض القانون وإنما طلب إعادة صياغته بما يخدم الطرفين.