يعد الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر لحوار الأديان والأستاذ بجامعتي الأزهر والسربون, ومدير مركز الحوار بمشيخة الأزهر, واحدا ممن يحملون علي عاتقهم مد جسور التعاون والحوار مع أتباع الديانات والحضارات والثقافات غير الإسلامية حول العالم.وعلي الرغم من تأييده لقرار الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب بتعليق الحوار بين الأزهر والفاتيكان والذي جاء ردا علي تدخلات بابا الفاتيكان في الشأن الداخلي لمصر, وحديثه غير المبرر عن اضطهاد المسيحيين في الشرق, إلا انه يؤكد أن هذا القرار لا يعني تعليق الحوار مع المسيحيين في بقية دول العالم, مشترطا لذلك ألا يظل العالم الإسلامي طرفا مفعولا به, لا طرفا فاعلا علي مائدة الحوار بين الأديان, وله دور محلي وعالمي في التواصل مع اتباع الديانات والثقافات, إلا أنه يولي أهمية كبري ل' بيت العائلة المصرية' ويري انه الضمانة لمواجهة الفتن الطائفية التي نتعرض لها بين الحين والآخر, وإلي نص الحوار.. بصفتكم مستشار شيخ الأزهر للحوار,هل حقق الحوار الإسلامي المسيحي أو بمعني أشمل الحوار مع الآخر أيا كانت ثقافته وعقيدته نتائج إيجابية ؟ يأتي مركز الحوار بالأزهر بتقنيات جديدة مختلفة ومباديء كثيرة لم تكن موجودة من قبل, فقد كانت مؤسسات وجمعيات ومراكز الحوار في أغلب بلاد العالم الإسلامي طرفا شبه مفعول به, بمعني أنه يدعي ولكن لا يدعي, وغالبا كان المحاور الآخر في شمال المتوسط يفرض الموضوعات وطريقة ومنهج الحوار, وقد كان من عيوب الحوار سابقا التركيز علي أن يكون الحوار إسلامي مسيحي بين العالم الإسلامي أو مصر والكنائس في أوروبا أو الغرب عامة, وكان يتم الحوار في وسط النخبة فقط ولا يصل للجمهور, وقد تدارك مركز الحوار بالأزهر ذلك ويأخذ بزمام المبادرة فيدعو إلي الحوار وقد تم ذلك في عدة مواقف عملية, وقد آتي الأزهر بأشياء جديدة أهمها استدعاء أساتذة أوربيين متخصصين في علوم الإسلام للمناقشة والحوار, وأيضا عدم تجزئة الحوار, فأولويات الأزهر الحوار في مصر أولا, فليس من الحكمة أو الفطنة أن نحاور الغرب أولا, قبل أن نتحاور داخل وطننا. بالإضافة إلي أن الحوار في الأزهر له عدة مستويات,يبدأ بالحوار الإسلامي الإسلامي فحاور الإخوان المسلمين والسلفيين والجهات التي تسمي مدنية او علمانية أي ليست دينية أو تتحدث كثيرا عن الدين, وتمت محاورتهم عن القيم العليا المشتركة التي نؤمن بها جميعا لتفعيلها في المجتمع, وليس هدف الأزهر إقناع الآخرين أو الهيمنة عليهم, لأن الأزهر يؤمن بحق الاختلاف الآتي من القرآن الكريم, يقول تعالي:'..ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم', إذن ففي ظل هذا الاختلاف المذكور أصلا في القرآن يتم التعايش بالحكمة والموعظة الحسنة, ومن مباديء الحوار في الأزهر أيضا أنه لا حوار حول العقيدة,' لكم دينكم ولي دين', فالأزهر الوسطي المعتدل لا يكفر ولايسفه أحد, فحاور المذاهب المختلفة مثل الشيعة والأباضية والوهابية, كما حاور الأديان الأخري وبدأ بحوار مسيحيي مصر أولا, من خلال بيت العائلة المصرية, الذي هو نوع من الحوار المباشر, مع جميع كنائس مصر الأسقفية والكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية, وقد قطعنا فيه مشوار كبير جدا في مناقشة أسباب الاحتقان الطائفي حتي لا تتكرر, فهناك فرق بين مواجهتها مواجهة أمنية لإخمادها في وقتها وإنهاء الأسباب التي تؤدي إلي الطائفية والتي تكونت في ربع قرن من خلال التعليم والإعلام والثقافة, ويشكل وفد من بيت العائلة لمقابلة رئيس الجمهورية, فالحوار في الأزهر عمليا وليس نظريا وظهر ذلك بشكل ملحوظ بعد ثورة يناير, فبدأ الحوار مع المثقفين المصريين وخرجت وثائق الأزهر الشريف والتي نعتب علي الإعلام أنه لم يهتم بها كما تستحق, ومن التوجيهات الجديدة أيضا إلغاء الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للجنة حوار الأديان لأن الحوار لا يقتصر علي الأديان فقط فالحوار مع المسلميين بعضهم وبعض ومع العلمانيين أيضا. ومتي يصبح الأزهر والمؤسسات الدينية طرفا فاعلا في مثل هذا الحوارات؟ الأزهر هدفه الأعلي من الحوار زرع ثقافة الحوار في الشارع المصري أولا, لأنها غير موجودة في الشارع المصري, وكثيرا ما نردد الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, ولكن أسلوب الحوار غير جيد ولا يتفق مع معايير الحوار الصحيحة, ثم نشر هذه الثقافة في العالم العربي بأكمله, أما العالم الغربي فهو متقدم جدا في الحوار,فالمشكلة تكمن في مجتمعاتنا نحن لأن الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة لا يعرف شعبها ثقافة الحوار وينعكس فسادها علي التعليم والثقافة والإعلام المسئولين عن تشكيل وعي الناس, فيجب إصلاح تلك المجالات وخاصة التعليم فتصبح المدارس لصياغة التفكير وليس الحفظ, وتكوين الشخصية العلمية التي تعتمد علي الفهم والتحليل,وأن يكون للطالب رأي في إجاباته علي اسئلة الامتحان, وأن نلغي أسلوب قهر الصغير مثلما يفعل الأب مع أبنائه او المدرس مع تلاميذه لان هذا يخلق مجتمعا مقهورا يستطيع من خلاله الحاكم أن يجد أرضية ممهدة للقهر, فحلم الأزهر ان يسود الحوار المجتمع وبالتالي تسود حرية التعبير عن الرأي بلا خوف فتتقابل الأفكار, يقول تعالي:' اما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض'. أصدر الإمام الأكبر شيخ الأزهر قرارا بتعليق الحوار مع الفاتيكان,ما الأسباب والدوافع, وإلي متي سيظل هذا القرار معمولا به رغم محاولات الفاتيكان المتكررة لاستئناف الحوار الإسلامي المسيحي؟ دولة الفاتيكان وعلي رأسها البابا لها اتفاقية حوار مع الأزهر الشريف, وكان قبل الشيخ الطيب, وإنشاء مركز الحوار كان يتم عادة مرة واحدة في السنة ربما في مؤتمر كبير في القاهرة أو روما, ولكن الأزهر في عهده الجديد لاحظ منذ خطاب البابا في ألمانيا الذي قال فيه صراحة ان الإسلام قام علي العنف والقوة, وإن كان يقال انه نقل لأفكار ورأي الآخرين, ولكن بما أنه لم يرد عليها أو يقول رأيه إذن فقد تبني تلك الأفكار والتي لا توحي بأن هناك احترام للإسلام والمسلمين, إلي أن جاءت أحداث كنيسة الإسكندرية وتصريح البابا في رأس السنة2011 قبل الثورة بأنه لا بد من التدخل لحماية المسيحيين في مصر والعراق, ونحن في مصر نعترف أن هناك عيوبا لابد من القضاء عليها ونناقشها مع الكنائس وبيت العائلة المصرية, فالمسيحيون ليسوا أجانب عندنا وإنما مصر وطنهم, ولم تحدث عندنا مثلا حرب دينية, كما أننا قادرون علي احتواء وحل كافة مشاكلنا, كما أن من الملاحظ أن بابا الفاتيكان لم يذكر أو ينفعل للاقلية المسيحية في فلسطين التي تسحقها الصهيونية واليمين المتطرف, وهنا نراه يكيل بمكيالين, وبالتالي فنحن لا نستطيع الاستمرار في الحوار بهذا الشكل, ولذلك آثرنا تأجيل الحوار وليس إلغاءه نهائيا مع الفاتيكان, حتي نصحح الأرضية له, كما أن تأجيل الحوار مع الفاتيكان لا يعني تأجيله مع المسيحيين في بقية دول العالم,فمشكلتنا مع الفاتيكان فقط, وقد حاولت سفارات ووزارات أن تتدخل لعودة الحوار,واقترح البعض أن يقوم البابا بالاعتذار, وهو ما لم يرضي به الأزهر لان البابا وضعه خاص جدا وليس من المقبول قيامه بالاعتذار, ووجدنا حلا أمثل وهو أن يعلن بابا الفاتيكان في مناسبة كبري ما يأتي:( إن الفاتيكان يعترف بان الإسلام رسالة سماوية كبري انتجت حضارة وحققت ازدهار للعلوم البحتة والعلوم الإنسانية علي السواء), وكانت اللغة العربية لغة العلم الأولي خلال أربعة قرون, ثم ترجمت هذه العلوم من العربية إلي اللغات الأوروبية في مدينة طليطلة بالأندلس, ومدينة بالرموفي صقلية في القرن ال13 الميلادي, وكانت هذه الترجمات من أهم أسس عصر النهضة في أوروبا. وماذا عن' بيت العائلة'؟ وما تقييمكم لدوره في أحداث دهشور ؟ هو مشروع طرحه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في ديسمبر2010 بعد أحداث كنيسة سيدة النجاة في بغداد, وقال لن ننتظر حتي يأتي الخطر إلي مصر, فطرح مشروعه الكبير بهدفيه الأساسيين وهما: إصلاح الخطاب الديني الإسلامي المسيحي, ودراسة مشاكل الاحتقان الطائفي وأسبابها الحقيقية معا للعمل علي حلها في بلدنا, ويتكون بيت العائلة من الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الأسقفية والإنجيلية والكاثوليكية, ثم من مجموعة من علماء مسلمين ومسيحيين من غير الكنيسة وغير الأزهر أي مدنيين, وله مجلس أمناء ومجلس تنفيذي ورئاسته بالتناوب بين شيخ الأزهر وقداسة البابا, وقد بدأ عمله بعد إصدار لائحته وتبليغها لرئاسة الوزراء في وقتها, وقد بدأ عمله أثناء أحداث إمبابة, فأرسل وفدا لتقصي الحقائق ودراستها علي أرض الواقع ثم درس هذه الحقائق في اجتماع مطول ورفع توصيته إلي السيد رئيس الوزراء بأن ما حدث في إمبابة هو عمل إرهابي يجب إيقاف المتورطين فيه أيا كانوا مسلمين أو مسيحيين وتقديمهم إلي محاكمة عادلة وسريعة وتوقيع العقوبات علي من يثبت تورطه فيه, كما نصحنا بإبعاد كلمة الدين لانه لا علاقة له من قريب أو بعيد بالعنف و الأرهاب, ثم استمر العمل ببيت العائلة وتعقد الكثير من اللجان وفي مقدمتها لجنة التعليم وبها14 عضوا من كبار المتخصصين في علم التربية والحضارة والتاريخ والأديان لوضع برامج تعليمية قائمة علي التسامح وقبول الآخر والاتفاق حول القيم العليا المشتركة. وبالنسبة لأحداث دهشور, فقد كان أداء بيت العائلة علي أعلي مستوي, فتم عقد اجتماعا طارئا حضره الأنبا باخميوس ورأس اللجنة شيخ الأزهر, نوقشت فيه التفاصيل وخرجت توصيات أهمها, تكوين وفد من بيت العائلة برئاسة شيخ الأزهر والأنبا باخميوس للقاء مع السيد رئيس الجمهورية لتبادل الآراء في تفعيل القانون وضرورة تطبيقه علي مثيري الأحداث ومروجي الفتنة, أيضا دعوة وزير الداخلية إلي الأزهر للقاء بيت العائلة والتفاهم معه حول ضرورة ضبط الناحية الأمنية والتشديد عليها في أماكن التوتر قبل حدوث الصدامات, من مبدأ الوقاية خير من العلاج, ومن التوصيات أيضا عندما تعقد لجان بيت العائلة ستدعو في كل مرة وزيرا لمناقشة المشكلة الواقعة في إطار اختصاصه مثل التعليم والإعلام والشباب والرياضة إلي آخره. هل الخطاب الديني الحالي قادر علي احتواء تلك المشكلات؟ مازال الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي غير قادر حتي الآن علي احتواء تلك المشاكل, ونقصد القضاء علي الأرضية غير الصالحة والتي تنبت المشاكل, ويري بيت العائلة أنه من الضروري القيام بحملات إعلامية دينية يبث فيها الخطاب الديني الوسطي المعتدل المتسامح, ومحاصرة الإعلام الديني المنفلت وغير الملتزم بوسطية الإسلام. في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأصوات التي تهاجم الأزهر وترفض أن يكون المرجعية الدينية الوحيدة في مصر.. فما تفسيرك لهذا ؟ إذا وجد في مصر أو غيرها تيارات أو أفراد ينازعون الأزهر حقه الأول والراسخ في المرجعية الإسلامية الوسطية فلا شك أن هؤلاء غافلون عما يحدث حولهم, لأن ردود فعل نشاط الأزهر الوطني والعلمي والديني في العالم العربي والإسلامي وفي العالم كله واضحة تماما ولا ينكرها إلا من يريد أن يحجب عينيه عن ضوء الشمس فإنه لا يضر الشمس وإنما يضر عينيه, فالأزهر هو المعهد العلمي العالمي الوسطي منذ ألف وخمسين سنة والذي يشع نوره في العالم كله وتعترف به كل المذاهب وكل التيارات الفكرية, فإن وجدت استثناءات لذلك فلا عجب فالاستثناء يؤكد القاعدة.