فاطمة أحمد كمال الدين شاكر، فتوش، شادية، مدام طماطم. هذه هى الأسماء التى اقترنت بها الأفضل فى فن التمثيل من المطربات. الاسم الأول هو الاسم الرسمى فى شهادة الميلاد، والاسم الثانى هو قرينها التركى والاسم الثالث هو قرينها فى عالم الفن وهو الذى اختاره لها المطرب والموسيقار والممثل محمد فوزى وذلك ليقنع والدها المهندس فى التفتيش الملكى أحمد كمال الدين شاكر لتعمل معه فى فيلم «العقل فى اجازة».. بعد أن يئس المخرج حلمى رفلة أن يوافق أبوها على أن تعمل فى السينما مرة أخرى بعد ظهورها فى فيلم «أزهار وأشواك» حيث يبدو أن هناك من الأقارب من استنكروا عملها فى السينما. ولكن محمد فوزى بما لديه من ذكاء وقدرة على المحاورة استطاع أن يقنع الأب بعد أن اختار لها اسم شادية الذى استوحاه من اسم فيلم «شادية الوادى».. بطولة ليلى مراد من إخراج وتمثيل يوسف وهبى.. أما الاسم الرابع مدام طماطم فقد كان يناديها به المقربون من العاملين فى الوسط السينمائى خاصة المخرج هنرى بركات. ............................................................................... كانت أول مرة رأيتها فيها فى محطة قطار سيدى جابر، ولست أذكر إذا كنت وقتها ما أزال طالبا فى كلية الآداب أم كنت أعمل مدرسا أم كنت دخلت مجال الفن السينمائى، لكنى أتذكرها جيدا وهى تهبط من القطار وماذا كانت ترتدى وشعرها الذى صبغته باللون الأصفر وطوله الذى ظهرت به فى معظم أفلامها بعد فيلم «المرأة المجهولة» كان بصحبتها المخرج حلمى رفلة والممثلة ميمى شكيب. كانت ترتدى ثيابا بسيطة وتسبقها ابتسامتها العذبة التى لازمتها طوال حياتها وكان من الواضح أنها جاءت إلى الإسكندرية من أجل العمل وليس من أجل الراحة أو الفسحة فالوقت لم يكن صيفا، وبالطبع لم أضع فى حسبانى بأن هذه النجمة الجميلة الرقيقة سوف أعمل معها أو تعمل هى معى وتنعقد بينى وبينها صداقة قوية. الأسم الفنى وعندما عملت فى مجال السينما كانت تأتينى أخبارها عن طريق الصديق المخرج محمد عبدالعزيز والصديق المخرج المرحوم أحمد ياسين حينما كانا يعملان مساعدين للمخرج حسين كمال فى فيلم «نحن لا نزع الشوك» يحدثاننى عن رقتها وإنسانيتها فى معاملاتها لمن يعملون معها فى الفيلم وخاصة الشباب الجدد حيث كانت تحنو عليهم حنو الأم لأولادها فجعلنى هذا أزداد تعلقا بها. أحسن محمد فوزى اختيار الاسم الفنى لها فهى فى الحقيقة كانت شادية فى أغانيها. كانت تضع طاقتها فى احاسيسها فى فن التمثيل وهى تغنى فقد كانت تحيل الأغنية إلى قطعة درامية تفيض بالحزن أو بالبهجة ويساعدها على ذلك ما يملك صوتها الجميل من طبقات الأداء المختلفة فقدمت لنا ما يقرب من 650 أغنية لا يمل المرء سماعها. خير من أدرك أبعاد صوتها هو الموسيقار العظيم محمود الشريف ووصل بطبقات صوتها أحيانا إلى أقصى القرار حتى أصبحت كمن تتهجد والتقط بليغ حمدى هذا الأسلوب فى أغنيتها «يا حبيبتى يا مصر» ووصلت إلى قمة هذا الأسلوب فى آخر أغنية لها «خد بايدى» لملحن جديد لست متأكد من اسمه الآن وربما «عبدالمنعم البارودى». ابتسامتها والبهجة كانت المرة الثانية التى رأيتها فيها عن قرب شديد وذلك بعد ما يقرب من خمس سنوات. كان المخرج حسن رضا يقوم بتصوير فيلم تسجيلى عن نشاط شركة فيلمنتاج وكنت أعمل معه كمساعد. دخلنا أحد بلاتوهات ستوديو الأهرام حيث كان المخرج فطين عبدالوهاب يقوم بتصوير فيلم «مراتى مدير عام» كانت شادية موجودة فى الديكور وابتسامتها على شفتيها ومرحها يضفى البهجة على سير العمل، وسألت شادية المخرج عن اللقطة التى سوف يقومون بتصويرها فقام فطين عبدالوهاب بشرحها ثم انهى كلامه بطريقته المرحة وهو يصيح لها: وبعد مايخلص الشوط طبعا حاتسألينى ايه رأيك يا أستاذ فطين؟ حاقولك زفت. فتضحك شادية باستغراب ويضحك الجميع. وغادرت البلاتوه أنا والمخرج حسن رضا دون أتحدث ولو بكلمة مع شادية ولكنى كنت فى هذه المرة أتوقع أننى سوف أراها مرة أخرى وربما أتحدث معها. وبعد ما يقرب من الثلاث سنوات قمت بكتابة سيناريو فيلم «ليل وقضبان» عام 1973 واتفقت أنا والمخرج أشرف فهمى أن تقوم شادية بدور زوجة المأمور، وأخترنا محمود مرسى فى دور مأمور الليمان ومحمود يس فى دور السجين الذى تقع الزوجة فى حبه.أرسلنا السيناريو إلى شادية وكنت أنا الذى يتولى الحديث معها من خلال التليفون.. أبدت لى إعجابها الشديد بالسيناريو. وكم كانت فرحتنا كبيرة أنا وصديقى المخرج أشرف فهمى. قام معظم العاملين فى الفيلم بالتعاقد مع شركة فيلمنتاج ماعدا شادية قمت بالاتصال بها فإذا بصوت امرأة يرد على مكالمتى ويسألنى عما أريده فشرحت لها الأمر فاخبرتنى بأن المدام ليست موجودة، فسألتها عمن تكون فأخبرتنى بانها الشغالة. بعد انتهاء المكالمة شعرت بقلق غريب فى داخلها ووجدتنى استعيد نبرة الصوت فإذا تشبه نبرة صوت شادية إلى حد ما وعندما اتصلت بها فى اليوم التالى فإذ بها تغير صوتها فأدركت أنها تتهرب من العمل فى الفيلم بعد أن كانت متحمسة لللغاية. واكتشفت أنا والمخرج أشرف فهمى أن أحد مساعدى الإخراج القدماء هو وزوجته التى كانت تعمل مساعدة إخراج أيضا وهما من أقرب أصدقاء شادية فى ذلك الوقت قاما بتحذيرها من العمل مع مخرج جديد خاصة أن آخر فيلم قامت ببطولته وهو فيلم «ذات الوجهين» قد فشل فشلا ذريعا. بعد مشاهدتها لفيلم «ليل وقضبان» اعتذرت لأشرف فهمى لما بدر منها وأبدت ندمها أنها لم تعمل فى هذا الفيلم وطلبت من أشرف أن يقدم لها موضوعا آخر، فهى متحمسة للعمل معه، وأخبرنى أشرف بتفاصيل المكالمة بينه وبينها وطلب منى أن أكتب لها موضوعا. قفز إلى ذهنى على الفور موضوع الأسطورة اليونانية فيدرا. المرأة المتزوجة من رجل عالى المقام كثير المشاغل وهى الزوجة الرقيقة الجياشة العاطفة فتقع فى حب ابنه الشاب المتعلق بحب أمه التى ماتت وتركته وحيدا، ويناصب الابن زوجة أبيه العداء ولكنها تستطيع بحنانها ورقتها وتسامحها أن توقعه فى حبها. كنت على يقين بأن شادية خير من تجسد هذه الشخصية، تملك وجها تعشقه الكاميرا وصوتا ينفذ إلى القلب فور سماعه، تمثل بأحاسيس الغناء، خير من عملت معهم من المخرجين هم الذين يشرحون لها الدور ثم يتركونها على سجيتها ولا يقيدونها بأداء يفرضونه عليها، كانت تعطى بأدائها قيمة للمشهد الذى تقوم بتمثيله.. تنفث فيه الحيوية، تجعله يتوهج، لم يكن أداؤها ينتمى إلى مدرسة من مدارس التمثيل المعروفة، بل يمكن أن نقول إنه كان تلخيصا لكل هذه المدارس حيث تسود التلقائية والبساطة والصدق. كان صوتها يتلون فى الأداء حسب إحساسها المرهف بما تريده الكلمات أو بما أن يمليه الحدث، كانت تبدع فى التمثيل عندما كانت تعمل مع صلاح أبوسيف وكمال الشيخ وبركات وحسين كمال وأشرف فهى، هؤلاء هم المخرجون الذين يجيدون شرح الأدوار للممثل ثم يضعونه داخل المشهد ليمارس إبداعه دون أن يفعلوا مثل حسن الإمام أو عزالدين ذوالفقار العاشقين لأسلوب الميلودراما والمشهور عنهما القيام بتمثيل اللقطة أو المشهد للممثل حتى يقوم بالتقليد فلا يمنحاه بذلك حرية الإبداع. ارتبطت شادية بأفلام مأخوذة عن روايات لنجيب محفوظ كان أول فيلم مأخوذ عن رواية «زقاق المدق» من إخراج حسن الإمام، حاول حسن الإمام أن يفرض عليها أداء حيث كان يريدها أن تقلد نساء الأحياء الشعبية بطريقته هو المبالغ فيها فى الكلام والحركات ولذلك جاء أداء شادية فى هذا الفيلم مفتعلا على غير تلقائيتها البسيطة المحببة عند جمهورها. على عكس كمال الشيخ الذى تركها على سجيتها فى فيلم «اللص والكلاب» وفى فيلم «ميرامار» حيث كان الأداء أفضل بكثير ويتسم بالبساطة والاقناع. وفى فيلم «الطريق» لم يفهم المخرج حسام الدين مصطفى الرواية أصلا وانما تناول السطح واتخذ هو الآخر أسلوب المبالغة والتزيد فجاء أداؤها مضطربا، بل إن روايتى لهذا الفيلم جعلتنى أقوم بمعالجة الرواية مرة أخرى فى فيلم «وصمة عار». وكان هناك سيناريو مأخوذ عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ باسم «الشريدة» كتبه أحمد صالح على أن يقوم بإخراجه أشرف فهمى، وعندما قرأته شادية رفضته. قمت بقراءة هذا السيناريو وسألنى أشرف عن رأيى فأخبرته بأن شادية كانت مؤدبة عندما اكتفت بان قالت إن السيناريو لم يعجبها، حيث كان المفروض أن تخلع حذاءها وتلقيه فى وجهه هو وكاتب السيناريو. المهم أن هذا السيناريو اشترك فى كتابته ثلاثة كتاب بعد أن لفظ أشرف فهمى كل ما كتبه أحمد صالح وقامت نجلاء فتحى ببطولته أمام محمود ياسين واشترطت نجلاء كالعادة أن أقوم بوضع اللمسات الأخيرة عليه. عندما علم الصديق المنتج وجيه رياض أننى أقوم بكتابة فيلم بطولة شادية طلب منى ومن أشرف أن يكون هذا الفيلم من إنتاجه، كان وجيه رياض صديقنا وزميلنا فى العمل بمؤسسة السينما، وكان قد ذهب للعمل لفترة فى بلدان الخليج ثم عاد إلى مصر ليعمل فى مجال الإعلانات السينمائية ثم كانت لديه الرغبة فى إنتاج الأفلام الروائية. قرأت شادية الملخص الذى قمت بكتابته تحت اسم «امرأة عاشقة» وكان ملخصا وفيا فى نحو عشرين صفحة. أبدت لنا شادية إعجابها الشديد بما قرأته ولكن للأسف لم يستطع وجيه رياض أن يحصل على توزيع مناسب للفيلم. انتهى الأمر بأن لجأت أنا وأشرف فهمى إلى محمد رجائى الذى رحب بإنتاج الفيلم خاصة عندما علم أن شادية قد قرأت السيناريو وأعجبها وأنها فى غاية الحماس للقيام ببطولته. كان محمد رجائى رئيسا لشركة الإنتاج السينمائى فى مؤسسة السينما وبعد خروجه على المعاش عاد إلى مكتب شركته الخاصة وهى عبارة عن حجرة ومخزن صغير فى العمارة نفسها التى كان يسكن فيها المخرج حسين كمال فى شارع عماد الدين بجوار سينما بيجال. وافق محمود مرسى على العمل فى فيلم «امرأة عاشقة» وكان أشرف فهمى قد غضب منه فى أثناء عمله فى فيلم «ليل وقضبان»، وذلك لأن محمود مرسى كان يكثر المناقشة فى أثناء التصوير وكاد يتشاجر معه أشرف لأنه سبق أن وافق على كل شيء فى السيناريو وانتهى الأمر، فلماذا هذه المناقشة فى البلاتوه. ولولا أن تدخلت فى الأمر لكان قد حدث ما لا يحمد عقباه من جانب أشرف. كان محمود مرسى يرتاح للعمل مع شادية ويراها من ناحية السن والإجادة فى التمثيل مناسبة له، وهذا ما شجعه على العمل فى فيلم «امرأة عاشقة»، وعندما أعطيناه نسخة من السيناريو لقراءته فإذا به يسألنا فى خبث: «هو ده السيناريو اللى حانحلف عليه»؟ فضحكت أنا وأشرف الذى أخبره بأن ذلك ليس هو السيناريو النهائى، ولذلك مسموح له بالمناقشة وإبداء الرأى. اشترك حسين فهمى فى بطولة الفيلم، حيث رحبت به شادية كثيرا. كان آخر فيلم لشادية قبل فيلم «امرأة عاشقة» هو فيلم «ذات الوجهين» المأخوذ عن الفيلم الإنجليزى «سيدة الأقمار السبعة» إنتاج 1946 من إخراج آرثر كرابترى وتمثيل ستيوراث جرانجر وفبليس كاليثر باتريتشيا روك. قام فيصل ندا بنقل الفيلم بحذافيره وأخرجه حسام الدين مصطفى. شارك عزت العلايلى شادية فى البطولة، ولكن الفيلم لقى فشلا ذريعا. حاول حسام الدين مصطفى أن يرجع السبب إلى شادية وأن الجمهور قد انصرف عنها. ولم تحاول شادية أن تدافع عما قاله المخرج بل إنها التزمت الصمت. كانت إنسانة رقيقة شفافة، تتحمل الإساءة ولا ترد بمثلها. من أفضل من قابلت من نجمات السينما المصرية هى وسعاد حسنى ونجلاء فتحى إن لم تكن أفضل الجميع فى حسن المعاملة. لم أسمعها قط تغتاب زميلة منافسة لها كما يحدث من بقية النجمات أو تتشفى فى فشل فيلم لم تعمل فيه. كانت عندما تقرأ السيناريو كانت تبدى ملاحظاتها فى حرج شديد وتعتذر على أن هذا هو إحساسها، وكانت بالفعل تتميز بالإحساس المرهف وعلى صواب فيما تقوله. كانت تضفى الحيوية عند أدائها للمشهد وتمنحه قيمة. حيث تجعله يتوهج. تفانت فى أداء دورها فى فيلم «امرأة عاشقة»، حضرته تقريبا معظم أيام التصوير إعجابا بما تقوم به من فن رفيع، وكانت زوجتى تحضر معى أحيانا، فقد كانت تعشق شادية غناء وتمثيلا وأحبتها شادية حتى إنها كانت تلومنى إذا حضرته بمفردى. قام بتصوير الفيلم المبدع مدير التصوير مصطفى إمام، فكانت إضاءته خير تعبير درامى لأحداث الفيلم. وقام بعمل المونتاج سعيد الشيخ أفضل مونتير فى السينما المصرية. وكنت أحضر جلسات المونتاج، حيث كانت تدور بينى وبينه وبين أشرف فهمى مناقشات لو جرى تسجيلها لأفادت كثيرا طلبة معهد السينما. بعد نجاح فيلم «امرأة عاشقة» سارع المنتج عبد العظيم الزغبى بطلب فيلم آخر لشادية من أشرف فهمى. طلب أشرف من الأديب ثروت أباظة أن يرشح إحدى رواياته لتقوم شادية ببطولتها. رشح له ثروت أباظة رواية «أمواج بلاشاطئ» ورشح له فى الوقت نفسه كاتب سيناريو كان مقربا إليه يدعى مصطفى بركات. لم يمانع أشرف فهمى خاصة أننى كنت فى تلك الفترة مشغولا، هذا بالإضافة إلى أن أشرف كان قد قاطعنى بعد موضوع جوائز مسابقة وزارة الثقافة، حيث حصلت على الجائزة الأولى فى السيناريو عن فيلم «ليل وقضبان» ولم يحصل هو عن أى جائزة فى الإخراج وكأننى أنا الذى كنت أمنح هذه الجوائز. كتب مصطفى بركات السيناريو والحوار لرواية «أمواج بلاشاطئ» فلم يعجب أشرف فهمى ولم يتحمس له ثروت أباظة. فاقترح المخرج أحمد ياسين الذى كان المساعد الأول لأشرف فهمى فى ذلك الوقت أن أقوم أنا بتعديل السيناريو. لم يبد أشرف حماسا مما جعل ثروت أباظة يسأله عن إنجازاتى فأخبره أحمد ياسين بالأفلام التى قمت بكتابتها، فعلى الفور تحمس ثروت أباظة ولم يجد أشرف بدا سوى أن يوافق وكلف أحمد ياسين بأن يقوم بالاتصال بى وإعطائى السيناريو الذى كتبه مصطفى بركات لأقرأه لمعرفة رأيى فيه. قرأت السيناريو فوجدته كارثة لا يمكن إصلاحها. قابلت بعد ذلك أشرف فهمى وأحمد ياسين وأخبرتهما برأيى وأنه لابد من إعادة كتابة هذا السيناريو كله، وكذلك لابد من قراءة الرواية التى كتبها ثروت أباظة أولا، قدم لى ثروت أباظة نسخة وكتب عليها إهداء رقيقا منه. لم أستطع للأسف أن أستمر فى قراءة الرواية فقمت بالاتصال به تليفونيا وسألته عما كان فى رأسه وهو يكتب هذه الرواية فأخبرنى بأنه استوحاها من قصة الملك فاروق وأمه الملكة نازلى ورئيس ديوانه ومربيه أحمد حسنين باشا. بدأت أفكر فى إطار هذا الثالوث: الابن البريء والأم العاشقة والمربى القدوة الذى هو فى الحقيقة عشيق الأم. كنا نجتمع كل ليلة فى بيت ثروت أباظة بالزمالك الذى يقع فى نهاية شارع حسن باشا صبرى أنا وأشرف وثروت وأحمد ياسين، نتناقش الرواية ويبدى كل واحد اقتراحاته. وكان ثروت أباظة كريما غاية الكرم ويقيم كل ليلة لنا مأدبة عشاء. لم أقابل من هم فى أخلاق ثروت (باستثناء نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس) وكان المرء لا يقصده فى خدمة أو وساطة إلا ويلبيها على الفور. عندما انتهيت من كتابة السيناريو جلست أنا وأشرف وأحمد ياسين لنرشح الأدوار، فاخترنا رشدى أباظة لدور المربى وحسين فهمى لدور الابن وليلى فوزى لدور الأم وعادل أدهم ومديحة كامل من الحاشية التى أفسدت الابن. اعتذر رشدى أباظة لأسباب لا أعرفها، فرشحنا محمود مرسى بدلا منه، لكن المشكلة الأساسية كان دور امرأة الليل التى سوف يتزوجها الابن بعد أن يكشف خيانة أمه مع مربيه، كانت المشكلة أنها لا تظهر إلا بعد نحو نصف ساعة من زمن الفيلم، حتى إننا صرفنا النظر عن شادية لأنها لن ترضى بوضع كهذا. واقترح أشرف أن نحاول معها حتى إذا طلبت تعديلات نقوم بعملها، لم أوافق على اقتراح أشرف هذا فقد خشيت أن تظن أننا نستهين بها واقترحت أن تقوم ناهد شريف بالدور. ولكن أشرف أصر على إرسال السيناريو إلى شادية وليكن ما يكون. ذهبت فى اليوم التالى ليلا إلى بيت أشرف وبدأت ألومه على ما فعل، وبينما نحن جالسين نتحدث دق جرس التليفون ورد أشرف ومن بداية الحديث أدركت أنها شادية فرجف قلبى وتسمرت نظراتى على أشرف وهو يتحدث معها فى التليفون، فإذا بوجهه يضيء وتتهلل أساريره وبدت الفرحة فى صوته فأدركت أن شادية وافقت على أن تلعب الدور، وعندما علمت بوجودى طلبت أن تتحدث معى، لم تعطنى الفرصة لأن أتكلم بالتحية والسلام وإنما بادرتنى على الفور بالإشادة بهذا السيناريو وكتابتى لدور البطلة الذى يختلف عن أدوار نساء الليل التقليدية فى الأفلام المصرية. حصلت شادية على الجائزة الأولى فى التمثيل فى مسابقة وزارة الثقافة عن فيلم «أمواج بلا شاطئ»، وأصبحت بمثابة المستشار الفنى لها، حيث تأخذ رأيى فى كل ما يعرض عليها من أفلام. أقامت غرفة صناعة السينما مع نقابة المهن السينمائية احتفالا لتكريم بعض العاملين فى السينما من نجوم ومخرجين وكتاب وكان الاحتفال بالنهار وليس ليلا كالمعتاد، حيث حصلت شادية على جائزة تقديرية عن فيلميها «امرأة عاشقة» و»أمواج بلا شاطئ» ،وحصل أشرف فهمى على جائزة تقديرية عن فيلم «أمواج بلا شاطئ»، بينما حصلت أنا على جائزة تقديرية عن مجموع أعمالى، وقمت أنا وأشرف بالاتصال بشادية وأخبرناها فطلبت منا الحضور إليها على الفور وصوتها يغرد بالفرحة. وعندما ذهبنا إليها فوجئنا بأنها تستقبلنا بلا مكياج حاسرة الرأس الذى اشتعل شيبا وهى لا تبالى بذلك وربما كنت أنا وأشرف الوحيدين اللذين شاهدا شادية بهذا الوضع، استقبلتنا فى فرحة بالعناق والقبلات وكانت للأسف هذه هى المرة الأخيرة التى أراها فيها. كان آخر فيلم لها هو «لا تسألنى من أنا» من إنتاج وإخراج أشرف فهمى، وعندما حدثها أشرف عن الفيلم سألت أشرف: لماذا لم أكتب الفيلم؟ فأخبرها بأننى كنت مشغولا للغاية، فإذا بها تسأله «هو مصطفى قرأ السيناريو»؟، فكذب عليها أشرف وأخبرها بأننى قرأته وأعجبنى، فطلبت منه أن يرسل لها السيناريو بعد أربعة أيام لأنها سوف تكون بالقرب من إحدى قريباتها مريضة فى أحد المستشفيات، وسارع أشرف بإعطائى السيناريو وطلب منى أن أقرأه عنده فى بيته وأتناول الغداء معه ليعرف رأيى، وبالفعل قرأت السيناريو فوجدته فى حاجة إلى إعادة كتابة، واقترحت عليه أن يقوم بهجت قمر بهذه المهمة لانشغالى وقمت بكتابة ملاحظاتى بالتفصيل. وبالفعل قام بهجت قمر وأشرف بالعمل ليل نهار فى إصلاح السيناريو حسب توجيهاتى وبعد أربعة أيام تسلمت شادية نسخة من السيناريو وقرأته ووافقت عليه.