ليست مجرد سقطة من مسئولة محدودة الخبرة، بل بالون اختبار جديد واستفزاز وقح يجب الرد عليه على المستوى الشعبى والرسمى والأكاديمى والإعلامي..الحديث هنا عن تصريحات للوزيرة الإسرائيلية جيلا جملئيل استبقت بها زيارة للقاهرة لحضور مؤتمر إقليمى وجاء على لسانها: أن سيناء هى أفضل مكان لإقامة الدولة الفلسطينية. والخطير أن «الفكرة» أو «الدعوة» استندت إلى أن «سيناء بها إرهاب ووضع أمنى غير مستقر»! وكأنها تعلم مسبقا أن حادثا ضخما سيقع بعد ذلك التصريح بأيام متمثلا فى استهداف مسجد فى قرية ليخلف مذبحة غير مسبوقة! وكأنها تعلم أيضا أن هدف هؤلاء الإرهابيين غير المعلن ليس السيطرة على الأرض وإدارتها وفقا لرؤاهم ومخططاتهم، بل فقط منح هذه الأرض لطرف ثالث وحينها سيتوقف الإرهاب! بداية السيناريو الصادم تمثل فى حوار أدلت به الوزيرة «جيلا جملئيل» لدورية يصدرها المستوطنون تحمل اسم «ريبونوت» (سيادة) قبل زيارتها للقاهرة بنحو أسبوعين، والوزيرة تشغل منصب نائب رئيس الكنيست،..وهى تنتمى للجناح الأكثر تطرفا داخل الليكود. وكان أن يمر الحوار الصحفى دون أن يلفت الأنظار كثيرا لولا أنه يأتى بعد بضعة أشهر من تغريدة على الحساب الشخصى لأيوب قرا (الوزير الدرزى المثير للجدل) تحدث فيها أيضا عن: «توافق على دولة فلسطينية فى غزةوسيناء». وسرعان ما تراجع عنها، واعتذر قائلا «فكرة سيناء تصورى الشخصى وقد أوضحت ذلك للحكومة وأعيد توضيحه للإعلام..والرئيس السيسى محل تقدير». كان يمكن أن نقرأ التصريحات بشكل مختلف ونقلل من شأنها لو لم تكن هناك خطة صهيونية معلنة لجعل شمال سيناء امتدادا لغزة منذ الخمسينيات، ثم تكرر طرحها عام 2009 بواسطة الجنرال جيورا إيلاند، ثم بيانات رسمية من مكتب رئيس الوزراء تتحدث عن سيناء ومصر، ككيانين منفصلين عند التحذير من هجمات إرهابية محتملة (كثيرا ما تكون صادقة). وتأتى هذه التصريحات وذاك الطرح فى هذا التوقيت وكأنه دق لاسفين فى جهود المصالحة المصرية بين حماس وفتح..ودفعنا فدعا نحو معركة جانبية، ومزايدات من داعمى الإرهاب. ما تحيكه إسرائيل حاليا سيناريو تم تجربته مع الأردن كوطن بديل والزعم أن الانتداب البريطانى والوعد المشئوم بإقامة بيت قومى لليهود فى فلسطين يمتد للأردن أيضا. ويطل علينا موقف المسئولة الإسرائيلية برأسه، وكأنه حينما يظل الوضع بلا أى تقدم ومسيرة السلام عالقة فى مستنقع صناعة إسرائيلية قائم على الصلف والمراوغة والمناورة، فإن المستحيل (متمثلا فى منح أرض الغير للفلسطينيين) يصبح فكرة مطروحة للنقاش فى إسرائيل! والغريب أن يكون مصدر هذه الفكرة هو إسرائيل التى بجانب أنها دولة احتلال فإنها وفقا لكل المقاييس دولة غير طبيعية فقد قامت بدون أحد أركان قيام أى دولة وهو وجود شعب على الأرض، وحين تقرر لها أن تقوم كانت البدائل والخيارات متنافرة: الارجنتين، أوغندا، سيناء، وفلسطين، وحين اصطدمت المخططات بعوائق ورفض قوى تم اللجوء إلى السيناريو الأخير فقط لأن القوى العظمى آنذاك بريطانيا ثم الولاياتالمتحدة من بعدها ارتأت فى هذا مصلحة مزدوجة فهى من جانب تفتت العالم العربى الطامح للاستقلال والنهوض لاستعادة مكانته الدولية، وفى الوقت ذاته تمكن الغرب من التخلص من اليهود.. وعلى هذا لا يمكن لدولة غير طبيعية فى الذكرى المئوية لصدور الوعد الأول فى 2 نوفمبر 1917, أن تصدر «وعد بلفور معكوس» تمنح فيه جزءا من أرض بلد جار إلى شعب احتلت هى أرضه وارتكبت بحقه جرائم حرب، وبعد أن أدانها العالم مرارا وتكرارا. المطلوب رد فعل أقوى وملموس حتى ولو كان البديل قطع التواصل مع نتنياهو وحكومته حتى يغير سياساته القائمة على قتل الوقت, وبشكل مؤقت يجب المراجعة والتدقيق فى تاريخ ومواقف كل شخصية إسرائيلية تسعى لزيارة مصر أو المشاركة فى فعاليات بها، لأن الفرز مطلوب ولا يجب على الإطلاق المساواة بين لصوص الأوطان ومجرمى الحرب، وبين دعاة السلام وأنصار الاعتدال النسبى فى إسرائيل. لقد منحت مصر الفرص بسخاء للسلام الدافئ القائم على العدل وعلى منح الفلسطينيين حقوقهم، ولن يكون الحل على الإطلاق أن تدفع مصر فواتير الجرائم الصهيونية عبر التاريخ، وأن يدير المجتمع الدولى ظهره للقرارات التى أصدرها بنفسه على مدى عشرات السنوات ضد دولة الاحتلال ويستجيب إلى مخططات ووعود المحتلين والإرهابيين . لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور