يستوقف المراقب للمشهد السياسي الحالي في إسرائيل أن المستوطنين، الذين يمثلون أقلية داخل المجتمع الإسرائيلي، صاروا يتحكمون في قرار الأغلبية من غير المستوطنين، وأن قياداتهم الذين ينتمون في الأساس لحركة «كاخ» التي يحظرها القانون الإسرائيلي ذاته لعنفها وتطرفها وعنصريتها، باتوا يتحركون بحرية تامة داخل الكنيست، بل داخل الائتلاف الحكومي.. فكيف سيؤثر هذا علي مسيرة السلام التي تحاول مصر بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وفرنسا ودول أخري إعادتها لمسارها الصحيح؟ وما هو حجم تأثير هؤلاء المستوطنين علي الجهود الحالية الرامية لإتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وإنهاء الانقسام. عدد المستوطنين في الضفة الغربية الآن يمثل 12% من إجمالي السكان، حيث يقطع هؤلاء أوصال الضفة ليجعلوا من الحياة اليومية ل 88% من سكان الضفة غاية في الصعوبة؛ فعلي سبيل المثال يمرر نحو 800 مستوطن فقط حياة 200 ألف فلسطيني في الخليل، وفيما يتعلق بإجمالي عدد المستوطنين في الضفة فإنه بلغ 399300 نسمة (أي نحو 5% فقط من إجمالي السكان في إسرائيل) وبعضهم لا يقيم طول الوقت داخل المستوطنات، حيث يقضي الليل داخل (أراضي ال 48) لكنهم يضعون حل الدولتين في خطر داهم. وفي المقابل تطالب القوي اليسارية وحركات السلام في إسرائيل بوقفها البناء فيها فورا وإخلائها. والغريب أنه في ظل تصريح لزعيم البيت اليهودي ووزير التعليم العالي نفتالي بينيت «كلنا مستوطنون» فإن الحكومة الإسرائيلية ذاتها تصنف بعض المستوطنات علي أنها بؤر استيطانية غير شرعية، وتفاوض من فيها علي الإخلاء لكونها مشيدة خارج المخطط الحكومي للاستيطان، أو لأن تأمينها وسط الفلسطينيين وبمعزل عن بقية الكتل الاستيطانية الكبري سيتكلف ميزانيات طائلة. إلا أن القانون الدولي من جانبه صنف كل أنواع الاستيطان علي أنه «جريمة حرب» لأنه يقوم علي نقل سكان، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف أكدت «عدم جواز قيام المحتل بنقل وترحيل سكانه المدنيين». وعلي الصعيد الميداني كان المستوطنون يختارون نقاطاً إستراتيجية مرتفعة أو متحكمة في محاور طرق مهمة لتشييد بؤر استيطانية جديدة بالمخالفة حتي للقانون الإسرائيلي، فضلا عن تشييد بؤر استيطانية علي كيلو متر تقريباً من المستوطنة الأصلية (المخالفة بالطبع للقانون الدولي) بهدف توسيع المستوطنة. أو إنشاء بؤرة استيطانية بين مستوطنة قائمة ومستوطنة أخري لخلق كتلة استيطانية بطريقة فرض الأمر الواقع، مع ممارسة الإرهاب علي المدنيين من الفلسطينيين حيث لم يتورعوا عن قتل الأطفال والرضع وجرائمهم ضد الطفل محمد أبو خضير، والرضيع علي الدوابشة خير شاهد، وبدلا من التصدي الرسمي لهم في إسرائيل صدرت تصريحات مساندة لاغتصابهم للأراضي الفلسطينية من أريئيل شارون حين كان وزيرا للخارجية، ومن موشيه يعلون حينما كان وزيراً للدفاع. والسؤال المطروح هنا: هل يتم توظيف هؤلاء أو مغازلتهم لكسب أصوات في الانتخابات أم أن الأمر قد خرج عن نطاق السيطرة وباتوا يتحكمون هم في القرار الحكومي الإسرائيلي؟ والملاحظ في هذا السياق أن قيادات المستوطنين كانت وما زالت تعتنق أفكار حركة «كاخ» المحظورة، والمصنفة إرهابية في حكم لمحكمة إسرائيلية صدر بعد مذبحة الخليل، ومع هذا يمارسون عملهم السياسي بكل أريحية، بل يخوضون انتخابات الكنيست! ومن النماذج البارزة علي ذلك باروخ مارزيل من مواليد الولاياتالمتحدة حيث كان أميناً عاماً لحركة »كاخ« ثم تولي رئاستها بعد اغتيال زعيمها مائير كاهانا، ومع هذا شارك في تشييد عدة مستوطنات في الضفة الغربية (عوفرا، وماستبيه يريحو، كيدوميم، عتسمونا، حاستير ادر)، وشارك في انتخابات الكنيست الحالي ضمن قائمة حزب ياحد، حيث تم وضعه في مركز متقدم، لكنه مع هذا لم يحصل علي أصوات تتيح له الانضمام للكنيست إلا في حالة استقالة أو وفاة من يسبقوه في القائمة. ومن سجله «الحافل» حرق منازل للفلسطينيين، والاحتجاج العنيف علي إخلاء مستوطنة ياميت في سيناء، والاحتجاج العنيف علي لقاء الحاخام الرئيسي لإسرائيل ببابا الفاتيكان، وسبق اعتقاله علي خلفية ارتكاب المستوطن باروخ جولدشتاين مذبحة الخليل! في ضوء ما سبق ونظراً لحدوث مستجد هو قبول عضوية فلسطين في الإنتربول يجب العمل علي إعداد قائمة من المتورطين في جرائم الاستيطان لملاحقتهم دوليا، وخوض معارك توعية تضع الرأي العام العالمي، بل والإسرائيلي أمام مسئولياته أمام جرائم تطل برأسها بكل صلف حتي إزاء الأطفال والأماكن المقدسة، خاصة وأن قيادات المستوطنين لن تتورع عن محاولة نسف جهود إحياء عملية السلام، وجهود المصالحة الفلسطينية ببث الفتن والتحريض، وربما يكون الحل إزاء هذه الممارسات، ودائرة العنف هو إقناع الرأي العام الغربي والشارع الإسرائيلي بأن استبعاد هؤلاء من المشهد السياسي أو علي الأقل منعهم من السيطرة علي قرارات الائتلاف الحكومي يحقق نقلة نوعية تفتح الباب أمام السلام والأمن للجميع. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور;