بينما تظهر بين حين وآخر بعض الفتاوى الشاذة والآراء الفكرية لدعاة حقوق المرأة والتى تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، نجد كثيرا من النساء يقعن ضحايا للعادات والتقاليد وسطوة «كبير العائلة» ولا يحصلن على حقهن الشرعى الذى نص عليه القرآن الكريم فى آيات واضحة لا تحتمل الاجتهاد أو التأويل. هذا الواقع المر انتشر فى المجتمع المصري، وأصبح عرفا سائدا فى بعض كبريات العائلات فى الريف، وكان سببا فى نشر البغضاء والكراهية والفرقة بين الأهل بديلا عن المودة والرحمة والألفة وصلة الرحم التى أقرها الله بشرعه. وقد احتالت بعض العائلات الثرية بتزويج بناتهم لأبناء عمومتهم حتى لا يؤول الميراث إلى غريب عن العائلة، أو إلى ترضية النساء نقدا أو رمزا. وفيما أكد بعض العلماء الحاجة إلى سن قوانين لمعاقبة مانعى المرأة من الميراث، يرى آخرون أن العقوبات قد نص عليها القانون، ولكن سطوة العرف والتقاليد غلبت المرأة على أمرها، وطالبوا بتضافر جميع مؤسسات الدولة لنشر التوعية الدينية والإعلامية والثقافية من اجل تمكين المرأة من ميراثها الشرعي. وأكد الدكتور صابر أحمد طه، عميد كلية الدعوة السابق، أن أنصبة الميراث قد قدرها الشارع الحكيم سواء للرجال أو النساء، وبسط القول فى هذا وبالتالى نحن فى حاجة إلى أن يقوم الدعاة بدورهم فى تعريف المجتمع بهذه الأنصبة ثم العقوبات التى قامت الشريعة الإسلامية بتحديدها لمن يخالف شرع الله فى توزيع الميراث بإصدار قانون لمعاقبة من يقوم بهضم حقوق المرأة فى الميراث أو غيرها، ف «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وبالتالى نبعد البشرية عن الظلم والحقد الذى يتولد من هذه الأمور، ويؤدى إلى ترابط الأسرة، وبالتالى إلى قيام المجتمع على التآلف والتآخى بين أعضائه. وإذا كان القرآن قد أكد أن هناك عقوبات أخروية فى تعطيل أو أكل الميراث فى أكثر من آية، فى المواريث فى قوله (تلك حدود الله فلا تعتدوها)، ولذا نحن نرى ولى الأمر أو الحاكم أو السلطان أو مجلس النواب أن يقدم سلسلة من العقوبات متفاوتة تتراوح على حسب نصاب الميراث وحجم التركة، مابين حبس أو غرامة مالية مشددة، لأنه خائن للأمانة ولذا يجب ردعه بأغلظ العقوبات. أعراف وتقاليد وفى سياق متصل أشارت الدكتورة أمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة وعضو مجلس النواب، إلى أن قانون تجريم من يعطل ميراث البنت أو غيرها أو يتلاعب بالميراث موجود بالفعل منذ أيام الرئيس السادات، ولكن ليست القضية فى سن القانون، ولكن القضية فى تطبيق القانون، فالأسرة الصعيدية مازالت تمثل المظلة التى تستظل بها البنت وخاصة فى العائلات الكبيرة التى تمتلك الأطيان الكثيرة، ومن هنا كان الحرص على زواج بنت العم من ابن عمها من التاريخ القديم، حتى لا يذهب الميراث الخاص بالبنت من العائلة التى تزوجت خارجها، ومن هنا انتشر زواج بنت العم من ابن عمها، حتى ظهر فى العائلات بعض أمراض التوارث نتيجة الحرص على الأرض وتزويج العائلة من بعضها، وأخيرا اتجهت الكثير من العائلات الى تزويج بناتهن خارج العائلة، فظهر ما يعرف ب (الترضية)، فحينما يتوفى والد البنات وخصوصا الأثرياء يأتى كبير العائلة قائلا إن أطيان عائلتنا لا تذهب إلى زوجها الذى هو خارج العائلة، ويتم ترضيتها بمبلغ رمزى نقدي، ولا تملك البنت أن تعارض كبير العائلة الذى حكم بذلك، وهذا الموروث الثقافى والعرف الاجتماعى المتجذر فى بلادنا يؤكد أن القضية ليست فى القانون، ولذا يجب التوعية الشرعية من قبل أئمة المساجد، والتوعية الثقافية على المستوى العام من قبل وسائل الإعلام. ونحن بصدد إعداد عدة مشروعات قوانين فيما يخص المرأة سواء الميراث أو الطلاق أو المرأة المعيلة، أو المرأة التى تخشى الطلاق الدائم اليومي. وستطرح قريبا فى البرلمان المصري، كما سنعمل على ضرورة أن يلتزم الجميع فى توزيع الميراث وفقا لما جاء فى الشريعة الإسلامية، والعمل على التوعية وتغيير الموروث الثقافى وسطوة الأعراف والتقاليد. أكثر انتشارا فى الريف وأشار الدكتور جمال الدين حسين عفيفي، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة، إلى أن الجهل كان السبب الرئيسى فى انتشار ظاهرة (أكل الميراث) وهى من الظواهر الشائعة فى مجتمعنا المصرى وبخاصة فى بعض المناطق الريفية النائية، ويظن البعض أنهم بهذا العمل يحافظون على ممتلكاتهم وعلى عدم تحولها إلى عائلات أخري، ويتسبب ذلك فى كثير من المشكلات التى تمتلئ بها ساحات القضاء، فضلا عن أن هذه المشكلة تؤدى إلى حدوث الشقاق والنزاع بين الإخوة الذكور وأخواتهم الإناث، ومن يخاف ربه عليه ألا يحاول أن يفعل هذه الأمور التى ينكرها الشرع، بأن يحرم ابنته من الميراث، وقد يظن البعض أن تجهيز البنت للزواج يمكن أن يحل محل نصيبها فى الميراث، وهذا ظن باطل، لأن من حقوق البنات والنساء على من يتولى أمرهن أن يقوم بتجهيزهن وفى نفس الوقت إعطائهن حقهن فى الميراث الذى شرعه الله لهن، ومن هنا فيجب على القائمين على ميراث النساء أن يلتزموا بما شرعه الله ويقوموا بإعطاء هؤلاء حقهن حتى لا تنشأ العداوة والبغضاء بين الأخ وأخته وليعلم الجميع أن الله ما شرع أحكام الميراث وحددها إلا لأنها تسهم فى انتشار الوئام والحب بين الذكور والإناث وعدم شعور أى منهم بالاضطهاد والتقصير، ومن هنا وجب علينا أن ننتبه إلى خطورة التقصير فى مثل هذه الأمور لأن عواقبها وخيمة على الفرد والمجتمع.