«الفقر والجهل والعرف» ثالوث مدمر للمجتمعات، وقد أفرز هذا الثالوث زواج القاصرات ظنا من أوليائه أنه دواء للفقر والعجز أو انه ستر واستعفاف وإحصان لبناتهم، أو أنهم لم يستيقنوا أن الله تكفل بالرزق لجميع مخلوقاته، قال تعالى فى شأن الآباء والأبناء: «نحن نرزقكم وإياهم. ويكثر زواج القاصرات فى القرى والمناطق النائية والعشوائية لغلبة التقاليد الموروثة على الدين، ويحتال أولياء الأمور لتزويج بناتهم القاصرات إما باللجوء إلى مكاتب الصحة لتسنين البنت، أو الزواج العرفى عن طريق أحد أئمة المساجد أو المحامين حتى تبلغ السن القانونية فيوثقون الزواج هربا من الفقر أو طمعا فى الثراء السريع. ويؤكد علماء الدين أن تحديد سن الزواج لم يرد فيه نص قاطع بالقرآن أو السنة، ولكنه باب مفتوح للاجتهاد وفق ما تقتضيه المصلحة، وانه حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله. وطالبوا المؤسسات الدينية الرسمية باجتهاد جديد وفتوى جماعية تحدد سن زواج الفتيات، وتحميهن من المفاسد التى تنشأ عن تغليب العرف والعادات والتقاليد على الشرع والقانون. ويكشف الشيخ إسلام عامر، نقيب المأذونين، أن حالات الزواج دون السن القانونية لا تتم عن طريق المأذون الشرعى وإنما تقع على أئمة المساجد، أو المحامين، أو منتحلى صفة المأذون، ويتم عرفيا دون توثيق، وعندما تبلغ الزوجة السن القانونية يتم إثبات الزواج رسميا عن طريق المأذون أو يتم رفع دعوى توثيق الزواج أمام المحاكم. مصاهرات عائلية دون قسيمة وأكد الشيخ إسلام عامر، أن نقابة المأذونين بصدد تنظيم عدة مؤتمرات خلال هذا الشهر فى محافظات الوجه القبلى والبحرى للتحذير من زواج القاصرات، وأشار إلى المشكلة الأخطر هى أن هناك زواجا يتم بين العائلات دون قسيمة زواج، وهذا يندرج تحت قائمة الزواج العرفي، وهذا الأمر يعد جريمة فى حق المرأة والمجتمع. وأشار نقيب المأذونين، إلى أن هناك بعض الحالات يتم الزواج ثم ينكر الزوج زواجه، وعند إنجاب الزوجة للمولود لا تستطيع استخراج شهادة ميلاد له على الإطلاق، حتى إنها لا تستطيع الذهاب به إلى مكاتب الصحة لتطعيمه ضد الأمراض، وتسقط كل حقوقه، ولذا أطالب بتغليظ العقوبة على أى مأذون يقوم بمثل هذا العمل، والمأذون المعين رسميا من قبل الجهات المختصة يعاقب بالحبس والعزل من الوظيفة إذا أقدم على أى مخالفة أو حرر عقدا للزواج دون السن القانونية، والحل الوحيد هو مراجعة توثيق وإثبات العقود السابقة. عقود عرفية كما طالب نقيب المأذونين، بصدور قانون لتجريم العقود العرفية دون السن القانونية، لأننا وجدنا أن هناك قسائم مزورة من قبل منتحلى صفة المأذون، والمشكلة انه يتم الإعلان عنهم فى الجرائد ومحطات المترو بأنه مأذون شرعي، وليس بمأذون، كما حدث الأسبوع الماضى فى واقعة القبض على أحد العاملين بوزارة الأوقاف فى واقعة زواج أقل من السن القانونية. وأوضح أنه تم توثيق ما يزيد على 970 ألف حالة زواج فى 2016، وهناك ما يقرب من 50 ألف عقد زواج غير موثق تحت السن القانونية، وهناك حالات زواج عرفى كثيرة تتم فى القرى والنجوع، من أجل الإفلات من العقوبة القانونية، خاصة أنه لا يوجد قانون يجرم عقود الزواج العرفي، وهو ما يشجع البعض على تزويج الفتيات فى سن صغيرة دون خوف، لذلك يجب تجريم عقود الزواج العرفى أولا وبعدها نحدد سنا مناسبة لزواج الفتيات. تقاليد موروثة وأشار الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين بالأزهر، إلى أن الأسباب الحقيقية لزواج القاصرات تنحصر فى تفشى الجهل والتقاليد الموروثة، والأب الذى يعلم أن ابنته الصغيرة لا تتحمل المسئولية ثم يزوجها فهو بذلك يخالف تعاليم الإسلام، والنبي، صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...)، والإسلام أسند الرأى للولى فلا زواج إلا بولي، فإذا كان الولى يدرى ثم يتجاهل فهذا أمر يحاسب عليه أمام الله، ولا يليق أن يلقى الأب بابنته لغريب تحت دعاوى أو مبررات واهية كالخوف من الفقر أو أن يفوتها قطار الزواج أو ضيق ذات اليد، فى حين أن الله تبارك وتعالى يقول: «وفى السماء رزقكم وما توعدون»، ويقول تعالي: «نحن نرزقهم وإياكم»، فالله تبارك وتعالى ضمن الأرزاق للآباء والأبناء، ولا يليق برجل ذى مروءة أن يزوج ابنته لمن هو فى عمر أبيها، وكذلك على الرجل أن يختار الزوجة الصالحة الملائمة له، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : «تخيروا لنطفكم فان العرق دساس» . التسنين مخالف للشرع وأشار الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر سابقا، إلى انه ينبغى ألا تزوج البنت إلا إذا كانت تستطيع تحمل المسئولية، وتقوم بأعباء بيت وأسرة وأطفال وتتولى تربيتهم والقيام على شئونهم وتوجيههم الوجهة السليمة، وأيضا ينبغى أن تكون قادرة على تحمل مسئوليات الزواج، وتستطيع أن تنهض ببيتها، والقاصر لا تستطيع أن تفعل ذلك، ولا تقوم به ولا تتحمله، وهذا لا يقوى عليه إلا ذات عقل راجح وفكر سليم، والقانون حدد سنا للزواج، فلا ينبغى أن نخترق القانون، لأن فيه مصلحة الجميع، للبنات والبنين. وأضاف: إن هناك أكثر من مشكلة فى هذا الشأن للتحايل على القانون، وهى تسنين البنت، وبشهادة التسنين التى يستخرجها والدها من وزارة الصحة، (وهذه الظاهرة خطيرة وموجودة بالفعل فى بعض القري) يعقد بها القران على ابنته، ومن هنا يتم التزوير، ومخالفة القانون والشرع، ومن ناحية أخري، يعقدون عقدا عرفيا فى ورقة غير معترف بها، ثم ينتظرون حتى تبلغ السن القانونية، ثم يزوجونها زواجا شرعيا، وكل ذلك مخالف للقانون، وأطالب بتجريم كل من يفعل ذلك من أولياء الأمور أو المأذونين.