أشاد علماء الدين بقرار مجلس الوزراء بالموافقة من حيث المبدأ على مشروع قرار رئيس الجمهورية بتعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث،فى إطار تدخل المشرع لتجريم الامتناع العمدى عن تسليم الميراث أو ريعه، بهدف منع تلك الأفعال التى أدت إلى ضياع الحقوق الثابتة شرعا وإحداث خلل اجتماعى واقتصادي. وأكد العلماء أن منع أصحاب الحق من الميراث يعد «رِدة» إلى فعل الجاهلية، التى جاء الإسلام وقضى عليها، موضحين أن من يفعل هذا الجرم يعرض نفسه للعقاب والعذاب الشديد فى الآخرة، أما فى الدنيا فعلى الحاكم وأولى الأمر والمؤسسات المعنية بهذا الأمر أن يضعوا عقوبات تعزيرية لمنع هذه الجريمة، التى تعد خيانة للأمانة. وطالب العلماء بسرعة إقرار القانون للقضاء على تلك الظاهرة التى تهدد النسيج والتماسك الاجتماعى وتنشأ عنها صراعات عائلية قد تؤدى إلى ارتكاب الجرائم الأخلاقية والنوعية، وتنشر الأحقاد والحسد والضغينة بين أفراد العائلة، بالإضافة إلى تقطيع الأواصر وصلة الأرحام، التى جاءت كل الشرائع السماوية بالدعوة إلى المحافظة عليها والتمسك بها. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، إن الشارع الحكيم أوجب للرجل والمرأة نصيبا مقدرا من تركة من تربطه بهما علاقة تعد سببا من أسباب الإرث, إلا أن بعض المتنكبين عن شرع الله تعالى يجتهد فى حرمان بعض الورثة من حقه فى تركة مورثه, وأكثر ما يكون هذا بالنسبة للإناث, اللاتى يحرم أكثرهن من التركة, خاصة فى المجتمعات الريفية أو نحوها, ونجد آيات المواريث تقرر حق الأنثى فى الميراث, سواء كانت بنتا للمتوفى أو أما أو جدة أو أختا أو زوجة, أو نحو ذلك, ومن الآيات الدالة على ثبوت حقها فى تركة قريبها المتوفى، قول الله تعالى فى شأن إرث البنت أو البنات والأبوين: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ», وقال تعالى فى شأن إرث الأنثى من أبويها أو أقاربها: «لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا», وقال جل شأنه فى حق إرث الزوجة من زوجها: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم», وقال جل شأنه فى حق ميراث الأخت من الأم: «وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثُّلُثِ», وقال فى شأن ميراث الأخت الواحدة أو المتعددة: «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ», ولما نزلت آيات المواريث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أعطى كل ذى حق حقه», مما يدل على أن حق الأنثى فى الميراث ثابت مقرر شرعا, وليس تفضلا من أحد, بحيث يمنحها إياه أو يحرمها منه إذا شاء . حقوق مشروعة وأضاف: إن البعض ما زال يعيش عصر الجاهلية بكل ما حوته من ممارسات ينبذها الإسلام بل تنبذها الفطرة السليمة, فما زال البعض ينظر إلى المرأة فى عصرنا كأنها من سقط المتاع, يجب أن تحرم من الحقوق, بحسبانها فى نظره مخلوقا هو فى المرتبة الثانية من نوعى ذرية آدم, ولذا فما زال يتمثل قول الشاعر الجاهلى فى عصبيته المقيتة, وحبه لأبنائه وذريتهم, دون بناته وذريتهن, معللا ذلك: بأن أبناءه هم الذكور ومن تناسل منهم, وأما نسل بناته فليسوا من أبنائه, لأن آباءهم الرجال الأجانب عنه, الذين لا ينتسبون إليه, قال: (بنونا بنو أبنائنا * وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد), ولذا عمد هذا البعض من معاصرينا إلى حرمان الإناث من حقهن فى الميراث أيا كانت درجة قرابتهن من المتوفى, معللا هذا الحرمان بأن من شأن إعطاء المرأة نصيبها من التركة, أن يئول هذا النصيب إلى من تتزوجه أو إلى فرد آخر خارج الأسرة, فتتفتت ثروة العائلة وتراثها, وينتفع بها من لا ينتسبون إليها, ممن لم يكن منهم جهد ولم يكن لهم أثر فى اكتساب هذه الثروة, فيفضى هذا الحرمان أن يئول أمر مال التركة إلى أن يكون دولة بين الذكور من أفراد الأسرة وذريتهم, دون الإناث, وإذا قرر الشارع حقا لأحد, فإن هذا الحق محمى بنصوص الشريعة الآمرة بإعطاء الحقوق إلى أصحابها, والنصوص الزاجرة عن منع أصحاب هذه الحقوق من الوصول إليها, التى اقترنت بالوعيد الشديد على منع هذه الحقوق, فإن مال التركة أمانة بيد من آل إليهم أمر التركة من الورثة, وقد قال الله تعالي: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها», وورد النهى عن خيانة الأمانة فى نصوص عدة, منها: قول الله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم». وأشار إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أخذ مال الغير بغير حق, فقال: «من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه, خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين», ومن يمنع المرأة حقها فى الميراث لا يغصبها شبرا فقط, بل يغصبها الكثير من المال عقارا كان أو منقولا, فيرد الوعيد الشديد فى الحديث فى حقه, وبمقتضى هذه النصوص كافة يكون لولى الأمر تعزير من يمنع إيصال الناس إلى حقوقهم عامة, سواء كانت متعلقة بالميراث أو غيره, ويكون له بمقتضى ذلك أن يتخذ كل ما من شأنه إيصال الحقوق إلى أصحابها خاصة الميراث, من حبس أو غرامة أو نحو ذلك, بما يتحقق به ردع من يمنع المرأة من حقها الشرعى فى الإرث من قريبها المتوفي, إذا قام بينهما سبب من أسباب الإرث وانتفت موانعه, وما يحقق زجر من تسول له نفسه أن يفعل هذا مستقبلا . عقوبات تعزيرية وفى سياق متصل، أوضح الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال «إن الله لم يدع أمر الفرائض لنبى ولا لغيره وإنما بينها فى كتابه، فأعطوا كل ذى حق حقه» وعلى المؤسسات ذات العلاقة بحماية الحقوق لأصحابها كوزارة العدل والشرطة المدنية ومنظمات حقوق الإنسان، أن تقنن من عقوبات التعازير المشروعة بلسان الشرع من باب ما قاله سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه «إن الله ليزع بالسلطان - أى الحاكم - ما لا يزع بالقرآن» وعلى ضوء ذلك فتقنين عقوبات سواء كانت سالبة للحرية او غرامات مالية وما أشبه ذلك لمن يمنع حقوق الميراث أو يحجبه عن صاحب الحق، يتفق مع المبادئ والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وشدد على ضرورة ان تضطلع المؤسسات الدعوية والإعلامية والثقافية بدورها فى هذا الأمر من ناحية التوعية الصحيحة، لمواجهة مثل تلك الأفكار عند البعض خاصة فى المناطق التى تكثر وتنتشر فيها الأمية الدينية، من خلال قوافل دعوية وثقافية وعلى الأئمة والوعاظ توضيح خطورة منع النساء والأولاد من الميراث، بدلا من مواعظ الرقائق التى حفظها وملها الناس. مفاهيم خاطئة من جانبه يوضح الدكتور نبيل السمالوطى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن ظاهرة حرمان المرأة من الميراث فى الأصل عادة جاهلية، تنتمى فى الأساس إلى فكر ما قبل الإسلام فى شبه الجزيرة العربية، وبعض الحضارات السابقة على الحضارة الإسلامية، وتلك الظاهرة والفكرة ترتبط بمفهوم أن المرأة أقل قيمة من الرجل، ولها عدة وظائف فى خدمة الرجل، فالمرأة قبل الإسلام لم ينظر إليها على أنها إنسان، وإنما كانت سلعة أو حيوانا او شيطانا، ومن هذا المنطلق فليس للمرأة الحق فى أن ترث أو حتى التصرف فى الأموال، وبالتالى ليس لها أى حقوق اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. وحول تأثير انتشار تلك الظاهرة فى المجتمع، يوضح قائلا: إن أثر ذلك على المجتمع جد خطير مدمر، إذ يترتب عليه صراعات قد تؤدى إلى ارتكاب الجرائم الأخلاقية والنوعية، ناهيك عن وقوع الأحقاد والحسد والضغينة بين أفراد العائلة، مما يؤدى بدوره إلى تفكيك الأسرة إلى جبهات صراع، تؤجج نار الفتن فى المجتمع، بالإضافة إلى تقطيع الأواصر وصلة الأرحام، التى جاءت كل الشرائع السماوية بالدعوة إلى المحافظة عليها والتمسك بها، حتى يفوز المرء برضا الله فى الدنيا والآخرة. وأشار إلى أن هذه الظاهرة بدأت تطل برأسها فى بعض المناطق سواء فى بعض قرى الريف أو الصعيد، يزكيها وينميها عدة أمور، منها العادات القبلية والأعراف والتقاليد غير الصالحة وأيضا المفاهيم الخاطئة لدى البعض، مثل ان الأملاك يجب ألا تخرج من إطار القبيلة، وبما أن المرأة يمكن أن تتزوج من خارج العائلة، وحصولها على الميراث يؤدى إلى انتقال الأملاك إلى خارج حيز العائلة، مما يفقد القبيلة - على حد زعمهم - العزوة والسلطة والجاه التى توفره وتحققه لهم تلك الأملاك ما دامت فى حوزتهم كاملة، كما أن عامل الجهل بالدين المتمثل فى انتشار الأمية الدينية، يغذى فكرة منع المرأة من الميراث، ويتغافل هؤلاء بجهلهم ان توزيع الميراث على مستحقيه الشرعيين، هو عبادة لله تعالى مثلها مثل الصلاة والصيام وسائر العبادات التى فرضها الله على عباده.
.. ودار الإفتاء: مماطلة أحد الورثة أو تأجيله القسمة دون عذر محرم شرعًا
أكدت دار الإفتاء المصرية أن مماطلة أحد الورثة أو تأجيله قسمةَ الإرث أو منع تمكين الورثة من نصيبهم بلا عذر أو إذن من الورثة محرَّم شرعًا، وصاحبه آثم مأزور، وعليه التوبة والاستغفار مما اقترفه، ويجب عليه رَد المظالم إلى أهلها؛ بتمكين الورثة من نصيبهم وعدم الحيلولة بينهم وبين ما تملكوه إرثًا.والتركة بعد موت المُوَرِّث حقٌ لعموم الورثة على المشاع - ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم- فيستحق كل وارث نصيبه من التركة بعد أن يخصم منها نفقة تجهيز الميت وبعد قضاء الديون وإنفاذ الوصايا والكفارات والنذور ونحو ذلك. ولا يجوز لأى أحد من الورثة الحيلولة دون حصول باقى الورثة على حقوقهم المقدَّرة لهم شرعًا بالحرمان أو بالتعطيل، كما لا يجوز استئثار أحدِهم بالتصرف فى التركة دون باقى الورثة أو إذنهم، فمنع القسمة أو التأخير فيها بلا عذر أو إذن محرَّم شرعًا. وقالت دار الإفتاء إن حرمان الإناث من الميراث، وحرمان الأولاد من ميراث أبيهم لحساب أمهم بغير رضا منهم، وغير ذلك مِن مخالفة أحكام الميراث الشرعية الربانية، إنما هو من ميراث الجاهلية التى جاء الإسلام ليجتثها ويُهِيل عليه التراب إلى الأبد، فلا بارك الله فيمن أحياها مرة أخرى، وهذا يكون من أكل أموال الناس بالباطل، وهو من كبائر الذنوب التى تَوَعَّد عليها الله تعالى مرتكبَها بشديد العذاب؛ فإنه تبارك وتقدس قال بعد آيات الميراث من سورة النساء - وقوله الحق -: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ # وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 13-14]. ولا يجوز منع التركة عن أحد الورثة أو تأخير القسمة بلا إذن، إذ الأصل أن للإنسان أحقية التصرف فيما يملك، وملك الوارث لميراثه يحصل بمجرد موت مُوَرِّثِه، فكل واحد من الورثة مالك لنصيبه فى التركة ملكًا لا يقبل التشارك وله أحقية التصرف فى نصيبه دون تسلط من أحد عليه فى ذلك، والأصل أنه لا يجوز للإنسان التصرف فى ملك الغير أو الافتئات عليه فيه. والمنع أو التأخير بلا عذر أو إذن تعدٍّ على حقوق الغير وهضم لحقهم، وذلك من الظلم، والظلم من الكبائر المتوعَّد عليها، قال: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وفيه أيضًا أكل لأموال الناس بالباطل الذى نهى الله تعالى عنه فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ).