ويل للإعلام العربى من هذا التدفق المتواصل البشرى بما يحمله من تدافع!، يبدو جلياًّ اليوم فى الاستيلاء على كل مجالاته ووسائطه، من جحافل جنود، هم عبارة عن خليط مكون من الدخلاء(سياسيين، عسكريين، قادة أحزاب، رجال دين، حقوقيين، أطباء، مهندسين، فنانين، رجال أعمال ومال، فلكيين، مشعوذين، أبناء الفراغ والوحدة والضياع، أهل المقدس،.. إلخ)، حتى أصبحت حياتنا العربية مختصرة فى وظيفة الإعلام. الدخلاء فى الإعلام هم حالة عامة تفرضها طبيعة المرحلة، وعلينا التصدى لها، لأنها خطر على منظومة التعليم الجامعي، خاصة كليات الإعلام فى الوطن العربى كله، ناهيك على أن الوضع الحالي، خاصة بعد أن أصبح كثير من المسئولين مغردين، سينهى العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والإعلاميين، والتى هى دائما فى جذب وشدٍّ، ومدٍّ وجزْرٍ، سواء فى الدول الديمقراطية أو الديكاتورية، الجمهورية أو الملكية، وذلك بعد أن اختار بعض المسئولين فى العالم ومنها دولنا العربية أن يقوم بدور الإعلامي، ليصبح للمسئول وظفيتان وأكثر، وتحولنا نحن الصحافيين والإعلاميين إلى بطَّالين، وهذا أحدث خللاً فى العلاقة بين الإعلاميين والحكومات، سواء تعلّق الأمر بالتعاون أو المنافسة أو الصراع. مهما يكن، فإن العلاقة السابقة الذكر بأنواعها المختلفة تتراجع اليوم، لأن ما كان يجعلها تتواصل فى الماضي، أمران: الأول الحاجة للتعايش، لأن كلا منهما ضرورى فى وجوده لبقاء الآخر، والثاني: أن الإعلام سلطة محتكرة لأصحابها، أى أنه يحافظ على تخصصه ومهنيته، وبغياب الأمرين السابقين، تداخلت السياسة بالإعلام، مثلما تداخلت معهما القضايا الأخرى، وهذه تمَّت عبر من نعتبرهم إعلاميين جُدَدا أو دخلاء، وهنا تكمن الخطورة.. لكن كيف يتم ذلك؟. لأنه وعلى سبيل المثال حين يقوم مسئول ببث خبر على موقعه قبل أن يأتى من الناطق الإعلامى الرسمى، وتبثه وسائل الإعلام يكون بذلك قد مارس عملا إعلاميا، أى أنه لم يكتف بوظيفته، وإنما استولى على وظائف الآخرين، وفى مجتمعات متخلفة كالتى نحن منها، يتحول خبر المسئول إلى شيء مقدس، وفى دول أخرى مثل: الولاياتالمتحدةالأمريكية يصبح حديث ووسائل الإعلام، وفى الحالتين، يتجه دور الإعلام من ناحية صناعة الخبر إلى التقلص. إن ما يقوم به السياسيون اليوم سواء أكانوا من صُنَّاع القرار أو رؤساء أحزاب يُشكل انتهاكاً سافراً لدور الإعلاميين، ومع الأيام سيكون الإعلام والسلطة السياسية شيئا واحداً، مثلما انتهى دور وزارات الإعلام فى معظم دول العالم، ومثلما يتراجع دورالناطقين باسم الحكومات ومؤسسات الدولة، وأيضا كما تقل المؤتمرات الصحافية للمسئولين، وتنعدم حواراتهم مع وسائل الإعلام. وعلى خلفيّة ما سبق ذكره، لابد من إعادة النظر فى الأخبار التى يبثُها المسئولون عبر التغريدات، من خلال حساباتهم، حيث لابد من التفريق بين الأخبار الخاصة، التى تبين البعد الإنسانى فى حياة الحكام، وبين تلك المتعلقة بالحكم، والدولة عموما، أولا، من أجل المحافظة على التخصص فى العمل السياسى والإدراي، وثانيا: حتى يتمكن الرأى العام من مناقشة القوانين والقرارات الصادرة، ونزع طابع القداسة عنها. من ناحية أخرى، فإن هناك قلقا عاما لدى السياسيين، من التطور الجديد للنجومية، حيث لم تعد اليوم نابعة من قوة السلطة، ولا من تلبية حاجة عامة عبر نشاط خاص، مثل البطولات الرياضية، والنجاحات المتحققة فى الفنون بجميع أنواعها، ولا من المنجزات العلمية والاختراعات التى تفيد البشرية كلها، ولكنها آتية من ظهور مرئى لأشخاص فاعلين هم أكثر تأثيراً فى الجماهير، وهذا بقدر ما يُسْعد العاملين فى الإعلام، بقدر ما يخلق لهم منافسة من أصحاب الحرف الأخرى سواء أكانت ذات طابع معنوي، معرفي، ثقافي، أو كانت ذات طابع مادي، ولأن الأمر كله يتعلق بالحديث والتأثير من خلاله، فإن النجومية والقبول، وبعدها المنافسة ثم الاستحواذ، ستكون لمن هُو أبلغ حُجَّةً، وأعلى صوتاً، وقد يكون أحسن قواماً، وأكثر جمالا وجاذبيَّة، وهذه المواصفات فى معظمها لإعلاميين دخلاء وجُدد، ليسوا أبناء المهنة. هنا لابدَّ من التذكير بما يلي: قد يفهم أن مسئولا سابقا يقدم برنامجا تليفزيونيا فى السياسة أو حتى فى المنوعات، لكن هذا يتم بعد خروجه من السلطة، أى أنه يستمد شرعية نجوميته من خبراته السابقة، وهنا فى هذه الحال يقبل تصنيفه ضمن الإعلاميين الجدد، واعتباره من العناصر الإيجابية، وهذه حقيقة على المسئولين العرب إدراكها، حيث إن معظمهم لا يُقنع أحدا بأفكاره وهو فى السلطة، لأنه فاقد لعنصر الزعامة وللكاريزما، فكيف سَيٌقْبَل بعدها؟.. مهما يكن نقدنا للإعلاميين الدخلاء.. هم ظاهرة ستكبر مع الأيام، وعلينا البحث عن سبل للعيش المشترك، وإلا ستغرق سفينة الإعلام بنا وبهم، لأن طوفان الدخلاء فى كل مجالات الحياة ينذر بدخولنا إلى عصر جديد، ملىء بالشك وعدم اليقين فى كل القضايا، والبداية من الأخبار تحريفاً وتضليلاً، ونشراً لأباطيل، ولياًّ للحقائق، واستحوذاً ممن هم أعلى القوم مكانة وسلطة. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;