◙ أهالى الشهداء: الرئيس وعدنا وأوفى فبنى الكنيسة وقرر لنا معاشا كريما ◙ غرف وأغراض الضحايا تتحول إلى مزارات.. والأسر تنتظر الرفات ◙ ماجد فى مكالمة مع شقيقه قبل الخطف «إحنا خلاص مش هنتكلم تانى»
هنا قرية «العور».. هذه القرية المنكوبة التى فقدت 13 من أبنائها ذبحهم عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى فى ليبيا.. بمجرد أن تطأ قدمك مدخل القرية تجد نفسك بداخل سرادق عزاء مستمر.. حالة من الترقب والانتظار لوصول رفات الشهداء، وكان أول سؤال داهمونا به «رفات اولادنا هتوصل أمتي».. لا فرق بين مسلم ومسيحى كلهم يتلقون العزاء وكلهم أصحاب ذكريات مع ضحايا الغدر. المشهد العام.. أنت فى قرية كل أهاليها بسطاء، برغم الشهرة العالمية التى نالتها قرية العور والأضواء التى سلطت عليها، وبرغم المواساة والمساعدات المالية فإنهم لم يتغيروا وما زال الحزن يخيم على وجوههم. وصلنا الى القرية من الطريق الصحراوى الغربي، وفوجئنا بأن كل البلاد المجاورة تعرف طريقها جيداً، ولم لا فقد صارت حديث وكالات الأنباء العالمية، وفى طريقنا وجدنا سيارة ربع نقل تحمل طالبات إلى المدارس عندها أدركنا كم المعاناة التى تعيشها القرية، وفور دخولنا القرية وجدنا تشابها كبيرا فى منازلها، حيث تتجاور منازل المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب، وإن كان القاسم المشترك فى جميع شوارع القرية هو ضيق المساحة وتهالك البيوت. عند كنيسة الشهداء، وقفنا فى مدخل القرية فى الاتجاه الجنوبى الشرقي، فأخذ الاهالى يروون لنا ما فعلته قواتنا المسلحة فى بناء الكنيسة وتشييدها على مساحة نحو فدان بتكلفة تصل إلى 10 ملايين جنيه، هذه الكنيسة أصبحت تمثل تخليداً لذكرى الضحايا، وقد قارب العمل على الانتهاء منها ليتم افتتاحها رسميا كما أكد لنا فضل ربيعى رئيس الوحدة المحلية لأسطال التابعة لها قرية العور، وعبدالحميد جمال عبدالحميد مسئول التنظيم بالوحدة، قائلين نحن نعيش فى قرى فقيرة وان 75 % من أهالينا لا يجدون عملا سوى بالزراعة، ومن ثم فدخولهم موسمية ولهذا السبب يهرب الشباب الى الموت بصحراء ليبيا فلكم ان تتخيلوا أن القرية بها نحو 65% مسيحيين مقابل 35% مسلمين ومع ذلك الجميع يعيش فى نسيج واحد. استوقفنا اسم القرية «العور» وسألناهم حول تسميتها بهذا الاسم الغريب، فأكد بعض الأهالى أنهم لايعرفون سببه على وجه التحديد إلا أن هناك شائعة طريفة تقول إن اثنين من أهالى القرية ذهبا لاستخراج أوراق إثبات شخصية لهما وكان الاثنان مصابين ب «العور» وبعد مغادرتهما للموظف تذكر أنه نسى أن يسألهما عن قريتهما فكتب على أوراقهما قرية العور ومن وقتها انتشر الاسم بين الناس برغم ان القرية اسمها الحقيقى «الفراشة» كما هو مثبت فى الأوراق الرسمية القديمة. تحركنا نحو منزل الشهيد ماجد سليمان شحاتة (42 سنة)، حيث التقينا شقيقه عماد الذى أكد لنا أن معظم الضحايا كانوا يعملون بنظام اليومية ونظرا لضيق ذات اليد ولأن العمل بالزراعة موسمى فإنهم غالبا ما يذهبون للعمل بمحافظات مصر المختلفة وأرجع سبب ذهابهم لليبيا لوجود شغل كثير، كما أن تكلفة السفر إليها محدودة مقارنة بباقى الدول. وأضاف عماد: أننا حاولنا إقناع شقيقى بعدم السفر لما كنا نسمعه من توتر بليبيا، ولكنه أصر على ذلك، خصوصا أنه سافر بطريقة شرعية ثم انقطعت أخباره تماماً، حتى فوجئنا بالفيديو الشهير فى ذلك اليوم الكئيب. وحول آخر مكالمة قال: قبل الحادث بيوم اتصل بى شقيقى وقال لى عبارة كانت لغزاً فكت طلاسمه الأيام «احنا خلصنا الكلام مش هنتكلم تانى صلوا وادعوا لنا» فقمت بشحن كارت ومعاودة الاتصال دون جدوى وكأنه كان يشعر بما سيحدث له وحدث ما حدث. تجولنا فى شوارع القرية حتى وصلنا إلى كنيسة العذراء مريم والتقينا القس مقار عيسى راعى الكنيسة الذى بدأ كلامه قائلا: إن الرئيس عبدالفتاح السيسى أوفى بما وعد به أهالى الشهداء حيث وعدهم ببناء كنيسة، وقد تم تشييدها وقاربت على الانتهاء، وتنتظر رفات الجثامين لتهدأ نار ذويهم، كذلك وعد الرئيس بمعاش ضمان لأسرهم وبالفعل تم صرف معاش بمعدل 1400جنيه لكل أسرة كما أمر بصرف 100 ألف جنيه تعويضا لأسرة كل شهيد، وكذلك تم تجديد الوحدة الصحية بالكامل لتخدم أبناء القرية، لافتا إلى أن القرية كان عندها أمل كبير فى رجوعهم طوال فترة اختطافهم حتى تيقنا من وفاتهم عبر الفيديو الشهير والذى أحزن مصر والعالم كله. ولاحظنا خلال الجولة قيام جميع الأهالى باتخاذ غرفة داخل منازلهم مزارا وجمعوا فيها متعلقات كل شهيد بصوره وملابسه والتى جاء بها زملاؤهم من ليبيا وسلموها لهم مع صورة جماعية للضحايا جميعا فى تقليد قال عنه الأهالى إنه يتم مع من يموت شهيدا. ومما لفت انتباهنا أن المنازل التى تسكنها أسر الشهداء كلها حديثة البناء وهو ما دفعنا أن نسألهم عن منازلهم القديمة وصدق حدثنا بأن هذه المنازل تم بناؤها من المساعدات التى تلقوها وعندما سألنا أحدهم عن منزلهم الأصلي، وفور دخولنا إليه وجدناه أنه منزل غير آدمى تماما ويفتقر لأبسط مقومات الحياة، وكذلك الحال مع كثير من منازل القرية. وعاد عماد شقيق أحد الضحايا ليكمل حديثه وهو يبكى رغم فقرنا الشديد فإن أخى كان حريصاً على تعليم اولاده مقتطعاً من قوت يومه قائلاً « ننام من غير عشاء وعيالنا يتعلموا» وبالفعل تحقق جزء من حلمه حيث انهت ابنته الكبرى دراستها الجامعية ويدرس ابنه الثانى بكلية التجارة أما الصغرى فطالبة متفوقة بالإعدادية لافتا إلى ان مورد دخلهم الوحيد هو المعاش الذى أقره الرئيس السيسى لهم. وفى منزل كرولس بشرى فوزى الحاصل على الاعدادية ولم يتزوج ويعمل نجار مسلح، كانت الصورة مختلفة حيث أكدت أسرته أنه فور انهاء الخدمة العسكرية ب 3 أيام استخرج جواز سفر وقرر السفر إلى ليبيا للبحث على لقمة العيش، وأكد والده انه اتصل قبل الاختطاف بيوم واحد وكان اتصالا أشبه بالوداع، فقلنا له لو الحال عندكم سيئ انزل فأجابنى كلنا هننزل على العيد وبعدها تلقينا نبأ الاختطاف لنعيش نحو 45 يوماً لم نذق فيها طعم النوم حتى تلقينا خبر الاستشهاد ونتمنى أن تكلل جهود الرئيس بالنجاح بعودة الجثامين وكنا ننتظر يوم زفافه لكن نصيبه كدة. التقينا مع أسرة مينا فايز (23 سنة)، والتقينا بشقيقيه شنودة وروماني، ودخلنا حجرة المزار الخاصة به، حيث قاموا بجمع كل متعلقاته بما فيها صور التكريمات التى حصلوا عليها من الدولة، وكذلك صوره فى أثناء تأدية الخدمة العسكرية، حيث أكد شقيقاه انه انهى فترة التجنيد قبل السفر بشهرين، وقال: جمعنا متعلقاته كبركة للمنزل ولو طلبتها الكنيسة لقدمناها إليها لوضعها فى مزار جماعي. ويضيف رومانى شقيق الشهيد إنه كان موجودا فى ليبيا مع شقيقه قبل الحادث بشهر للاستعداد للزواج، وأنهم رغم المخاطر التى كانوا يرونها فى ليبيا لكننا لم نكن نحكى لأسرنا عنها حتى لا يصابوا بالقلق، مؤكدا أن شقيقه أجرى مكالمة معه استمرت لمدة ساعة حكى لنا فيهاعن الوضع المضطرب وأنهم مش عارفين يرجعوا. قاطعناه مع كم المخاطر، لماذا كان السفر؟ أجابنا للبحث عن لقمة العيش وإن المكان الذى كنا نعمل به كانت الأوضاع مستقرة تماماً وانقلب الحال وحدث الاضطراب فى أسبوع واحد وانقلب الوضع هناك رأسا على عقب. وعن تفاصيل الحادث، أضاف أن معظم الضحايا كانوا يستعدون للنزول للاحتفال مع ذويهم بالعيد الذى يوافق 7 يناير من كل عام وفى 29 /12 بينما كان بعضهم مستقلاً «ميكروباص» لتوصيلهم من مكان عملهم إلى سكنهم اختلفوا مع السائق وحدثت مشادة بينهم وبعدها بدقائق تم اختطاف ال 7 أشخاص واغلب الظن أن السائق وراء ذلك الحادث حيث قام المختطفون باستجوابهم ومعرفة محل إقامتهم وبعدها بيومين دخل مجموعة من الملثمين إلى المكان الذى يسكنون فيه وطرقوا أبواب الغرف بحثاً عن أقاربهم وبعد ان تحصنت كل مجموعة داخل غرفتها ثم عم الهدوء المكان فظن المجنى عليهم أن الجناة قد غادروا المكان ، ولا يدرون أنهم لجأوا لحيلة ماكرة حيث اصطحبوا احد الأشخاص من غرفة اقتحموها وهددوه بالقتل اذا لم يستجب لطلبهم بالطرق على احدى الغرف متعللاً انه بحاجة الى نعناع لوجود مريض وفور فتح الباب تم الاختطاف. وفجر رومانى مفاجأة ان حوادث الاختطاف متكررة فى ليبيا ودائما تنتهى بدفع فدية قدرها 1000 دينار، مؤكدا أنه سبق أن اقتحم الملثمون المكان واستولوا على مدخراتهم ،واختتم كلامه قائلاً «أحنا هنا مش لاقيين شغل» ، ليبيا كان فيها أكل عيش حلو حيث إن الليبيين كانوا دائماً يجددون ديكورات منازلهم سنويا . تركنا رومانى وذهبنا إلى منزل الشهيدين لنلتقى والدة صموئيل (23 سنة) وبشوي(25 سنة) والتى فقدت ابنين فى ليبيا، حيث أكدت أن ولديهما دائما السفر بحثاً عن لقمة العيش، وكنا فى انتظارهما فى العيد لاتمام خطوبة الأول حتى عرفنا بمأساة خطفهما، وأضافت الأم المكلومة: نشكر كل من تعب معنا وكل من يبذل جهداً لعودة رفاتيهما لأننا معرفناش نشوفهم أحياء «طب نراهم وهما أموات». وبعد ان تركناهم ذهبنا لمنزل الشهيد ميلاد مكين (28 سنة)، حيث أكدت أسرته ان ابنهم لديه طفل 4 سنوات، وكان عاملا بسيطا وخرج بحثا عن لقمة عيشة، وبجوار منزله يوجد منزل الشهيد ملاك سمير (30 سنة)، متزوج ومعه طفلة 3 سنوات، وكان متعادا على السفر للبحث عن لقمة العيش خصوصاً أنهم لايملكون من حطام الدنيا شيئا. وعلى مقربة من المنزلين، التقينا بأسرة الشهيد هانى عبدالمسيح صليب (35 سنة)، متزوج ولديه 4 أطفال أكبرهم مريانا (11 سنة)، وأصغرهم باخومليس (6 سنوات)، حيث أكد أبادير مكين أن معظم الأسر تعيش على الكفاف وأنهم كانوا يعيشون فى بيوت غير آدمية، وقام شقيقه بشراء قطعة ارض قبل وفاته بعام بالتقسيط على أمل أن يبنى بيتا يجمعه وأشقاءه وقاموا ببنائه بعد وفاته بعام واختتم كلامه لو مشتغلناش مش هنلاقى نأكل. وأكدت زوجة هانى عبد المسيح انه سافر قبل الحادث ب 8 أشهر فى أول سفرية له خارج مصر واستفقنا على النبأ الأليم. وتركنا قرية العور وذهبنا إلى قرية السوبى حيث وجدنا الحال يتشابه تماما مع قرية العور وفيها ذهبنا إلى منزل صموئيل فرح وشهرته ملاك حيث أكد والده انه أكبر أشقائه وسبق له السفر قبل ذلك حيث يعمل نقاشا وقبل سفره بشهرين جاء بعض شباب القرية وطلبوا أن يسافر معهم رغم رفضه مبدأ السفر لخطورة الموقف فى ليبيا مؤكداً انه ترك زوجته حاملاً لتنجب طفلته الوحيدة التى لم يرها وقبل اختطافه ب 4 أيام اتصل للاطمئنان على كل أفراد الأسرة وأكد لهم انه أصيب بكسر فى ذراعه وانه فور تعافيه سيرجع لكن القدر لم يمهله حتى يرى ابنته.