سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فى ظل تراجع القيم وتردّى أحوال الشباب أهمية حضور القدوة فى حياتنا فقهاء: حماية الأخلاق تتحقق من خلال الأسرة والتعليم والإعلام
تربويون: مواقع التواصل الاجتماعى أزالت الهالة حول الرموز
يعيش الشباب الآن حالة من الانفلات الأخلاقي والاستخفاف بالقيم والتقاليد وغياب القدوة أو المثل الأعلى بكل المجالات في التعليم والثقافة والسياسة، مما جعلهم أسرى لمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت التي نالت من قيمة الأب أو كل ما هو كبير وله احترام وتقدير. وتشتد حاجة الشباب اليوم إلى مثل أعلى يقتدون به ويقتفون أثره ويحذون حذوه، وذلك بسبب حالة الانفلات الأخلاقي، وتضاعفت حاجتهم في مختلف أوساطهم وطبقاتهم إلى قدوات تكون نموذجا واقعيا ومثالا حيا. ويؤكد علماء الدين وخبراء التربية أننا نعيش حالة من غياب وعى الشباب بقيمة وأهمية الرمز أو المثل الأعلى الذى يفتح لهم الطريق والذى يعمل على نصحهم وتوجيههم وإرشادهم ولهم فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، قال عز وجل: «لقد كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» فهو المثل والقدوة والمعلم. وأوضح العلماء أننا فى حاجة ملحة إلى تطوير مناهج التربية الدينية وتوسيع المشاركة المجتمعية للشباب وتطوير مؤسسات بناء الإنسان وهى التعليم والثقافة والإعلام. ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن غياب القدوة الحسنة من أخطر الأمور التى تهدد استقرار وبناء المجتمعات، ويجب تقديم نماذج القدوة على كل الصعد حتى ينشأ الجيل الجديد متأثرا بنماذج إيجابية. كما يعد تعظيم دور القدوة الحسنة فى المجتمع من أهم القيم التربوية والسلوكية التى أكدها الإسلام فى الكثير من الآيات القرآنية مثل قول الله سبحانه وتعالي:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”، كما أكدت السنة النبوية أن تربية النشء لن تتم إلا بأن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهما، وذلك بالتحلى بأخلاق القرآن ، والسير على النهج النبوى القويم. وأشار إلى أنه من خلال منهج القدوة الحسنة يستطيع شخص أن يؤثر فى ألف شخص، وترجع أهمية القدوة فى العملية التربوية إلى أنها تثير فى نفس العاقل قدرا كبيرا من الاستحسان، فيحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، كما أن القدوة الحسنة تعطى الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة. ومما يدل على أهمية القدوة الحسنة أن الله عز وجل جعل لعباده أسوة عملية فى الرسل والصالحين من عباده، فأرسل الرسل، وأمر باتباعهم، والاقتداء بهم، فقال تعالي: “أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده”. وفى سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، إن إحياء القدوة أو المثل الأعلى يكون من خلال الأسرة ومنذ الطفولة فالأب والأم قدوة بأفعالهما وسلوكهما من خلال النصح والتوجيه والإرشاد لأبنائهما فى كل مراحل الحياة وحينما يذهب الطفل إلى الحضانة أو المدرسة فهو يجد المدرس أو المعلم مثلا أعلى وقدوة له فيجب أن يكون على درجة عالية من الأخلاق والقيم لينشئ جيلا سليما، فنحن افتقدنا القدوة فى كل شيء (المدرسة، والجامعة، والإعلام). وأضاف: إننا نعانى عدم وجود مرجعية للشباب توجههم وتحميهم فأين دور مراكز الشباب والنوادي؟ إن الله عز وجل أرسل لنا الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة للناس (أسوة حسنة) حيث قدم هذا النموذج فينبغى أن نحتذى به وان نستقى من توجيهاته، وأن نسير على هديه. ولكى نستعيد القدوة فلابد من بناء الأجيال الجديدة بفكر جديد واع منذ الصغر ويجب على الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات تحسين أنفسهم لأن مصر قدمت نموذجا للعالم الإنسانى كله فيجب أن نرجع إلى قيمنا ومثلنا وأخلاقنا ولن يكون إلا بعودة المثل والنموذج فى كل مراحل التربية والنشء. ويجب ألا نغفل أهمية تطوير مناهج التربية الدينية وان يكون لها مدرس متخصص لان الثقافة الدينية غير متوافرة فى المدارس أو الجامعات. كما يجب عقد محاضرة أو ندوة (لقاء ديني) كل أسبوع للرد على أسئلة الطلاب جميعا وفى النوادى ومراكز الشباب لنشر الثقافة الدينية بين الشباب. اختيار القيادات من جانبه يرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط، أن الأصل فى الاقتداء أن يكون بالنبى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة)، ونظرا لغياب القدوة الحسنة فى زماننا فقد وجد القادة السيئون فى مجالات مختلفة، وأسباب ذلك ما يلى أولا: سوء الاختيار أى اختيار القيادات فى الهيئات المختلفة بدليل ثبوت التهم على بعضهم ومحاكمتهم قضائيا وليس بعد حكم القضاء كلام. واستبعاد الأكفاء فى ميادين كثيرة لأسباب عديدة منها الرشوة والمحسوبية، وبعض الفضائيات حصرت القدوة فى الفن الهابط وكذلك فى الرياضة وتركوا الميادين التى تقدمت فيها الأمم الأوروبية والأمريكية فلم نر يوما تحتفى فيه الفضائيات بعلماء الطب أو الهندسة أو الذرة، رغم أن عندنا فى مصر الكثير والكثير ممن يحق أن نفخر بهم وان نجعلهم قدوة لأبنائنا فى كل مناحى الحياة ونظرا لغياب القدوة الحقيقية التى تجعل الأطفال يحبون العلم والعلماء ويتمسكون بالتقدم فى شتى الميادين انتشرت القدوة المزيفة فى صورة انتشار البلطجة والمخدرات. وطالب القائمين فى كل مجال من المجالات أن يضعوا معيارا لاختيار القيادات فى شتى الميادين سواء كانت دينية أو دنيوية. غياب الرموز وحول دور الأسرة ومناهج التربية والتعليم فى إحياء القيم لدى الشباب، يقول الدكتور محسن خضر، أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس، إن أهمية القدوة أو المثل الأعلى لدى الشباب هو فى فتح مسارات جديدة له وان يضاء له قبس من نور ويثير مجموعة من الأسئلة والأفكار التى يمكن أن يقتدى بها الشاب، لكن علينا أن ننتبه إلى أن تراجع القوى الناعمة المصرية من تعليم وثقافة وإعلام، كما ان الفساد السياسى طيلة العهود السابقة عمل على تحجيم وإقصاء وتهميش الأصوات والرموز البازغة فى حقولها المختلفة، ويجب الإشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى بشبكة الانترنت عملت على امتهان دور الأب وأزالت الهالة المقدسة حول كل الكيانات والرموز بعد ما تبين للشباب أنهم يستطيعون إزاحة اى رمز كبير وأى قيادة سياسية أو أكاديمية أو فكرية، وترتب على ذلك انه لم يعد لدينا المثل الأعلى الراسخ الذى يمكن أن يقتدى به الشباب فلدينا اليوم مئات النجوم المؤقتة، ولا سيما فى المجالات غير المنتجة فكريا، بالإضافة إلى أن تردى الأداء المؤسسى فى مجالات التعليم والجامعات والثقافة والإعلام والأحزاب، أدى إلى ضعف التأثير الجمعى المستمر والراسخ الذى كان ممكنا قبل عقود عندما كانت الجماهير تتحلق حول رموز سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية يمثلون القدوة والمثل الأعلى للشباب، ناهيك عن أن الكثير من رجالات الفكر والأدب والسياسة تركوا فراغا لم يستطع الظرف المجتمعى أن يملأه فى مجالات متعددة. وأضاف: إن الثورة لم يسلم منها المجال الدينى فمع هشاشة أداء المؤسسة الدينية بل وفقدان الثقة فى الكثير من الرموز الدينية الرسمية والمستقلة نتيجة بعض الممارسات السلبية أو التحول فى المواقف السياسية جعل مناخ الشك يتسع فى تفكير الشباب وشهد مناخا من اللايقين الدينى والسياسى وبدأت ثقافة المكبوت والمحرم التى بدأت تعبر عن نفسها من خلال مواقع إلكترونية للملحدين والبهائيين والشيعة، ومناخ الشك يحدث فى جميع المجتمعات عقب التحولات السياسية والاجتماعية الكبيرة مثل ثورة 25 يناير وبالتالى فقد أصاب المجال الدينى ما أصاب بقية المجالات الفكرية والأدبية من فقدان المعيار والقدوة والنموذج لدى الشباب وعزز ذلك الطبيعة المتغيرة للثورة المعرفية التى تعنى بتبدل الأمزجة والمواقف والانطباعات والتى من الصعب أن نقيس عليها موقفا ثابتا لشبابنا. وأكد أن مؤسسات بناء الإنسان وهى التعليم والثقافة والإعلام يمكنها أن تستعيد المبادئ وان تمنح شبابنا المستقبل والفاعلية فى التأثير فى التغير المجتمعى نحو الأهداف الكبرى.