إن اتخاذ المسلم للقدوة الحسنة له في كل حياته ميدان عظيم يرتقي فيه المؤمن درجات الإيمان, فهو يبحث عن النماذج الربانية التي عاشت حياتها لله تعالي ليتخذ من نورها وطاعتها وإيمانها دليلا إلي ربه, يسير علي دربهم, ويأخذ من عزائمهم دعائم لعزمه ومن محبتهم لله زادا لمحبته, ومن نورهم شمسا للأمل تنير حياته بالتقوي, وتشع أمامه أنوار الهدي. وتشتد حاجة المسلم إلي القدوة الحسنة كلما بعد الناس عن الحياة الإيمانية, فيصبح المؤمن غريبا يبحث عمن يعينه علي طاعة الله وعلي الاستقامة علي دين الله. ودين الإسلام دين القدوة وأعظم قدوة في الإسلام هم الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وعلي رأسهم نبينا محمد- صلي الله عليه وسلم- ولذلك جعله الله لنا أسوة وقدوة, بل وأمرنا بذلك, فقال:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}, الأحزاب:21]. فالقدوة الصالحة دافع للإنسان للارتقاء بالذات, فمن جعل له قدوة عظيمة في صفاته, فلا بد أن يتأسي به في كل صفاته, فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال, فمن كان عالي الهمة اقتدي به غيره, فأصلح نفسه وأصلح غيره. يقول تعالي:{ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}, الفرقان:74]. إن الله- عز وجل- يحب للمسلمين التطلع للأفضل وإلي أعلي المقامات إنها تربية للمؤمنين علي الهمة العالية, وأن يكونوا مثل إبراهيم- عليه السلام- يطلب إمامة المتقين; يقول شيخ الإسلام:(( أي: فاجعلنا أئمة لمن يقتدي بنا ويأتم, ولا تجعلنا فتنة لمن يضل بنا ويشقي. فالقدوة الحسنة نموذج حي, يعيش ممثلا ومطبقا لذلك المنهج الرباني الذي جاء به القرآن, ومن هؤلاء القدوة إبراهيم- عليه السلام- لأن الله- عز وجل- امتدحه وأثني عليه في هذه الصفة, فكان قدوة يقتدي به; قال تعالي:{ وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}, البقرة:124]. وقال ابن كثير:(( فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي, وبلغ الرسالة علي التمام والكمال, ما يستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدي به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله)). والابتعاد عن القدوة الصالحة فترة من الزمن يشعر بقسوة في القلوب, ولذلك لما توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال الصحابة:( فأنكرنا قلوبنا), وأصابتهم وحشة لأن المربي والمعلم والقدوة عليه الصلاة والسلام قد مات, وجاء وصفهم أيضا في بعض الآثار( كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة).إن في تاريخنا وفي حياة السابقين من المؤمنين الكثير من المواقف التي تعد نبراسا للقدوة تضيء الطريق أمام المتبعين للمنهج القويم منهج الحق والهدي.