نحتاج إلي تطهير إعلامنا المكتوب تحقيقا لمطلب ثوري جسده شعار ميدان التحرير: الشعب يريد تطهير الإعلام. فمنذ أن تم إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة يوم24 يونيوالماضي, وقد تسربت سلبيات كثيرة إلي ممارسات قطاع واسع من الإعلام المصري المكتوب. ومن ذلك التعتيم المتعمد علي الإيجابيات, كنجاح الجمعية التأسيسية لوضع الدستور( الجمعية الثانية) في عملها بشكل مطرد, إذ تم التركيز إعلاميا علي أمور خلافية بداخلها, في محاولة لشقها. لم يلتزم إعلاميون بالتوازن في الطرح, إذ بينما حظيت مظاهرات الصحفيين المعارضة للمعايير التي وضعها مجلس الشوري لتغيير رؤساء التحرير بتغطيات واسعة, لم يكن هناك اهتمام كاف بالوقفات المؤيدة لتلك الخطوة. ولجأ الإعلام إلي تضخيم أعمال مناوئة للثورة, فوضع ميدان التحرير علي قدم المساواة مع مظاهرات المنصة, مع أن لكل منهما وزنا سياسيا وثوريا معروفا. وحاولت صحف تلبيس حادثة مقتل طالب السويس للتيار الإسلامي, عبر ما سمي ب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهي هيئة ثبت أنه لا وجود لها في الواقع, إذ تم القبض علي الجناة, وتبين مقتل الطالب علي خلفية جنائية. كما نسبت صحف أخري حادثة مقتل الشاب الموسيقي, أخيه, في مركز أبو كبير بالشرقية; للإسلاميين, مع ثبوت أنه حادث جنائي, ولا علاقة لهم به. واستمر مسلسل التحامل الواضح علي الإسلاميين, ولجأت صحف إلي دس أخبار كاذبة, وتبنت صحف أفكارا شاذة, في منهج لتشويش المجتمع, ناهيك عن عدم التزام الحيدة والموضوعية في الأمور الخلافية, وتقديم وجهات النظر في الأخبار, وتلوينها بالرأي, وتسييس الأداء الإعلامي, وعدم التجرد من الأهواء, والتعامل مع التكهنات علي أنها حقائق, كما حدث فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة. واتسمت المعالجات الإعلامية- في جانب كبير منها- بالإثارة والتسخين وإشعال الفتن والحرائق, والتحريش بين فئات الوطن, كما حدث في الأزمة بين المحامين والشرطة, إذ تمت عسكرتها, وخرجت مانشيتات تعتبرها: موقعة دامية. وحدث نوع من الترويج لإفزاع المواطنين, مثل إدعاء نقص السلع, وإخلاء محال الذهب. وفي خضم ما سبق, غاب الإعلام التنموي; فلا اهتمام بمشروعات التنمية, والارتقاء بمستوي معيشة المواطنين, وتحسين خدمات المرور والصحة والتعليم المقدمة, ودعم روح التوافق بين القوي السياسية. كما غاب الإعلام المسئول الذي يركز علي الإيجابيات, ويبعث علي التفاؤل. وبرغم أن مصر تمر بلحظة فارقة يحاول شرفاؤها تخليصها فيها من الحكم العسكري, وفرضه الهيمنة والوصاية علي الشعب, والانتصار للدولة المدنية, ودولة المؤسسات القائمة علي الانتخابات, فوجئنا بجبال من الأوهام, وإعطاء السلطة المطلقة, وهي مفسدة مطلقة, للمجلس العسكري, وعدم التوصيف الدقيق للأمور, واللجوء إلي التوصيف التعبيري, فالمعركة بين الإخوان والعسكري, وليست بين الدولة المدنية والعسكرية.. والثورة, والنظام القديم, بحسب هذه المعالجات الطائشة. فأين المواطن من كل هذا؟ وأين الاهتمام بسكان العشوائيات والقبور, وهم مشاريع كبري لثورات مضادة؟ علما بأن القضية الأهم الآن هي السلطة والثروة, وكيف يتم إعادة توزيعهما بالعدل بين المواطنين, وأننا نحتاج إلي مجتمع متعاف متوازن, تزول عنه أسباب التشدد, وجواذب الفرقة والافتتان الداخلي. والأمر هكذ, يجب علي الإعلام المصري المكتوب أن يكون أكثر رشدا ومهنية, وأن يدعم التوافق الوطني, وأن يجمع أوسع ما يمكن من القوي الوطنية الحية لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالثورة والوطن, وأن يقف بحزم ضد أي مؤسسات استثنائية أو غير منتخبة, وأن يستوعب أطراف المعادلة, ويعمل لتحويل الثورة إلي ثروة, ووحدة وطنية شاملة, وتقديم مصر نموذجا للدولة الناجحة. ولن يتحقق ذلك- فيما أري- إلا بأن يصبح الإعلاميون دعاة توافق وتعددية, وعدالة اجتماعية, وثقافة تجرم العدوان, ومؤسسات تصون الديمقراطية, وأن يكونوا أصحاب مبادرات نفلت بها من أجواء الأزمات, ونعود بالثورة إلي أجواء التضحية والفداء, وثقافة العمل المشترك; فالأحرار يختلفون, لكنهم يبحثون عما يجمعهم, بينما المتخلفون يحرصون علي ما يفرقهم.