تسليم شهادات انتهاء البرنامج التدريبي لتأهيل وتدريب المعيدين الجدد بجامعة العريش    البنك المركزي المصري يكشف أسباب خفض أسعار الفائدة    موعد انتهاء العمل بالتوقيت الصيفي وبداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025    بوتين يرد على مزاعم ترامب بأن روسيا "نمر من ورق"    «اهدأوا».. بوتين للنخب الغربية: حاولوا التعامل مع مشاكلكم الداخلية    "الديموقراطي الأمريكي": الجمهوريون يسعون لفرض هيمنتهم عبر الإغلاق الحكومي    نتائج مُبشرة.. ماذا قدم بيراميدز مع صافرة محمود إسماعيل قبل مباراة السوبر الأفريقي؟    «بنتي انهارت».. عمرو زكي يرد على شوبير: «أنا بخير.. وكان أولى يتصل عليا» (خاص)    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 3 أكتوبر 2025.. كم تسجل درجات الحرارة نهارًا؟    «عملتها من ورايا».. نجل غادة عادل يعلق على إجراءها عملية تجميل    نيللي كريم عن ترشيح فيلمها «هابي بيرث داي» للأوسكار: «يناقش الطبقية» (تفاصيل)    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    غدًا.. مساجد المنيا تستعد لاستقبال المصلين في صلاة الجمعة    ما حكم الصلاة بالحركات دون قراءة؟.. أمين الفتوى يجيب    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    هيفاء وهبي تفاجئ جمهورها بطرح 5 أغاني من ألبومها الجديد «ميجا هيفا» (فيديو)    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    الدوري الأوروبي.. التشكيل الأساسي لفريق ريال بيتيس أمام لودوجوريتس    سعر السولار اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل جديدة في الأردن بمجال الصناعات الخرسانية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    رئيس الوزراء يوافق على رعاية النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب بمشاركة 23 دار نشر    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    نجل زيدان بقائمة منتخب الجزائر لمواجهتي الصومال وأوغندا بتصفيات المونديال    وائل السرنجاوي يعلن قائمته لخوض انتخابات مجلس إدارة نادي الزهور    المنصورة يفوز على مالية كفر الزيات.. وبروكسي يتعادل مع الترسانة في دوري المحترفين    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر تبحث مع البنك الدولي تعزيز التعاون بمجالي الصحة والتنمية البشرية    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    السيطرة على حريق فى سيارة مندوب مبيعات بسبب ماس كهربائي بالمحلة    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: ذكرى نصر أكتوبر تأتى فى ظل ظروف استثنائية شديدة التعقيد    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    مصر والسودان تؤكدان رفضهما التام للإجراءات الأحادية فى نهر النيل    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وهموم الدولة المدنية وشجون الديمقراطية‏ (1‏ 3)
حروب قوي النظام البائد الإجرامية‏..‏ وحتميات تطهير الفساد السياسي والاقتصادي
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 10 - 2011

دائما وأبدا وعلي امتداد التاريخ كانت شخصية الانسان المصري مادة خصبة علي مأدبة اللئام يلصقون بها القدر الهائل من الأباطيل والأكاذيب علي الأخص فيما يرتبط بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم‏. وهو ما يحتاج اليوم وبعد ثورة 25 يناير إلي وقفة جادة من الثورة والثوار لاعادة الاعتبار للانسان المصري, ليس فقط باعتباره مطلبا من مطالب اعادة الاعتبار له وتقديم شخصيته ومنظومة القيم الحضارية والدينية في إطارها الصحيح والسليم, ولكن أيضا باعتباره مطلبا ملحا لوقف النزيف الحاد الذي سببته الحرب النفسية الضارية والدعايات السوداء المغرضة التي مورست بأبشع الصور والأشكال ضد الانسان المصري بهدف تشويه صورته أمام نفسه ومجتمعه وأمام الآخرين لاستخدام هذا التشويه المخطط المتعمد كأداة قمعية دائمة لاخماد ثورته والقضاء علي تطلعاته الدائمة للحرية والعدل والكرامة وتفتيت قواه وإضعاف رغبته في استكمال مسيرته الثورية حتي تحقق كامل طموحاته وآماله وتقضي علي جميع مظاهر الاستبداد والطغيان والفساد التي لايطيقها ولا يتحملها وفقا لتكوينه الفطري وتركيبته الفريدة عبر الزمان والمكان ونسيجه الواحد الذي تنصهر في بوتقته جميع الأجناس والأعراف وجميع الأديان والمعتقدات والملل.
وتؤكد حقائق التاريخ القديم والحديث ووقائعه الثابتة ما يخالف جملة وتفصيلا جميع الأباطيل والأكاذيب والادعاءات التي يرددها دوما الكتبة من عملاء السلطة والسلطان عن خنوع الانسان المصري وخضوعه واستسلامه المهين دوما لظلم واستبداد الحكام وطغيانهم وما يشيعونه من صفات شديدة السلبية عن العقل الجمعي المصري بالقول إن المصريين تجمعهم صفارة ويفرقهم كرباج وكأنهم شعب من الحمقي البلهاء, ولكن وللأسف الشديد فإن هذه الأوصاف المقيتة يتم ترديدها في مناسبات عديدة بغير روية وبدون تدبر, وكأن هناك من يرغبون في جلد أنفسهم وجلد الآخرين أو علي الأقل التنفيذ عن غضبهم وسخطهم بتغيب العقل والتدبر في مواجهة الأوضاع العامة المتردية بشكل مخز ومشين بتوسيع نطاق الاتهام وتضمين مرافعة الادعاء في المحكمة خلطا مستفزا يدين الضحية والجلاد في نفس الوقت, وهو ما يحتم التنبيه واليقظة بين صفوف الثورة والثوار لهذه المكائد وادراك خطورتها ومخاطرها علي مسيرة الثورة واستخدامها دائما كسلاح فتاك لاجهاض جميع الثورات المصرية باعتبارها وسيلة مهمة لاضعاف روح الثورة والتشكيك في امكانية استمرار الالتفاف الشعبي الواسع النطاق حول اهدافها وطموحاتها المشروعة.
الثورة لاتحارب فقط الفلول بل تواجه قوة منظمة
وترتكب الثورة ويرتكب الثوار خطيئة كبري بالوقوع في وهم انهم يحاربون فلول النظام بعد أن نجحوا في اسقاط رأس النظام الفاسد البائد وعائلته الفاسدة البائدة وعدد من رموز تشكيله العصابي الاجرامي, ويظنون انهم بذلك وجهوا ضربة قاصمة للطغيان والاستبداد والفساد وحققوا نصرا مؤزرا في المعركة في مواجهة جيش الظلام العاتي الذي جثم علي انفاس مصر والمصريين لثلاثة عقود طوال وهو ما يحتم أن ينتقل التوصيف والتحليل إلي عتبات مغايرة تماما لجميع التوصيفات والتحليلات الراهنة التي تدور في فلك الفلول باعتبارها جيوب الظلام المتربصة والمترصدة للثورة الساعية للانقضاض عليها بليل, بحكم أن التوصيف والتحليل الصائب يحتم حماية للثورة والثوار أنه يتم التعامل مع الفلول علي حقيقتها, ووفقا لواقعها العملي, وهو ما يستوجب تسميتها باعتبارها قوي منظمة مازالت تملك الكثير والكثير من قوة المال الوفير البالغ الضخامة بكل ما يعنيه ذلك من امكانات الحشد والتكتيل والتجنيد لمواجهة الثورة واعتراض مسيرة الثوار, يضاف لذلك أن التعريف الدقيق للفلول لايمكن أن يتجاهل سطوتها وسيطرتها علي مفاصل الاقتصاد والمال الرئيسية الحاكمة, مما يعطيها الكثير من عناصر القوة الظاهرة والكامنة تتيح الفرصة لهذه الفلول أن تضرب الثورة ضربات موجعة ومؤلمة عندما يكتمل تنظيم وتجميع مختلف الفلول وتهيئة التربة والمناخ وفقا للمخططات المعدة والمدروسة, ووفقا للتوقيتات المحددة والمقدرة.
وتتبدي خطورة هذه القوي المنظمة من استمرار نفوذها الطاغي في الكثير من مؤسسات الدولة المهمة والحيوية وما يعنيه من امتلاك سلطان ونفوذ يملك القدرة علي توجيه الكثير من الأحداث في مسارات مختارة ومحددة, كما يملك القدرة علي التأثير في المناخ العام للدولة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وإعلاميا, وهو ما يشيع الكثير من البلبلة والاضطراب في نفوس قاعدة عريضة من المواطنين, ويدفع لتبني تأويلات وتفسيرات تندرج في الغالب الأعم تحت بند نظرية المؤامرة والتآمر, ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلي أزمة ثقة حادة متصاعدة الحلقات, لابد أن تفرز نتائجها السلبية علي مجمل أوضاع الاقتصاد والحياة والمعاملات, وتصنع بالتالي حالة نفسية تتعامل مع الثورة كأنها حالة طارئة ومؤقتة وتتعامل مع مطالب قوي الثورة وطموحاتهم لتغيير الواقع الفاسد والانتقال بمصر لأوضاع جديدة وكأنها ضغوط للتنفيس عن السخط والاحتقان يمكان ان تزول مع الزمن القريب ومتغيراته الواقعية والفعلية.
ومع تصاعد حلقات الفراغ الأمني المخطط والمدبر والغياب الواضح للارادة السياسية التنقيذية لعودة الأمن لممارسة مهامه الرئيسية وما ينتج عن ذلك من تصاعد المخاوف الشعبية المشروعة بين قواعد عريضة من المواطنين نتيجة للافتقار للأمن والأمان وشيوع الكثير من مظاهر البلطجة وترويع المواطنين بصور وأشكال تتسع حلقاتها وتتعدد ألوانها, وتصل إلي حدود تعطيل المصانع والمنشآت والمرافق العامة الحيوية تحت وطأة عمليات السرقة والنهب المنظم في ظل غياب المواجهة الرادعة والعقاب الصارم يبدو الأمر وكأن هناك قبولا بهذه التجاوزات الفاضحة لأنها تصب في خانة قوي النظام البائد وتخدم مخططاتها بما تصنعه من مناخ عام فاسد يتيح الفرصة للترحم علي النظم المستبدة القمعية وما كانت تصنعه من أوهام الأمن والأمان الكاذبة المضللة.
اعادة ترتيب اولويات الثورة والاصرار علي التطهير
من هنا فإن إعادة النظر الشاملة والعاجلة لأولويات الثورة والثوار لابد أن يكون الشغل الشاغل في هذه المرحلة لضمان استمرار الثورة وتعميق الثقة واليقين بنجاحها وقدرتها علي تحقيق المطالب المشروعة للشعب, وهو ما يحتم أن يتصدر التطهير الكامل لجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها من رموز النظام وأذنابه وغلمانه مقدمة الأولويات المرحلية حتي يمكن منع نزع فتيل جميع القنابل الموقوتة, وبالتالي تجنب تفجيرها في وجه الثورة والثوار, وفي غياب التطهير الشامل فإن الخطر يطل برأسه ليل نهار وهو خطر لا يهدد الثورة والثوار فقط, بل يمكن أن يمتد ليهدد الوجود المصري والدولة المصرية بحكم أن الممسكين بمقاليد السلطة والسلطات من أركان التشكيل العصابي الاجرامي, يمكن بحكم تفكيرهم الاجرامي وبحكم المخاوف علي ما يخسرونه ويفتقدونه وهو الذي يكاد يشمل مجمل الثروة المصرية, وتمت حيازته بالفساد والسرقة والنهب واللصوصية تحت ظلال الطغيان والاستبداد والقهر أن يدفع بهم إلي خيارات مدمرة وخيارات شديدة القسوة والعنف والتخريب لارغام الغالبية العظمي المقهورة والمطحونة من فوضي الأوضاع مع غياب الحسم للقضايا الرئيسية علي ساحة الحياة العامة للتراخي في دعمها ومساندتها للثورة والثوار وترك ظهرهم عاريا مستباحا لطعنات الغدر والاجرام.
ولا يعني التطهير فقط لاغير الجوانب المرتبطة بتطهير الوظيفة العامة علي الأخص في قمتها العليا من مافيا الجريمة المنظمة التي أقام دعائمها, وبني شبكتها ونسج خيوطها النظام البائد الفاسد لاحكام قبضته الاستبدادية, واحكام قبضته لنهب الثروات والأموال واضاعة الحقوق وتسهيل السطو والاستيلاء علي المال العام. ولكن التطهير يعني ما هو أبعد وأشمل من ذلك بكثير لأنه لابد وأن يمتد إلي تطهير الحياة الاقتصادية والمعاملات المالية والتجارية من العصابات وسلوكياتها الاجرامية وتحكمها المستفز في جميع المفاصل والأطراف في ظل أن سطوة المال لا تقل خطورة عن سطوة السلطة, وفي ظل الطغيان البائد فإن زواجا غير شرعي تم بين السلطة والمال مما صنع قوة كبيرة للشر توحشت معها في تنفيذ أهوائها المريضة, وتمكنت بالفعل من امتلاك مفاتيح النشاط الاقتصادي للدولة والمجتمع وأصبح لديها خزائن فيها ثرواته وأمواله وفي مواجهة هذا الواقع البشع المهين لايمكن أن تترك مافيا المال لادارة شئون مصر الاقتصادية من بورتو طرة أو أن تترك منشآت اقتصادية حيوية تتحرك بأوامرهم ويخضع تسيير أمورها لمشيئتهم بحكم استمرارهم كمالكين في ظل التغافل عن حقيقة الملكية واستنادها الي النصب والنهب والتحايل والابتزاز.
وفي هذا السياق فإن نجاح الثورة يتطلب أولوية أولي لتطهير الحياة السياسية من المندسين وفقا لمعايير موضوعية عملية لا تأخذ العاطل بالباطل ولاتتبني نظريات الاحتلال الأمريكي المطبقة في العراق التي نفذها بول بريمر المندوب السامي الأمريكي وحاكم العراق وما تضمنته من قرارات اجرامية لهدم الدولة العراقية وتقويض دعائمها وزلزلة دعائم المجتمع واثارة الاحقاد والنزاعات الطائفية والعرقية والدينية وقد كان نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور يحيي الجمل يطبق الكثير من وصفات بول بريمر الجاهزة وتبنته جماعة ما كان يسمي الوفاق الوطني الذي هو في حقيقته الشقاق الوطني بأحلي صورة وأجل معانيه بحكم أن التطهير السياسي المنشود لايمكن أن يعني تطبيقات من نوعية تطبيقات اجتثاث البعث من العراق لأنها كانت مدخلا لتسريح الجيش العراقي واحالة كل قياداته وضباطه للتقاعد بأساليب مهينة مستفزة, كما كانت ستارا لاغتيال العلماء وتصفية الضباط الطيارين وأساتذة الجامعات والمهنيين وإجبار نسبة كبيرة منهم علي الفرار خارج الحدود بحثا عن الأمن والأمان.
حتيمة الحرمان السياسي لكافة رموز النظام البائد
وتجربة الشعب المصري في الحياة السياسية بكل امراضها وموبقاتها يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند القيام بالتطهير السياسي ففي ظل التنظيم السياسي الواحد تحت مسمي هيئة التحرير وحتي الاتحاد الاشتراكي كانت العضوية لاتعني أكثر من سلوك اعتيادي للتأمين وتجنب بطش السلطة بالنسبة للأغلبية الكاسحة من المصريين مثلها مثل شراء طوابع معونة الشتاء قسرا وجبرا لاتمام المعاملات الرسمية الحكومية وكذلك الحال بالنسبة للغالبية العظمي من حالات العضوية للحزب الوطني المنحل الفاسد وهو ما يستوجب عدم الالتفات الي وضع الغالبية العظمي الكاسحة من الأعضاء وإن كان ذلك لاينفي حتمية التدقيق العاجل والسريع في وضع كل القيادات العليا وحرمانها من ممارسة الحقوق السياسية فيما يعني الترشح تحديدا لكل المستويات التمثيلية للشعب ولايتطلب المنع والحرمان معضلات كثيرة عند التطبيق وذلك من خلال تبني قاعدة واضحة وصريحة وشفافة لاترتبط فقط بعضوية الحزب الوطني ولكنها ترتبط بما هو أشمل وأعم المرتبط بالعضوية الفاعلة في النظام البائد والمشاركة المباشرة في افعاله الاجرامية المستبدة اضافة للتربح وتحقيق الثروة بالاستيلاء علي المال العام والثروة العامة بالنفوذ والسلطات وبالمخالفة لقواعد القانون.
ويعني ذلك بالضرورة أن يشمل الحرمان السياسي اللازم والضروري لتأمين الحياة السياسية الديمقراطية في المرحلة المقبلة وضمان خروج القدر الأكبر من رموز المافيا والجريمة المنظمة من المؤسسات التشريعية والشعبية أن يتم حرمان كل اعضاء مجلسي الشعب والشوري المنتمين للحزب الوطني المنحل علي امتداد الدورات السابقة ليس فقط بحكم الانتماء للحزب المنحل بل حكم مشاركتهم في تزوير الارادة الشعبية وبحكم تفريطهم في حقوق الشعب وفي واجبهم الدستوري كرقباء علي السلطة التنفيذية واصدارهم لتشريعات تضر المصالح المشروعة للمواطنين, يضاف لهم قياداته العليا واعضاء الأمانة العامة واعضاء أمانات الحزب علي مستوي المحافظات, كذلك كل أذرع النظام البائد من رؤساء وزراء ووزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية ورؤساء أجهزة الاعلام الرسمية والصحف القومية والبنوك والمؤسسات المالية وغيرها لدورهم الأصيل واللصيق في مساندة العهد البائد وتنفيذ مخططاته الاجرامية ويمتد الحرمان الي رجال الأعمال الذين حصلوا علي امتيازات خاصة تخالف القانون وكانوا مصادر مهمة لتمويل اعمال وأنشطة الحزب اضافة لقيادات الغرف التجارية واتحاد الصناعات الذين كان يتم تعيينهم عن طريق الوزراء التنفيذيين وفرضهم قسرا علي مجتمع الأعمال كما يجب أن يمتد الحرمان السياسي ليشمل كل الأعضاء المعنيين في مجلس الشوري لأن اختيارهم كان يعني الرضا والقبول من النظام البائد وكان يعني توافقات وتوازنات من خلف الستار لأداء أدوار بعينها في توقيتات محدودة سواء لتجميل الصورة الرديئة للنظام الفاسد او لشغل الرأي العام بقضايا جانبية وهامشية.
وفي ظل دور جهاز الشرطة الصريح لمساندة النظام وقمع المواطنين وكبت الحريات العامة فإن كل قيادات وزارة الداخلية علي امتداد العقدين الماضيين يجب أن يشملهم الحرمان السياسي, وكذلك يجب أن يمتد الحرمان السياسي الي كل ضباط أمن الدولة والي جميع من وجهت لهم تهم قتل المتظاهرين إضافة للأطقم العاملة فيما يسمي الأجهزة الخاصة بوزارة الداخلية, وكذلك الضباط المتهمون بالتعذيب في أقسام الشرطة, وفي السجون علي امتداد العقود الثلاثة الماضية, وكل المسئولين والعاملين بأجهزة كانت تتولي عمليات التنصت علي المواطنين حتي يكون ذلك بداية لثقافة جديدة لجهاز الشرطة تجعل الولاء الأول والأخير للدولة وليس لشخص الحاكم ونظامه, يمثل فيها أمن المواطن والمجتمع مكانة مرموقة ومتميزة ويمثل فيها احترام القانون المكانة العالية والمرتبة الرفيعة وهو ما يضمن ألا يلغي الأمن السياسي كل ما عداه ويتسبب في اهدار أمن المواطن والمجتمع وينتج عنه الاستعانة بالبلطجية وتجار المخدرات واللصوص وأرباب السوابق وتحويلهم الي قوة باطشة مساندة للشرطة وعماد لجهازها من المخبرين السريين بالرغم من أن مفاسدهم وتجاوزاتهم أكثر خطرا بكثير من منافع الاستعانة بهم واستخدامهم.
لا بديل عن التركيز الشديد في مواجهة الحرب النفسية ودعايتها السوداء باعتبارها ذراعا رئيسية من أذرع قوي النظام الاجرامي الفاسد لمواجهة الثورة والتحضير لمعركة جديدة تسعي من خلالها مافيا الجريمة المنظمة للعودة لامتلاك زمام الأمور في الدولة والمجتمع بصورة كاملة غير منقوصة وهي معركة في حقيقتها الواضحة القائمة تشكل معركة السطوة والسيطرة علي عقل ووجدان المواطن المصري البسيط, ويقدم التاريخ المصري الحديث من خلال حادثة دنشواي وجريمة اعدام الفلاحين المصريين بتهم قتل جندي انجليزي لم يقتلوه أصلا بل قتلته حرارة الشمس الشديدة نموذجا لأساليب التحايل النفسي علي عقل ووجدان الشعوب, حيث استخدم الاحتلال الانجليزي فصاحة المحامي الهلباوي البليغة في المحكمة وكان يمثل الادعاء أي النيابة العامة ضد بني بلدة من المصريين ليحولها من خلال زبانيته وعملائه الي عبارة مأثورة بليغة يرددها عامة الشعب تعبيرا عن الفصاحة المكروهة بقولهم لمن يحاول ويناقش باصرار انت هلباوي بدلا عن كونها دليلا دامغا علي العمالة وخيانة الوطن ولعق احذية السادة من المحتلين بكل مفاسدهم وشرورهم وخطاياهم.
ويرتبط باعادة ترتيب الأولويات ضرورة الاصرار علي التطهير الشامل الدقيق للمشاركين الفعليين في الافساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والاعلامي وعدم السماح لكل الرموز التي ارتبطت بالعهد البائد بكل مفاسده وشروره وآلامه بالترشح في الانتخابات العامة بكل صورها واشكالها, وكذلك في الانتخابات الخاصة بالنقابات والاتحادات التجارية والصناعية والعمالية حتي لايقع البسطاء في فخ أن رئيس جمهوريتهم المقبل او يمثلهم في مجلسي الشعب والشوري او المحليات كان عضوا بارزا في التشكيل العصابي الاجرامي للعهد البائد يتحدث باسمه وينهب تحت مظلته وظلاله من المال العام المستباح ويدوس مصالح الأمة والشعب بالأقدام ارضاء لمخططات العمالة الداخلية والخارجية المقيتة وما سببته من تقزيم لمصر وفقدانها للمكانة والريادة ونهب ثرواتها وتجويع وتشريد أبنائها؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.