بدا الأب مرحبا بالرجل الثري الذي تقدم للزواج من ابنته. وتغاضي عن كبر سنه. والأرجح انه اهتم بثروته الطائلة. ولم يبال أن العريس أكبر من ابنته بنحو اثنين وأربعين عاما. وتزوجت الفتاة الجميلة ناهد طلاس من الملياردير أكرم عجة, وكان رجل أعمال سعوديا. واشتري أكرم قصرا رائعا في باريس, لست الحسن والجمال, ابنة الجنرال مصطفي طلاس. وكان الرجل القوي في نظام الرئيس السوري حافظ الاسد, فقد كان ضمن المجموعة التي شاركت في الانقلاب العسكري الذي اختطف به الأسد السلطة عام1970, وشرع عقبه في تأسيس حكم العائلة. وأصبح طلاس وزيرا للدفاع منذ1972 حتي2004 ومعني ذلك انه كان وزيرا لمدة أربع سنوات للوريث بشار الأسد. ولم يدخر طلاس وسعا في دعم حكم عائلة الأسد, واضطلع بدور جوهري في المذبحة الوحشية التي ارتكبها النظام في حماة عام1982 واسفرت عن اغتيال نحو عشرين ألف سوري. ولم تكن خدمات طلاس مجانا, فقد كان أفراد عائلته يحصدون الغنائم فقد صار الابن الأكبر فراس رجل اعمال وصال وجال. وأصبح بالغ الثراء, أما الأبن الأصغر مناف, فقد أصبح ضابطا بالجيش, وصار صديقا مقربا من باسل الأسد الذي كان يتأهب لأن يصبح الوريث. لكن الموت اختطف باسل في حادث سيارة عام1994 واستدعي الأسد ابنه بشار من لندن حيث كان يدرس طب العيون وأهله لوراثته وهو ما حدث عندما مات الأسد, واصبح بشار رئيسا عام2000 وآلت للوريث صداقة مناف طلاس وجعله ضمن دائرته الخاصة. غير أن الوريث سرعان ما التف من حوله أفراد من عائلته, وأبدوا عدم ارتياحهم لاستحواذ فراس طلاس علي السوق. وتمكن رامي مخلوف ابن خال بشار من تقليص نشاطه وهيمن علي الاقتصاد السوري. وانتهي المطاف بفراس الي اللجوء الي قصر أخته ناهد في باريس, حيث رحل إليه الجنرال مصطفي طلاس(80 سنة) وكان زوج ناهد قد مات وآلت اليها ثروة ضخمة. وبقي مناف طلاس في سوريا وكان قائدا لفرقة بالحرس الجمهوري, وقت اندلاع الثورة في مارس2011, ويقول العالمون ببواطن الأمور إنه كان يمني نفسه بأن يصبح وزيرا للدفاع, ولم لا وهو الصديق المقرب من بشار. لكن حركة ترقيات الضباط التي صدرت في يوليو الحالي2012 سقط منها اسم مناف عمدا لا سهوا. وتضاربت التفسيرات وتناثرت التسريبات لكن حقيقة الأمر تبقي سرا. وفجأة تردد أن مناف انشق علي النظام وهرب من سوريا ولعله في طريقه إلي قصر أخته حيث توجد زوجته. وأيا ما يكن من شأن مناف, فإن الفئران الهاربة من سفينة الحكم السورية التي توشك علي الغرق, لا يمكن أن تنتحل دور البطولة الوهمية, حتي تعتلي عرش السلطة. وكان هذا ما كشفته ثرثرة شقيقه فراس, فقد بادر بالظهور في وسائل الإعلام باعتباره مؤيدا للثورة وممولا للثوار! وقال بالحرف الواحد: إن أتي مناف بالانتخاب( رئيسا) فهدا حقه. لكن رياح الثورة تشتد وتعنف. وتطيح بطموحات طلاس, فقد عصفت بنخبة من أركان النظام في انفجار بمبني الأمن القومي بقلب دمشق, وأودي الانفجار بوزير الدفاع ونائبه أصفي شوكت زوج أخت بشار ووزير الداخلية وعدد من مسئولي الأجهزة الأمنية. ومعني هذا أن الانفجار يؤكد أنه لا مكان في سوريا الجديدة لفئران السفينة الغارقة. إن نظام بشار الأسد الذي طال احتضاره, لابد أن يلفظ انفاسه المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي