ما بين الأصولية المتطرفة، والعلمانية المفرطة، والأفكار الوافدة فى عصر المعلومات والانفتاح المعرفي، وخطاب دينى منغلق لا لايستوعب أحلامهم وأفكارهم ولا يلبى طموحاتهم، تظهر على الساحة بين حين وآخر بعض الممارسات الشبابية التى تتنافى مع صحيح الدين وأخلاق وعادات وتقاليد المصريين التى تفردوا بها عن غيرهم من الحضارات منذ آلاف السنين. ◄ الخطاب الدينى والإعلامى منفصل عن الواقع ولا يستوعب أفكارهم ◄غياب القدوة والتفكك الأسرى أبرز أسباب انحراف الأبناء وكان المشهد الأخير من تلك الممارسات الصادمة للمجتمع، إحدى الحفلات الفنية الصاخبة بالقاهرة الجديدة، والتى ظهرت فيها بعض الإشارات والرموز لقلة قليلة من الشباب غير الأسوياء والمثليين جنسيا. وإذا كانت أجهزة الأمن قد تحركت على الفور وألقت القبض على 7 أشخاص بتهمة رفع علم المثليين والمشاركة فى حفل غير أخلاقي، وكلف النائب العام نيابة أمن الدولة بالتحقيق فى الواقعة، فنحن بدورنا نتساءل: كيف نحمى شبابنا من موجات التطرف الدينى والفكرى الوافد إلينا من الخارج؟ وما دور المؤسسات الدينية والشبابية والتربوية فى حمايتهم؟ يقول الدكتور خالد عبدالنبى عبدالرازق، مدرس الحديث بكلية أصول الدين بالقاهرة، إن الشباب مرحلة تحتاج إلى العناية والتوجيه بأسلوب يتناسب مع طبيعة هذه المرحلة التى تميل إلى الاستقلالية والخروج عن العادات والتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد، والثقافات، ويعتبر الدين جزءا أصيلا ومنبعا أساسيا لثقافتنا، فالتدين الصحيح هو صمام الأمان الوحيد الذى يحفظ شبابنا من الانجراف إلى هذه الأفكار الغريبة. ويجب علينا تقديم النموذج البديل الذى يجذب الشباب إلى اتخاذه قدوة فى حياته وإظهار جوانب الحسن فيه وتحفيزه على الاقتداء به فى جميع المجالات، كذلك يجب الكف والامتناع عن تشويه كل ما هو ناجح وإبراز جوانب القصور والعيوب وتناول ذلك فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة؛ حتى لا يفقد الشباب القدوة الصحيحة أو لا يعتبرها أهلا للقدوة فيضطر إلى البحث عن البديل الغريب عنا وعن ثقافتنا وديننا، خصوصا ونحن فى عالم انفتح فيه شبابنا من خلال أدوات التواصل الحديث على كل بقاع العالم الذى أصبح فى متناول يده. التدين الصحيح وأوضح، أن الشباب اليوم بحاجة إلى من يخاطبهم بأسلوب يتناسب مع هذه المرحلة الخطيرة التى يعيشونها والتى يرون الدنيا من خلالها عالما رحبا واسعا وخيالا وطموحات لا منتهى لها، فإذا كان الخطاب مناسبا تقبله الشباب لأنه لا يخالف طبيعتهم ولا يأمرهم أن يتخلوا عن أحلامهم وطموحاتهم ما دامت مشروعة وممكنة بل يساعدهم على تحقيقها ويفتح أمام أعينهم آفاقا أوسع وطموحات أكثر وأكبر .فرسول الله صلى الله عليه وسلم خص الشباب فى أحاديثه معهم بما يتناسب مع مرحلتهم وبالأمور التى تشغلهم كأمر الزواج والاستعداد لبناء الأسرة، واختيار شريكة الحياة، أو الحث على استغلال طاقاتهم فى أمور نافعة، لذا انتفعوا بإرشاداته ونصائحه لأنها منسجمة مع ما يعيشونه من مشكلات تواجههم فى هذه المرحلة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). تضافر كل الجهود من جانبه يقول الدكتور عبدالله محيى عزب، أستاذ العقيدة والفلسفة ووكيل كلية أصول الدين، إن هذه الظواهر الشاذة تحتاج إلى تضافر جهود المجتمع بدءا من الأسرة، فيجب على ولى الأمر أن يعرف أين يخرج ابنه وأين يسهر، وكيف يتأثر بكل ما حوله؟ وتوعية الابن من الموجات الإلحادية والأفكار الشيطانية، ويجب على المؤسسات الدينية تبنى خطاب دينى سهل ومبسط وجاذب للشباب، يناقش مشكلاتهم العصرية وينبذ الأفكار المتشددة والهدامة التى تتبناها السلفية والأصولية فتنفر الشباب، أو تلك الداعية الى العلمانية المفرطة والتحرر، فنحن نحتاج إلى فكر معتدل وسطى ليس فيه تشدد وليس به تفريط أيضا، ويجب على المؤسسات الدينية توعية الشباب وتحذيرهم من خطورتها والبعد عنها والتخلص منها وبطلانها، وأيضا دور الجامعة والمؤسسات التعليمية والمعلمين التعرض الى هذه القضايا حتى إن لم تكن ضمن المناهج، وأيضا مراكز الشباب لها دور مهم بعمل ندوات تثقيفية وتوعوية للشباب. فالشباب بحاجة ماسة إلى المعلم المتزن، والإمام الوسطي، والأب الملتزم، فالشاب يتأثر بمن يقتدى به، كوالده وأخيه ومعلمه. والنبى صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» فالمعلم راع ومسئول والأم فى بيتها راعية ومسئولة عن رعيتها.. وكذا الإعلام بوسائله المختلفة المرئية والمقروءة والمسموعة له دور فعال فى بيان مثل هذه الأفكار المتطرفة الوافدة علينا والتى تتصادم مع الكتاب والسنة. البيت هو المسئول الأول وفى سياق متصل أكد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، أن للبيت دورا أساسيا ورئيسيا فى التربية، والإعداد الأولى للنشأة يكون فى الأسرة، والبيوت الآن مشغولة عن تربية الأبناء، فالأب غير متفرغ لأولاده ويبحث عن رزقه ومعاناته اليومية فى البحث عن دخل يتطلب مسايرة الحياة الاقتصادية، والأم تبحث عن إعداد الطعام فمن الذى يربى أو يتابع الأبناء، فلا يوجد المربى القدوة، وأصبح الإعلام هو المربى الأول، ولكن ماذا يقدم لأطفالنا؟! واستطرد الشيخ عاشور قائلا: إن من ينساق وراء هذه الأفكار الهدامة، يحتاج إلى مصحات تستوعبه، وتعيد تأهيله ليعودوا أسوياء فى المجتمع، فهناك انحراف سلوكى وأخلاقى ونفسى يحتاج إلى أخصائيين وباحثين اجتماعيين، لإعادة انسجامهم مع المجتمع، كما يجب تضافر أجهزة كل المجتمع فى العلاج والتقويم السليم، حتى نقضى على هذا التشوه والأفكار الشاذة التى تهدد استقرار المجتمع. حملات شيطانية ويقول الدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة وعميد كلية الوافدين بالأزهر، إن عباد الشيطان يريدون وأد كل دين وقتل كل عقيدة سليمة يعتنقها المصريون، ويريدون تدمير بلادنا وقيمنا، ويجب على المؤسسات الأمنية والإعلامية والشبابية والثقافية منع هذا المنكر بكل ما يملكون من وسائل مشروعة، كما يجب على علماء الأمة أن يشمروا عن سواعدهم لمنع الحملات الشيطانية التى تهاجم قيمنا ولا تريد أن تبقى لها من أثر، وعلى دعاة التنوير والتحضر ومن دأبوا مؤخرا على محاربة تراثنا الدينى والأخلاقى باسم هذا التنوير أن يخرجوا الآن ليقولوا كلمة حق لله ثم للتاريخ حتى يثبتوا أنهم ليسوا شركاء فى هذه المهزلة اللاأخلاقية. ليست حرية من جانبه أوضح الدكتور على محمد الأزهري، مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن مثل هذه الأفعال ليست حرية، بمقدار ما هى سوء تربية، ويجب على أجهزة الدولة محاربة الشذوذ الجنسى فيما يُعرف بالمثلية، فهؤلاء يريدون إفساد الشباب والمجتمعات، فمن رضى بهذا الأمر ونعق باسم الحرية فإن الله منه بريء، وكذا نبينا صلى الله عليه وسلم، فالإسلام لا يقر أى علاقة جنسية بغير طريق الزواج الشرعى الذى يقوم بين الرجل والمرأة، كما يحرم الإسلام الزنا واللواط الذى كان سببًا لهلاك قوم لوط قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ*إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)(الأعراف:8081)، فكان الجزاء بأن أهلكهم الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ)(القمر:34)، وعلى أجهزة الدولة التحرك، وعدم الصمت وإيداع هؤلاء بالمصحات النفسية ونصحهم فإن أبوا ألقى بهم فى السجن المنفرد وتطبق عليهم العقوبات الرادعة، فإن الحرية لها ضوابط تقوم على قبولها عقلًا ومنطقيًا.