بعد فترة من التوازنات والمواءمات بدأت توجو مطلع هذا القرن تؤيد فى سلوكها التصويتى كل مشروعات القرارات فى الأممالمتحدة المؤيدة للحق العربى فى مواجهة إسرائيل، مناسبة الحديث هو توقيت القمة التى تعتزم توجو استضافتها الشهر المقبل، حيث تقرر أن يحضرها رئيس الوزراء الإسرائيلى ونحو 20 رئيس دولة إفريقية، ما يعنى خلق تكتل إفريقى قوى وعلنى مؤيد لإسرائيل. القمة المعنية ببحث الملفات الأمنية والمائية والتكنولوجية تستدعى للذهن القمة على النحو نفسه التى تم عقدها فى ليبيريا على هامش تجمع «الاكواس» فى غرب القارة السمراء منذ ثلاثة أشهر فقط، وحضرتها توجو مع ثلاث عشرة دولة أفريقية. وهى الأنشطة التى سبقها العام الماضى نشاط مماثل مع دول فى شرق إفريقيا، وبينما أعربت جامعة الدول العربية فى اجتماع لها بالقاهرة عن تأكيدها على أن العلاقات مع إفريقيا لن تتأثر بجولة نيتانياهو. جدير بالذكر هنا أن ما جرى من الجانب العربى الرسمى مطابق تماما لرد الفعل الذى اتخذته جامعة الدول العربية عقب جولة إسحاق شامير فى غرب إفريقيا التى شملت توجوعام 1987. بسبب تراكم عوامل عديدة وصلنا إلى هذه الأجواء التى تتيح لإسرائيل اختراق دوائر أفريقية كانت تقاطع بشكل جلى إسرائيل تماما ،ومن تلك العوامل تجاهل مصر القارة السمراء سنوات طويلة، وتحديدا بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك فى أديس أبابا. يضاف لهذا تغيب الزعيم الليبى معمر القذافى عن المشهد، حيث كان دائم النشاط فى الساحة الإفريقية ولا يتردد فى تقديم الدعم والتواصل المباشر مع كثير من القوى الفاعلة. فضلا عن انكفاء مصر على مشاكلها الداخلية ، واستغلال الجانب الإسرائيلى قرار تعليق عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى عقب ثورة 30 يونيو. فى السياق نفسه زار الرئيس التوجولى فورى جناسينجبى إسرائيل ثلاث مرات، منها مرتان فى العام الماضي، وفى المقابل اندلعت منذ أيام مظاهرات حاشدة ضد الرئيس التوجولى وقبيلته، حيث إن الرئيس الحالى تولى المنصب منذ عام 2005 خلفا لوالده الذى قضى فى الحكم 38 عاما، كما حدث اشتباك بالأيدى بين حرس نيتانياهو وحرس الرئيس التوجولى خلال الزيارة الأخيرة لليبيريا فى يونيو الماضى حين أصر حرس الأول على تفتيش حرس الثانى وهو الاشتباك الذى أدى لتأجيل اللقاء أكثر من ساعة، مما يعنى وجود حساسيات على المستوى الشعبى قد تستغلها المعارضة، مع الوضع فى الاعتبار أن استمرار الاحتجاجات من شأنه تأجيل المؤتمر لأجل غير مسمى إلا إذا تم احتواء الموقف الداخلى فى توجو بشكل نهائي. إسرائيل ترغب فى تغيير السياسة التصويتية لبعض الدول مقابل مدها بالمساعدات الفنية وبعض المساعدات المالية المحدودة، وهو ما نفته الرأس الأخضر بعد أن زعم نيتانياهو أنها وعدته بعدم إدانة إسرائيل مستقبلا، والوصول لدول حوض النيل للضغط على مصر، كما تتطلع إلى أسواق واعدة واستغلال مواد خام، ومواقع إستراتيجية لدول بحجة التعاون الزراعى أو الاستثمار، أو تدريب قوات الشرطة والجيش. وهناك دول تدعم رغبة إسرائيل فى الحصول على عضوية الاتحاد الإفريقية (بصفة مراقب). وبمثل هذا النشاط المكثف فإن القرار يصبح فى المتناول، خاصة مع الوضع فى الاعتبار أن هناك دولا تقيم علاقات بالفعل مع الجانب الإسرائيلي، سرية أو شبه سرية، حيث يتم تسريب متعمد لمثل هذه الاتصالات بشكل دورى لوسائل الإعلام. وفى جميع الأحوال نيتانياهو يستفيد بشكل كبير حتى من التقاط الصور التذكارية بعد سنوات من المقاطعة، ما دفع معسكر المعارضة بقيادة تسيبى ليفنى لمهاجمة توجهات نيتانياهو وسياساته إزاء أفريقيا، معتبرة أن لتلك السياسات تأثيرات سلبية على المجتمع الإسرائيلي. لكى تكون الصورة الكاملة أمام الرأى العام نوضح أن حجم الدعم الإسرائيلى لتوجو محدود للغاية، وعلى النحو نفسه طيلة العقود الماضية كانت المعونات العربية لتوجو محدودة أيضا، حيث قدمت تل أبيب لعاصمة توجو «لومى» أربعة خبراء فى مجال الزراعة ومحاضر بجامعة العاصمة التوجولية فى تخصص الكيمياء، وفى عام 1973 تم قطع العلاقات، ومع هذا امتنعت توجو مع عشر دول إفريقية - عن التصويت فى الأممالمتحدة عام 1975 عن قرار يصف الصهيونية بالعنصرية وهو القرار الذى صدر وقتها بتأييد 19 دولة إفريقية، ومعارضة 5 فقط، وكانت توجو خامس دولة تعيد علاقاتها مع إسرائيل عام 1987. فى ضوء التمدد الإسرائيلى المشبوه فى إفريقيا وبإيقاع غير مسبوق نرى ضرورة التأكيد للأشقاء فى الدول الإفريقية الأكثر دعما لمواقف إسرائيل أن القارة السمراء كانت مستهدفة دوما، وكان المخطط فى الأساس إقامة «دولة اليهود» فى أوغندا وعلى هذا لا ينبغى لدول وشعوب عانت كثيرا الاستعمار والعنصرية أن تساعد دولة احتلال وممارسات عنصرية. ولا ينبغى فى هذا الإطار أن تقدم دول إفريقية هدايا لحكومة نيتانياهو بعد تاريخ لا ينسى من التعاون مع نظام الابارتهايد فى جنوب أفريقيا. وبعد حاضر يعانى فيه المهاجرون من إثيوبيا، وإريتريا وجنوب السودان معاملة غير إنسانية، بعد أن خدعتهم تل أبيب بوعود كاذبة، سقطت على أسوار المعسكرات المؤقتة الضيقة التى يتم إجبار المهاجرين من إفريقيا فقط على الإقامة فيها سنوات على عكس ما يتم مع مهاجرى بقية دول العالم، الذين توفر لهم وزارة استيعاب الهجرة شققا جيدة. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور;