تحمل المواقف الأخيرة للرأس الأخضر تجاه الكيان الصهيوني الكثير من المؤشرات والدلالات غاية في الأهمية، فتل أبيب تسعى للتوغل في في إفريقيا، في محاولة لتشكيل جبهة عالمية توظفها في تدعيم موقفها الاحتلالي لفلسطين ومنحه غطاء من الشرعية، في المقابل تفقد الدبلوماسية العربية أوراقها العالمية تدريجيًّا نتيجةً لمواقفها المتخاذلة من القضية الفلسطينية، بالإضافة للخلافات والنزاعات فيما بينها. وكانت جمهورية الرأس الأخضر قد أعلنت أنها لن تصوت بعد الآن ضد إسرائيل في الأممالمتحدة، وفقا لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الأربعاء، وهذا التطور لم يأتِ من فراغ، فالدولة الإفريقية الصغيرة التي غابت عنها معظم الدبلوماسيات العربية حالها كحال معظم الدول الإفريقية،؛ لقلة المشاريع الاقتصادية والتنموية العربية في تلك الدول، الأمر الذي نتج عنه غياب الحد الأدنى لتقاطع المصالح الاقتصادية، وهو الأساس القوي الذي غالبًا ما تُبنى عليه العلاقات الدبلوماسية بين الدول. قرار الدولة الجزرية الصغيرة الواقعة قبالة سواحل غرب إفريقيا، ويبلغ عدد سكانها يبلغ 525 ألف نسمة، غالبيتهم مسيحيون، يأتي بعد شهرين من لقاء جمع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بينيامين نتنياهو، برئيس الرأس الأخضر، خورخي كارلوس فونسيكا، خلال قمة في عاصمة ليبريا الإفريقية، مانروفيا، وفي هذه القمة لا تغيب البوابة الاقتصادية مدخل إسرائيل إلى إفريقيا، ففي يونيو الماضي وصل نتنياهو إلى ليبيريا في غرب إفريقيا للمشاركة في قمة البنك الإفريقي للتطوير الاقتصادي «إكواس»، ولإجراء عدة لقاءات سياسية، وبالمناسبة كانت تلك هي المرة الأولى التي توجه فيها دعوة لرئيس من خارج إفريقيا للتحدث أمام هذا المنتدى. ومنظمة إسكواس هي واحدة من بين ثماني منظمات إفريقية إقليمية، تضم 15 دولة أغضاء بها، هي ليبيريا، ساحل العاج، غامبيا، غانا، بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، غينيا بيساو، كوناكري، مالي، النيجر، سيراليون، السنغال، وتوغو. وكان نتنياهو قد أعلن عن التواصل الدبلوماسي مع إفريقيا كأحد الأهداف الرئيسية لسياسته الخارجية، أملًا منه في كسر الغالبية التقليدية المناهضة للكيان الصهيوني في المنظمات الدولية، كالأممالمتحدة في الأشهر ال14 الأخيرة، والتي تعتمد على 54 دولة إفريقية عند التصويت. بدورها، قالت صحيفة معاريف العبرية، إنه من المفترض أن يعلن نتنياهو من ليبيريا توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية تتعلق بالزراعة والموارد المائية والتجارة والتعليم والصحة والأمن والطاقة وغيرها، وزار نتنياهو القارة مرتين، فالإكواس هي ثاني زيارة يقوم بها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي لأفريقيا في أقل من عام، حيث اجتمع نتنياهو مع زعماء سبع دول في شرق إفريقيا خلال جولته في أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا فىي يوليو من العام الماضي. حاليًا يخطط نتنياهو للمشاركة في قمة إفريقية إسرائيلية كبرى في توغو في أكتوبر المقبل، وحضور نتنياهو تلك القمة في حد ذاته انتصار للدبلوماسية الإسرائيلية على حساب العربية والقضية الفلسطينية، حيث نقلت صحيفة جروزاليم بوست العبرية، عن مصادر دبلوماسية إفريقية، لم تكشف هويتها، قولها إن السلطة الفلسطينية تمارس الضغوط على رئيس توغو، فور غناسيغني، لإلغاء القمة، كما أشارت المصادر ذاتها إلى أن السلطة الفلسطينية تحث الدول الإسلامية في إفريقيا على عدم المشاركة التي من شأنها إظهار الدعم لإسرائيل، مما يتسبب في تراجع النضال الفلسطيني. وذكرت مصادر دبلوماسية إفريقية أن المغرب أيضًا، حثت الدول الإفريقية على عدم المشاركة في القمة، وقالت: المغرب غير راضية عن انطلاقة إسرائيل في إفريقيا؛ لأنها ترى فيه منافسة في القارة، يذكر أن توغو ستوجه دعوات إلى 54 دولة إفريقية للمشاركة في القمة «الإسرائيلية الإفريقية»، المقرر أن تستمر 4 أيام، متوقعة مشاركة ما بين 20 إلى 30 رئيس دولة في القمة. وكان نتنياهو قد أعلن في أكثر من مناسبة منذ العام الماضي، بما فيها خلال زيارته إلى إفريقيا أنه يسعى من أجل التقارب مع القارة السوداء بهدف كسر التأييد التلقائي للفلسطينيين في المؤسسات الدولية التي يحظى فيها الفلسطينيون بدعم واسع، وهنا نجد التجربة السنغالية حاضرة، حيث أدى دعم السنغال للتصويت الذي جرى في مجلس الأمن نهاية العالم الماضي ضد المستوطنات الصهيونية إلى أزمة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ومن خلال اجتماع الإكواس استطاع نتنياهو نزع فتيل الأزمة بين تل أبيب وداكار، فعلى هامش الاجتماع أصدر الجانبان بيانًا ينص على إعادة السفير الإسرائيلي فورًا إلى العاصمة دكار، فيما التزمت السنغال بدعم ترشيح إسرائيل لتكون دولة مراقبة في منظمة الوحدة الإفريقية. كواليس تلك الاجتماعات لا تقف عند تقارب إسرائيل مع دول كالرأس الأخضر والسنغال، فهي أيضًا بوابات خلفية للدول الإفريقية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل كمالي، حيث التقى نتنياهو، خلال مؤتمر إكواس أيضًا، برئيس مالي، إبراهيم بوبكار كيتا، رغم أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين، وقال ديوان نتنياهو، إن الطرفين اتفقا على «تسخين العلاقات» بين البلدين. ويرى مراقبون أن الرأس الأخضر سيكون مؤشرًا خطيرًا على التوغل الإسرائيلي في إفريقيا على حساب قضايا الأمة العربية، فصحيح أنه من غير الواضح ما الذي قاله رئيس الرأس الأخضر بالتحديد لسفير بلاده إلى الأممالمتحدة، في ما إذا كانت الرأس الأخضر ستعارض أو ستمتنع في التصويت على القرارات المتعلقة بإسرائيل، أو ما إذا قرر رئيس الجمهورية وقوف بلاده إلى أجل غير مسمى إلى جانب إسرائيل بغض النظر عن مضمون مشاريع القرارات، إلَّا أن جميع خيارات هذا البلد الإفريقي تصب في صالح الكيان الصهيوني.