تعتمد قيمة الإنسان المعنوية والنفسية على الاستغناء عن ماديات الحياة إلا ما هو ضرورى للمعيشة الكريمة التى تحفظ له مكانة أدبية وكرامة إنسانية وتوفر له أساسيات الحياة من ملبس ومشرب ومأكل ومسكن وتحفظ له القدرة على العمل وكسب لقمة العيش حتى ولو كانت محدودة لمجرد أنها تسد رمقه وتغنيه عن سؤال اللئيم، وكذلك فإن قيمته الإنسانية تتركز فى الرضا بالقليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، فالتوكل على الله الخالق سبحانه من علامات الرضا والقبول والتسليم، بما رزق الله والحمد والشكر على نعمته.. هذه هى قمة السلامة النفسية والعيش فى صحة وهدوء ورضا وقناعة دون النظر إلى ما فى يد الغير ولا المقارنة بما يمتلك الآخرون. إن فلسفة الاستغناء عظيمة وعميقة وهى تعنى القناعة والثقة بالنفس وقوة الشخصية بالإرادة والاعتزاز والشعور بالتفوق والارتفاع بمستوى الطموحات المعنوية الإنسانية وليست المادية التى تتسلط عليها الشهوات والإشباع الحسى. نعم قيمة الإنسان فى الترك والاستغناء وليست فى الاستحواذ والتفاخر بالامتلاك وأن حسابات المكسب والخسارة إذا خرجت عن نطاق المعقول إلى حيز اللا معقول فإنها لا تفيد الفرد، ولا يجنى من ورائها سوى الحسرة والمرارة وانشغال البال والتوتر والاكتئاب وعدم الاستمتاع بما أنعم الله على بنى البشر بالرزق الحلال وجمال الكون ومباهج الطبيعة. إن اللهث وراء المكاسب المادية والسعى وراء المزيد من الثروة والسلطة والجاه والسلطان ليس من الحكمة فى شىء، فكل شىء زائل ولا يبقى سوى ما ينفع الناس وما يدفع إلى الرخاء والعزة لكل الناس تحت مظلة من حسن الخلق والعشرة الطيبة والتآخى بين الناس والجميع سواسية دون التفاخر والاستعلاء والكبر والتكبر وأن تكون صاحب رسالة تنفع بها نفسك وتنفع الآخرين خير من أن تكون صاحب منصب ومال تعيش بهما فى عزلة عن الناس وتحتمى بهما ووراء حجاب من المتسلقين والمنافقين وأصحاب المصالح والمنافع الذين لا هم لهم سوى أن يصوروا لك أنك الفارس المغوار الذى لم تنجب الأرض مثله وهنا أنت فى قمة الرياء والنفاق وقد اختفت معالم نفسك وتلاشت شخصيتك وعشت فى غفلة من أمرك، وفى التاريخ وعلى مر العصور نماذج كثيرة لهؤلاء العظماء الذين زهدوا فى مطامع الدنيا، وعاشوا من أجل مبادىء إنسانية وذابوا فى رحاب الحق والعدل ونذكر منهم على سبيل المثال الزاهد العابد «غاندى» والسياسى المناضل «نيلسون مانديلا» وليتنا نرى فيهم العبرة والعظة ونستخلص من حياتهم الفلاح والصلاح. د. يسرى عبد المحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة